Atwasat

العودة إلى المعارضة

عمر الكدي الإثنين 21 أبريل 2014, 02:24 مساء
عمر الكدي

عاد علي زيدان إلى منفاه، وقبله عاد الدكتور محمد المقريف، وفي الوقت الذي صمت فيه الأخير، أعلن زيدان معارضته المؤتمر الوطني العام، خاصة لكتلة الوفاء لدماء الشهداء، وكتلة العدالة والبناء، وكان زيدان يحرص على الصمت عندما كان في السلطة، ولكنه اليوم كمعارض أفشى معظم أسرار الكتلتين، وأساليبهما في السيطرة على المؤتمر وعلى الميليشيات التي تتبعهما، وما فعله بعض أعضاء الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم وزير الشباب والرياضة السابق عبدالسلام غويلة، عندما هربوا إرهابيًا ليبيًا من جنوب أفريقيا على متن طائرة البعثة الرياضية الليبية، بعد فوز المنتخب الليبي بكأس أفريقيا للمحليين.

ستقبل الجماعة الإسلامية المقاتلة بالآلية الديمقراطية على الرغم من عدم قناعتها بها

كل هذا يستدعي المقارنة بين "الفاتح من سبتمبر"، وثورة 17 فبراير، فانقلاب القذافي العام 1969 استقبلته الغالبية العظمى في ليبيا بالترحاب، ولم يعارضه إلا قلة قليلة أخذت تتعاظم مع مرور الوقت، واستغرق القذافي سنوات طويلة حتى تمكن من الانفراد بالسلطة كاملة، وهو ما تحاوله كتلتا الوفاء لدماء الشهداء، والعدالة والبناء، في البداية تخلص القذافي من المنفذين الحقيقيين للانقلاب، وفي مقدمتهم المقدم آدم الحواز، والمقدم موسى أحمد، ثم تخلص من "أعضاء مجلس قيادة الثورة" المشاكسين، بعد خطاب زوراة العام 1973، ليفرض قمعه وبطشه على الحركة الطلابية العام 1976، ثم يلغي التجارة العام 1978، وليؤسس اللجان الثورية، وقبل ذلك بعام أعلن "النظام الجماهيري"، قبل أن يصل إلى مرحلة البارانويا العليا في نهاية حكمه، وينفصل كليًا عن الواقع، تاركًا أبناءه وأعوانه يديرون "دولته الحقيرة".

ما جرى مع القذافي يتكرر مرة أخرى، ولكن هذه المرة بسيناريو مختلف؛ حيث تسعى كتلة الوفاء لدماء الشهداء، المحسوبة على الجماعة الإسلامية المقاتلة، وكتلة العدالة والبناء المحسوبة على الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى حلفائهما من تنظيم القاعدة، وأنصار الشريعة إلى فرض رؤيتهم بقوة السلاح وبالإرهاب، حتى يتمكنوا في نهاية المطاف من الانفراد بالسلطة.

سيكتشف الليبيون عما قريب أن كل تضحياتهم ذهبت هدرًا وأن دماء الشهداء ذهبت هباء

ستقبل الجماعة الإسلامية المقاتلة بالآلية الديمقراطية على الرغم من عدم قناعتها بها، وقد انقسمت الجماعة ظاهريًا إلى قيادات تقبل بالانتخابات والعمل الديمقراطي السلمي، وقواعد ترفض ذلك وتنادي بتطبيق الشريعة فورًا، خاصة القواعد في شرق ليبيا، ولكن القيادات يظهرون عكس ما يبطنون، هم في الحقيقة قبلوا بالآلية الديمقراطية، ما داموا ممثلين في المؤتمر والحكومة، وسيتحولون إلى الإرهاب بمجرد خروجهم من المؤتمر والحكومة، وهذا ما ستؤكده الانتخابات القادمة.

ليس من صالح هؤلاء بناء الجيش والشرطة، لأن غياب هاتين المؤسستين يقربهم من أهدافهم، وتحاول الكتلتان من خلال إصدار القرار رقم "33" القاضي بعودة الميليشيات إلى طرابلس، السيطرة الكاملة على أي حراك في العاصمة، فهم يعلمون أن من يحكم العاصمة يحكم البلاد طوال تاريخها، وستكون معركة السيطرة على العاصمة قاسية، خاصة إذا خرج سكان المدينة للتظاهر ضد عودة الميليشيات، والمطالبة برحيل المؤتمر المنتهية ولايته، ولا يبدو أن المعارضة داخل المؤتمر قادرة على مواجهة الكتلتين، فمعظم المعارضين داخل المؤتمر لا يتمتعون بحماية كافية، وقد يتعرضون للخطف والانتهاك.

معارضو القذافي سيجدون أنفسهم مرة أخرى يعارضون السلطة الجديدة، المختفية تحت جلابيب ولحى أعضاء الكتلتين، وهم يدركون أنهم استغرقوا وقتًا أطول لاكتشاف القذافي، من اكتشافهم الديكتاتور الجديد، معولين على التناحر الذي سيحدث بين الإسلاميين عندما ينفردون بالسلطة، لأنهم تعلموا أن ظهور طاغية جديد يستدعي إراقة دماء كل من أوصله إلى قمة السلطة.

سيكتشف الليبيون عما قريب أن كل تضحياتهم ذهبت هدرًا، وأن دماء الشهداء ذهبت هباء، وأنهم لم يتعلموا شيئًا من عهد القذافي، فالطاغية لا يزال حاضرًا بسطوة في تاريخهم، كل ما في الأمر أنهم استبدلوا، طاغية لا يزال يتشكل في الظلام بطاغية يعرفونه جيدًا.