Atwasat

مآلات التطرف العابر للحدود"الشيشان نموذجًا"

محمد الطاهر الحفيان الثلاثاء 22 أبريل 2014, 04:07 مساء
محمد الطاهر الحفيان

سنحت لجمهورية الشيشان، كما لمثيلاتها من مناطق الاتحاد السوفياتي الأخرى، فرصة نادرة للاستقلال عن روسيا الاتحادية خلال تسعينات القرن الماضي، إلا أن هذه الفرصة تبددت بعد سنوات من الحرب والفوضى.

اكتملت الفرصة الذهبية لاستقلال الشيشان عقب حرب عنيفة وقاسية خاضتها عامي 1994 - 1995 مع روسيا الاتحادية، وانتهت بهزيمة كبيرة لروسيا التي كانت تعاني آنذاك من حالة من الضعف والفوضى على جميع المستويات.

وقّع الطرفان بنهاية ما يعرف بالحرب الشيشانية الأولى اتفاقية سلام في "خاسافيورت" العام 1996، تضمنت وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الروسية من الأراضي الشيشانية، وتأجيل تحديد وضع الجمهورية، التي كان أعلن الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف العام 1991 استقلالها من طرف واحد، خمس سنوات.

بعد مقتل جوهر دوداييف خلال غارة جوية روسية العام 1996، بدأ نفوذ المتطرفين الإسلاميين يشتد في هذه المنطقة التي يتسم إسلامها بنزعة صوفية، ترسخت بفضل الطريقتين القادرية والنقشبندية، وأدى ذلك إلى استبدال إقامة دولة وطنية مستقلة على الأراضي الشيشانية بمشروع عابر للحدود سعى إلى إقامة دولة إسلامية على كامل منطقة شمال القوقاز.

انعكس هذا التوجه منذ ذلك الوقت في انتشار "المحاكم الشرعية" في جميع أنحاء الشيشان، وفي تأسيس "حرس للشريعة" وإقامة معسكرات لتدريب المقاتلين في مناطق عدة، رافق ذلك انغماس التنظيمات المسلحة في الصراع للسيطرة على آبار النفط وخطوطه حول العاصمة غروزني، كما انتشرت ممارسات الخطف للحصول على فدية أو لغرض "السخرة".

على الرغم من انتخاب أصلان مسخادوف رئيسًا للشيشان العام 1997، إلا أن سلطته لم تتعد العاصمة غروزني التي كانت مدمرة تمامًا، في حين كان النفوذ الأكبر في قبضة أمراء حرب كثيرين قسّموا البلاد فيما بينهم إلى ما يشبه الإقطاعيات.

هذا الوضع أسهم في إبقاء الدمار الكبير الذي تعرضت له مدن وقرى الشيشان على حاله، كما أصبح النشاط الاقتصادي في مجمله إجراميًا خارج سيطرة الدولة ومؤسساتها؛ من جانبه حاول مسخادوف معالجة الموقف من خلال مسايرة القوى المتطرفة المهيمنة ذات التوجه الوهابي بإدخال "حكم الشريعة"، إلا أن ذلك تسبب في مزيد من الفوضى والصدام داخل البلاد تزامن مع تزايد أعداد المقاتلين الأجانب وبخاصة العرب.

تطور الصراع بين "أمراء الحرب" بمختلف مشاربهم وبين الرئيس مسخادوف حد مطالبة قائدين كبيرين للميليشيات هما، شامل باساييف، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وسلمان رادوييف باستقالة مسخادوف بعد أن اتهماه باغتصاب السلطة، وانتهاك الدستور وقانون الشريعة، وانتهاج سياسة خارجية موالية لروسيا.

مع تزايد نفوذ الإسلاميين، أعلن الرئيس أصلان مسخادوف في مطلع العام 1999 تطبيق "حكم الشريعة" بشكل تام في الشيشان، إلا أن توالي الأحداث في هذا العام قلب مجرى الأمور رأسًا على عقب، إذ قام في شهر أغسطس شامل باساييف رفقة القائد العسكري السعودي "خطاب" باحتلال مناطق من داغستان المجاورة، لتنطلق بذلك شرارة الحرب الشيشانية الثانية التي انتهت باستعادة روسيا العام 2000 السيطرة على كامل الشيشان، لتُخمد بذلك بؤرة للعنف والدم تسببت في مآسٍ لا حدود لها للطرفين.

أسدل الستار في نهاية المطاف على محاولة استقلال في الشيشان كان يمكن أن يكون لها مصير مغاير، بخاصة أن المنطقة حاولت ببسالة مرارًا نيل استقلالها، إلا أن التطرف العابر للحدود وأد الحلم هذه المرة، وجعل من مجريات الأحداث، مغامرة دموية لمشروع وهمي بأساليب منفِّرة، منقطعة عن الواقع وعن العصر.