Atwasat

ومازال القرار 7 ساري المفعول

سالم العوكلي الأحد 21 مايو 2017, 11:34 صباحا
سالم العوكلي

كل هذه المذابح والأعمال الإجرامية التي تقوم بها مجموعات مسلحة خارجة عن الشرعية، وتتمركز في مناطق عدة في ليبيا، ما هي إلا تداعيات لذلك المخطط الشيطاني الذي تم رسمه في المؤتمر الوطني العام، أول سلطة تشريعية ينتخبها الليبيون بعد سقوط النظام.

وسط فرح غامر، وبتاريخ السابع من يوليو العام 2012، وقف الليبيون في أجمل طوابير يقفون فيها في حياتهم أمام مراكز الاقتراع، ليختاروا مؤتمرهم الوطني المنوط بالتأسيس للدولة الليبية الجديدة، والمكلف بمهام محددة، باعتباره ليس مجلس نواب يهتم أعضاؤه بمشاكل مناطقهم أو دوائرهم التي انتخبتهم، لكنه جسم يمثل الوطن معني بإرساء الأرضية للمؤسسات الجديدة وفق أهداف فبراير، لكن من يسمون بالإسلام السياسي، أو الجماعات الدينية الخارجة من السجون، والذين كانوا وراء انحراف انتفاضة فبراير منذ البداية إذ حولوها من انتفاضة سلمية إلى تمرد مسلح، كان لهم مخططهم الخاص الذي يسعى لتمكين هذا التيار ووصوله إلى السلطة بأي ثمن، وبالتعاون مع أي قوى خارجية من أجل هذا التمكين مستغلين المزاج الدولي المائل إلى إيصال ما يسميه بالإسلام المعتدل إلى السلطة في دول المنطقة وفق حسابات تخص مصالحهم.

وبدل أن يلتفتوا إلى المهام الأساسية المكلفين بها أهدروا الوقت كله في وضع البنية التحتية لهذا الخراب والفساد

كان من المهام المحددة والمكلف بها المؤتمر الوطني، تشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة، انتخاب هيأة لصياغة الدستور والإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية التالية، إضافة إلى تحريك ملف المصالحة والعدالة الانتقالية، لكنهم تجاهلوا كل هذه الملفات التي انتخبوا من أجلها، واستطاعت التنظيمات الإسلاموية داخل القبة أن تسيطر على المؤتمر من خلال تزوير مرشحيها المستقلين الذين كانوا في الواقع يتبعون هذه التنظيمات وإن لم يكونوا أعضاءَ في أذرعتها السياسية، إضافة إلى شراء ولاء وذمم الكثيرين من الأعضاء المحسوبين على التيارات الوطنية الأخرى، أو المستقلين لتتشكل كتلة سميت كتلة "الوفاء لدماء الشهداء" عبر تحالف الأخوة الأعداء، جماعة الأخوان والمقاتلة. ومن تلك النقطة بدأ المخطط الذي مازالت ليبيا تدفع ثمنه إلى الآن.

وبدل أن يلتفتوا إلى المهام الأساسية المكلفين بها أهدروا الوقت كله في وضع البنية التحتية لهذا الخراب والفساد الذي تعاني منه ليبيا ولهذه الحروب التي لا تتوقف. فركزوا جهدهم ووقتهم على إصدار قانون العزل السياسي الذي كان الهدف من ورائه إقصاء الكفاءات الوطنية، المدنية والعسكرية، من أجل أن تخلو لهم الساحة، ومن أجل إصداره كانت أذرعهم المسلحة تحاصر المؤتمر الوطني بـ 200 تابوت في سابقة أولى وفريدة في التاريخ البشري.

كما ركزوا على إصدار القرار سيء السمعة؛ قرار رقم 7 الذي سمح لأول مرة في التاريخ أيضا لقوات تابعة لكتلة داخل المؤتمر الوطني بأن تغزو مدينة من الوطن وتعيث فيها تدميرا وقتلا، انتقاما من أحداث حصلت قبل ما يقارب القرن.

من جانب آخر تفرغت الحكومات المنبثقة عن هذا المؤتمر لتأسيس قوى مسلحة على حساب الجيش، وهي الميليشيات التي عاثت في بنغازي خراباً واغتيالات، والتي تحتل العاصمة حتى الآن وترتكب المجازر وتروع الآمنين وتهاجم قوت الليبيين والجنوب الليبي مثلما هاجمت بني وليد، وتتقاضى مقابل هذه الأعمال مرتبات عالية من ميزانية الدولة، وهذه أيضا سابقة في التاريخ البشري، أن تتقاضى عصابات إجرامية مرتبات من المصرف المركزي مقابل إجرامها.

