Atwasat

الوحم والانتحار

محمد عقيلة العمامي الإثنين 08 مايو 2017, 08:51 صباحا
محمد عقيلة العمامي

الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) تُعرِّف الوحم: "بشهوة الغرائب، وتقول أنه حالة الاضطرابات النفسية تظهر في الأطفال ويرتبط بحالات العجز (العقلي)، و(أحيانا) يرتبط بالنساء الحوامل".

غير أن قواميس اللغة العربية تربطه بالمرأة الحامل. ولعل هذا ما جعل السيد المناعي يربط مشكلة الوحم واضطراباته النفسية بالمرأة فقط وبالتالي يحول ذلك دون توليها (الحكم) وإمكانية إعلانها الحرب على تونس، وليس إيطاليا باعتبار أن الوحم حالة عربية فقط وإلا لما ترك الألمان امرأة تحكمهم، وأن تتولى في إيطاليا (السيدة روبيرتا بينوني) وزارة الدفاع ولا ترأس(مارجريت تاتشر) رئاسة وزارة بريطانيا ثم يعيد الإنجليز الكرة ويعينون (تيريزا ماي) للمنصب نفسه. والبرازيل والأرجنتين وكوريا الجنوبية والدنمارك والباكستان وكولومبيا وأستراليا، وبالتأكيد هناك الكثير من الأمثلة.

ولقد حاولت أن أجد شيئا يمنع المرأة من تولى حكم بلاد بسبب حالة الوحم، ليتفق مع رأي السيد عبدالرؤوف المناعي، سواء أكانت مسلمة أو غيرها، من دون أن أحددها بالليبية لأنني أعرف أن هناك امرأة ليبية أمازيغية سبق وأن حكمت ليبيا قبل الفتح الإسلامي اسمها (ديهيا) التي لقبت بالكاهنة والتي قال عنها ابن خلدون: "ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان". بالطبع هناك مسلمات لعل أشهرهن الملكة شجرة الدر، التي لعبت دورا تاريخيا أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر. وبالتأكيد سمع السيد المناعي عن الملكة بلقيس، وإرما ذات العماد.

نسيت أن أقول لكم أن رأي السيد المناعي يريد من ورائه إقناعنا بتضمينه في الدستور

ولقد وجدت صلاة صباحية واحدة في الديانة اليهودية، ذكرت في التلموذ (ميناخوط 43 ب) تقلل من قيمة المرأة ولا أعتقد بسبب مسألة (الوحم) تقول: "شكرا لله الذي لم يجعل منى غير يهودي، شكرا لله أنه لم يخلقني امرأة" ومع ذلك لا يجد أصحاب هذه الصلاة ما يمنعها أن تحكم دولتهم، على الرغم من وجهة النظر اليهودية الدينية عن الحيض، وتجنبها تماما أثناءه، لم يصادفني ذكر واحد عن الوحم، وبالتالي ليس ما يمنع سيدة يهودية من الحكم، ولعل أكبر دليل على ذلك، هو تولي (جولدا ماير) مناصب وزارية من سنة 1949 حتى 1966 ثم رئاسة الوزراء من 1969 إلى 1973. أما وزيرة التعليم (ليمور ليفنات) فلقد فرضت تعديل نظام رفع العلم الإسرائيلي حتى صار يرفع على جميع المدارس في إسرائيل بما في ذلك مدارس القطاع العربي.

قد تكون وجهة نظر السيد المناعي شخصية، وهذا أمر طبيعي. فالكثير من المفكرين والفلاسفة المشهورين لهم أراؤهم في المرأة. ولكنني لم أجد أحدا حددها في مسألة الوحم. الفيلسوف الألماني المتشائم (آرثر شوبنهاور) الذي يعتبر عدو المرأة المبين، وهو الذي تأثر به كثيرون أبرزهم عباس محمود العقاد، يرى: "أن النسل هو الوظيفة الطبيعية للمرأة، وأنها من أجل ذلك تحيا بجملتها في النوع أكثر مما تحيا في الفرد، فإذا عجب الرجال من التناقض في أخلاقها وتصرفاتها، من وفائها وخيانتها، من حيائها وجرأتها، من حرصها وتضحيتها، فإن هذا العجب يبطل إذا رجعوا في كل ما يتعلق بها إلى هذه الوظيفة التي هي العلة لوجودها" ويتفق مع هذا الفيلسوف خصوم المرأة جميعا.

ولكن (شوبنهاور) يقرر رأيا في الحب لا يقرره إلاّ من عرف النساء ولم يعرف الحب. فهو يقول أن كل حب سواء كان ساذجا عاديا أو راقيا، مصدره الغريزة الجنسية تلك الغريزة الموكول اليها إنتاج النسل لحفظ النوع، ومن ثمة لخدمة النوع وليس لحساب الفرد، بل أحيانا على حساب الفرد. وفي حالة الإنسان -هذا الكائن الأناني- تعمل الغريزة على تسخيره لتحقيق أغراضها عن طريق خداع أنانيته بذلك الوهم الذي يعرف باسم "الحب" وعلى الرغم من رأي ألد أعداء المرأة إلاّ أن تاريخه يؤكد ولعه بالنساء ومباهج الحياة حتى بعد أن تجاوز السبعين.

بينما نجد أكثر الفلاسفة اقتناعا به وهو فتى نابغة اسمه (أوتو فيننجر) تحصل في الثانية والعشرين من عمره على إجازة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة (فينا) كانت عن المرأة بعنوان (الجنس والأخلاق) وما إن طبعت في كتاب اشتهر حينها كثيرا، حتى أنه صار يطبع سنويًّا منذ سنة 1903. ولكن هذا الفيلسوف فجر رأسه برصاصة بعد خمسة أشهر من نيله إجازته وانتشار أفكاره، التي قد تكون بسبب تطاوله على نصفنا الآخر.

والموضوع في حد ذاته بعيدا عن شطحة السيد المناعي جدير بالقراءة ولعل أفضل ملخص له ورد في مجلد الهلال رقم 74 العدد 10 الصادر سنة 1966الصفحة 52-66. نسيت أن أقول لكم أن رأي السيد المناعي يريد من ورائه إقناعنا بتضمينه في الدستور، ولا أظن أن مثل هذا الهراء تضمنه أي دستور كان. ولا أعتقد أن هناك رأي إسلامي بشأن هذا الإبعاد، حتى من دون التطرق إلى بضعة أحاديث يرى العلماء أنها غير صحيحة.