Atwasat

اللعب بالحروف

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 مايو 2017, 08:49 صباحا
محمد عقيلة العمامي

لا يتحقق نجاح المرء إلاّ بعد أن يتوقف عن خداع نفسه. علماء النفس يقولون، أنه بمقدور المرء أن يخدع الدنيا كلها، أما نفسه فلا، غير أنه إن تمكن من ذلك فسوف ينتهي به الحال إلى الجنون، والانسلاخ الكامل عن الطبيعة البشرية.

الأمر، أيضا، ينسحب على الدول مهما كان تعدادها وقوتها. ستظل الدولة فاشلة إلى ما شاء الله مالم يواجه حكامها حقيقة خداعهم لأنفسهم أو على الأقل الذين وثقوا بهم. العالم الذي ينبغي أن نسميه المتقدم بدلا من خداع أنفسنا بوصفه بالغربي؛ انتبه منذ زمن بعيد إلى قوة الديناميت الذي كان يعتقد أنها لن يستخدم في الحرب فصارت الأساس في الحروب كلها، ثم تطور الأمر إلى القوة الذرية فصار يجاهد بالسبل كلها حتى لا تكون أداة القادمة للحرب؛ لأن الدمار حينها سيشملهم بالتأكيد، ولا أعتقد أنهم سيستخدمونه في حروبهم مهما حدث، ولكنهم سيعملون بالجد كله حتى لا يصل إلى أيدى أولئك الذين لم يتوقفوا عن خداع أنفسهم.

الخوف يظل أمرا مرعبا في ذاته ولكنه يكون بناء ومفيدا عندما ننظر إليه عمليا وبذكاء، فالخوف من الجهل هو ما يجعلنا نبني المدراس والخوف من المرض هو ما يجعلنا نبني المستشفيات، والخوف من تغول التطرف هو ما يدفعنا بالسبل كلها لتأسيس جيش.

وحتى لا يتحول مجرد الخوف على ليبيا إلى ضياع كلي، ينبغي أن ننظر إلى واقعنا بجدية ومن دون أن نخدع أنفسنا. خصوصا من بعد قناعة صارت تفرض حقيقتها، وتلوح بجدية أننا لسنا قادرين على تأسيس دولة، بسبب حجم التشظي في بلادنا وحجم التنظيمات المؤد لجة، والمتطرفة أيضا، ناهيك أن البنية التحتية التي ورثناها من النظام السابق هشة خصوصا في جوانبها الإدارية والعسكرية.

ثورة 17 فبراير أركبتنا عربة سريعة في طريق خطر متعرج وتولى عدد من السائقين السيئين، عجلة القيادة بيد، وباليد الأخرى يتسولون مع من يساعدهم إلى الوصول إلى أهدافهم

نحن دولة ريعية، مترامية الأطراف، مختلفة الثقافات واللهجات، أما حجم العداء المنتشر ما بين مدن بعينها وجيرانها، الذي لم ننتبه إليه والذي كان مدفونا في عهد القذافي كجمر تحت الرماد بات واضحا لنا. والتدخل الأجنبي بلغ مداه وانتشر الفساد والعسف والخطف والاغتيالات والتنكيل وصرنا كلما تفاقمت مشكلة اشرأبت أنظارنا خارج حدودنا.

سنة 1951 كانت أمور متشابهة ولكنها أقل بكثير مما هو قائم الآن، وكان الحل هو البدء بفيدرالية ثم تتوحد متى وصلنا شاطئ أمان فالفكرة السياسية خلاصتها ببساطة أن تجزئة المشكلة تساهم كثيرا في حلها، وهذا ما حدث بالفعل في بداية العهد الملكي، وهذا ما أراه حلا لمشكلتنا تفاديا للحيلولة دون تغول من استحوذوا على مقدرات البلاد وسوف يتخلصون من حِمل البقية المفلسة بالتقسيم، خصوصا وأن هناك أصواتا تهدد بقتل كل من يريد أن يحمي بيته وأطفاله بجيش واحد قوى.

ثورة 17 فبراير أركبتنا عربة سريعة في طريق خطر متعرج وتولى عدد من السائقين السيئين، عجلة القيادة بيد، وباليد الأخرى يتسولون مع من يساعدهم إلى الوصول إلى أهدافهم سريعا وبأكبر قدر ممكن بمقدرات البلاد.

مشكلة الحصول على القوة ومغباتها قديمة وإساءة التصرف فيها قديمة قدم البشرية، بل تطورت أحيانا بالنوايا الطيبة، الديناميت؛ مثلما قلنا، لم يكن بالدرجة الأولى للحرب وصار أساسها. والزعماء الذين اعتمدوا على القوة، أول من تضرر منها أبناء أوطانهم. دمر هتلر بلدانا أوربية وانتهى الأمر بدمار بلاده. أسماء قوية كثيرة اتجهت إلى القوة فدمرت بلدانها وانتهوا مجرد أسطر رديئة في التاريخ في حين الذين تركوا القوة جانبا واتجهوا للوفاق بين الأضداد صارت أسماؤهم في شوارع الدنيا وتماثيلهم تزين الميادين.

كثيرون هم الذين عرفوا نقاط التداخل والتعارض بين أبناء الشعب الواحد فتمكنوا من تجنيب مواطنيهم ويلات الحرب. انتبهوا إلى العلاقات المتداخلة بين سكان مدن الدولة الواحدة فإن سقط مواطن في الصابري برصاص قناص أقام له أصهاره ليلة ذكر بجانب أهل ذلك القناص في مدينة ليبية بعيدة كانت أم قريبة. هذا التداخل هو ما يجب أن ينمى ويوثق ويدعم، أما أية مكاسب أخرى ومهما كان حجمها لا تخلق وطنا وإنما تخلق تشرذما وحقدا.. ورعبا يحوط بالمهزوم والمنتصر أيضا. ويشتعل حقدا يغلي ما بين الجماعات المتناحرة لدرجة يضيع معها الفكر الذي يحاربون من أجله ويصبح مجرد حقد وتحايل ونفاق، يخنقهم ويلحق بهم أطفالهم وينتهي الأمر بعودة حقيقية إلى ديكتاتورية قوية إذا لم يبقَ للناس إلاّ تطلع ألاّ يصيب أطفالهم ما أصابهم.

ومهما بلغ بنا الحال يجب أن نخاف وننزعج ولكن من دون أن يتسلط علينا اليأس والقنوط. ذلك إذا كنا نريد وطنا، لا أن نلعب بحرفي ( الج) و(الخ) فاللعب بالحروف، كاللعب بالنار، خطير، سبق أن حرقت مطارا كان دوليا وأمننا. ولا أظن أن (مفجرها) يعلم أن حكماء الصين يقولون أن من يبتدئ مشاجرته بالضرب حجته واهية، وهو في نهاية المطاف خاسر بأي حال من الأحوال، خاسر لرزقه ورزق أطفاله، وأيضا لسمعته. فماذا تبقى له يورثه لأطفاله؟.