صُرفت المليارات على هذه الميليشيات، وتقلد الإرهابيون العائدون من حروب أفغانستان مناصب قيادية في وزارات الدفاع والداخلية، وهذه السابقة هي التي جعلت وكيل وزارة دفاع الكيب يستورد حقائب متفجرة للوزارة، وجعلت المكلف بقوة حرس الحدود يدعم إرهابيين لوجستيا كي يتقاطروا على ليبيا عبر الحدود البرية وعبر المطارات المسيطر عليها من قبل الميليشيات.

أدرك التيار الذي يتاجر بالدين، في مجتمع يزدري أن يتاجر عليه أحد بدينه وإيمانه، أنهم لن يصلوا السلطة أبدا عبر صناديق الاقتراع، فكدسوا صناديق الذخيرة كبديل متاح في أول فرصة. وحين أُرغم المؤتمر الوطني عبر ضغط من الشارع على عدم التمديد لولايته وافقوا على إجراء انتخابات نيابية وفق اقتراح لجنة فبراير، وخسروا الانتخابات مرة أخرى، لكنهم راهنوا على نفوذهم المالي وسلاحهم من أجل السيطرة من جديد على هذا الجسم كما سيطروا على المؤتمر الوطني الذي نظريا خسروا انتخاباته، وكان إصرارهم على أن يكون مقر مجلس النواب في بنغازي، لأن بنغازي في ذلك الوقت مسيطر عليه من قبل كتائب الدروع التابعة لهم وأنصار الشريعة، وبالتالي عبر هذه الميليشيات سيحكمون قبضتهم على أعضاء المجلس الجديد، ويستخرجون منه القرارات والقوانين التي تخدم أجندتهم الخاصة، ولكن انتقال مقر مجلس النواب إلى طبرق أجهض هذا المخطط، فاستخرجوا حكما بالقوة من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا المحاصرة بالميليشيات ببطلان هذا المجلس.
ولأن هذا الحكم لم يتم نفاذه، ولم يتلق اهتماما من الداخل أو الخارج، ذهبوا إلى خيارهم الذي جهزوا له طيلة فترة المؤتمر الوطني الدستورية وهو صناديق الذخيرة، وأعلنوا عن عملية انقلابية على المسار السياسي سموها عملية "فجر ليبيا" وشكلت تلك العملية بذرة الحروب والشقاق الذي نعاني منه حتى الآن.

أدرك التيار الذي يتاجر بالدين في مجتمع يزدري أن يتاجر عليه أحد بدينه وإيمانه أنهم لن يصلوا السلطة أبدا عبر صناديق الاقتراع

لقد أُجهض فعلا مخططهم الذي بدءوه بإقصاء الكفاءات، وبسلسلة طويلة من الاغتيالات للنخبة العسكرية والقضائية والمدنية، وباستصدار القوانين والقرارات التعسفية التي تحفظ لهم بقاءهم في السلطة لأجل غير مسمى. لذلك، وبرعاية دول إقليمية، انحازت منذ بداية الربيع العربي للقوى الإسلاموية، مثل تركيا وقطر، شنوا تلك الحرب وزرعوا الفتنة بين أقاليم الوطن الواحد، بل إنهم وصلوا إلى تصنيف بنغازي؛ شرارة وعاصمة انتفاضة فبراير، كمدينة مناصرة للنظام السابق، بينما من دعمتهم بنغازي في أصعب الظروف ضد النظام السابق ومن التحقوا بفبراير بعد سقوط النظام، اعتبروهم (الثوار) وهي سابقة أخرى، ربما تختلف في كونها مضحكة هذه المرة.

لذلك ما حدث من مجازر في شتى بقاع الوطن، ومن تهجير لمدن كاملة، وما يحدث من تفجيرات إرهابية أمام المستشفيات والمساجد، وصولاً إلى مذبحة براك الشاطئ، ما هو إلا تداعيات لذلك المخطط الشيطاني الذي رسمته كتلة الوفاء لدماء الشهداء (ودماء الشهداء براء منهم) حين تمت سرقة المؤتمر الوطني الذي انتخبه الليبيون من أهدافه ومهماته، ومن حلم الليبيين وتحويله إلى مصدر كوابيس ستلاحقنا لفترة ليست قصيرة.