Atwasat

هل نُزعَ فتيل الأزمة؟

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 20 أبريل 2014, 03:34 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

هل وجدت إدارة أوباما حقًا "طريق الخروج" من أوكرانيا بحيث يؤدي في نهاية المطاف إلى حل دبلوماسي للأزمة؟

بدا الأمر على هذا النحو يوم الخميس في جنيف، حيث أثمرت سبع ساعات من المفاوضات عمّا أسماه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "حلاً وسطًا نوعًا ما".

مما لا شك فيه أن الرئيس أوباما سيواجه انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس نظير تقديمه لتنازلات من شأنها، كما يقولون، الإقرار بالبلطجة التي تمارسها موسكو في أوكرانيا، ولكن كانت هذه المعركة دائمًا ما تهم روسيا أكثر من الغرب، فقد أظهر الرئيس فلاديمير بوتين في الأيام الأخيرة أنه كان على استعداد لدفع أوكرانيا نحو شفا حرب أهلية لتحقيق أهدافه، ولم تكن أوروبا على استعداد لمواجهة هذا الأمر حتى لو كان أوباما مستعدًا لذلك.

إذا صمدت الصفقة، فمن المحتمل أن تفتح الطريق أمام ما يراه كثيرٌ من الاستراتيجيين الأميركيين على أنه المسار الأكثر استقرارًا لأوكرانيا – ذلك البلد الذي ينظر إلى الشرق والغرب في الوقت عينه.

أكدت احتجاجات "الميدان الأوروبي" التي نظَّمها الأوكرانيون في الشتاء الماضي أن الأوكرانيين الذين يعيشون في غرب أوكرانيا يريدون بحماس أن تكون دولتهم جزءًا من أوروبا، وربما تكون موسكو وراء الاحتجاجات التي نظمها المتظاهرون الناطقون بالروسية في شرق أوكرانيا، لكنهم يشعرون بعمق العلاقات مع روسيا، والرسالة التي يقولها الاتفاق الذي أُبرم يوم الخميس هي: استراحة.

أوباما سيواجه انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس نظير تقديمه لتنازلات من شأنها الإقرار بالبلطجة التي تمارسها موسكو في أوكرانيا

دائمًا ما يكون من الصعب تقبُّل الحل الوسط، كان الرئيس جون كنيدي قلقًا جدًّا حول رد فعل الجمهور تجاه الصفقة السريّة التي عقدها مع موسكو ليتفادى أزمة الصواريخ الكوبية التي تم إخفاء تفاصيلها حتى بعد فترة طويلة من وفاته، ولكن يتم وصف هذه المفاوضات الآن بأنها أفضل أعمال كنيدي، وسيكون أوباما محظوظًا إذا ذكره الناس بالمثل في الوقت الذي يتم فيه إبطال مفعول مواجهة خطيرة.

تم تسليط الضوء على الآثار المترتبة على هذا المسار البديل لأزمة متصاعدة هذا الأسبوع من قِبَل المؤرخ الأسترالي كريستوفر كلارك، مؤلف الكتاب الشهير "السائرون نيامًا: كيف ذهبت أوروبا إلى الحرب في عام 1914"، وفي محاضرة ألقاها في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، عقد كلارك مقارنة بين الأزمة الأوكرانية وكارثة 1914.

أشار كلارك إلى أوجه التشابه بين ما حدث قبل 100 سنة وما يحدث اليوم، كان هناك "غضب عميق" في بريطانيا وقتذاك مثلما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية اليوم، وفي كلتا الحالتين، كانت هناك صدمة ناتجة من أزمة غير متوقعة في بلد هشّ يقع في أوروبا الشرقية فدفعت وراءها بقية الدول نحو حافة الهاوية، الفرق الكبير هو أنه على الرغم من التحركات العدوانية الروسية في أوكرانيا، فقد ردت الدول الغربية بما وصفه كلارك "الحذر والحكمة" بدلاً من التصعيد.

وسئل كلارك عن أحد أكثر المواضيع الفرعية في كتابه إثارة للاهتمام، وهو أن الصراع قبل قرن من الزمان كان في جزء منه تعبيرًا عن "أزمة ذكورة"، لقد كان القادة الأوروبيون يتصرفون بعزيمة "صارمة ومباشرة" تجاه التزاماتهم وهو ما قادهم في النهاية إلى الاصطدام بالجدار، وقد دفعني هذا الأمر إلى التفكير في الشخصيات المركزية في هذه الدراما: بوتين وأوباما.

هناك شيء من صيف عام 1914 يتعلق بشخصية بوتين، ليس من الواضح عما إذا كان يرى نفسه القيصر أو حارس الطرائد عندما تُلتقط له الصور أثناء صيده النمور أو ملاحقته الحيتان بالقوس والنشاب أو ممارسته صيد الأسماك وركوب الخيل وهو عاري الصدر، من الواضح أنه يريد إثبات شيء ما، فهو يبدو واثقًا وآمنًا في الوقت ذاته.

كان أنصار الحرب في عام 1914 يمشون نيامًا وهم متيقظون ولكنهم لا يرون، فقد تعاموا عن الواقع المرعب الذي كانوا على وشك أن يجلبوه للعالم

يريد بوتين أن يوم بدور الولد الشرير، وهو- كما وصفه أوباما بكلمات لا تُنسى- مثل "شخص كسول يشبه الطفل غير المكترث الذي يجلس في آخر الفصل غير مهتم بما يدور حوله".

في المقابل، أظهر أوباما نفسه مرة أخرى على خلاف سياسي مفتول العضلات، فهو يتميز بالتحفظ ومهارة تحليل الأوضاع، أحيانًا ما تُلتقط له صورٌ يظهر فيها من دون قميص علوي، ولكن نادرًا ما التُقطت له صورة وأزرار قميصه العلوي مفتوحة، إنه الطفل الشاطر في الفصل، وقليلاً ما يخطئ.

وبعيدًا عن الانحدار نحو الهاوية، بقي أوباما مستقرًا فوق بقعة آمنة، إذا كان أوباما يقود إحدى الدول الأوروبية الكبرى في ذلك الصيف من عام 1914، يستشعر المرء بأنه ربما قد جنّب شعبه التعبئة للحرب التي ثبت أنها كانت حربًا كارثية، كان من الممكن أن يُنظر إلى هذا الشعور الحذِر على أنه "ضعف" في عام 1914، كما هو حال أوباما الآن، وكما يلاحظ كلارك، دائمًا ما يتردد صدى الحجج التي يسوقها الصقور بصورة أفضل من حجج الحمائم.

كتب كلارك في الفقرة الختامية لكتابه يقول: "كان أنصار الحرب في عام 1914 يمشون نيامًا، وهم متيقظون ولكنهم لا يرون، فقد تعاموا عن الواقع المرعب الذي كانوا على وشك أن يجلبوه للعالم".

مهما كانت أخطاء أوباما، فإنه ليس من السائرين نيامًا، فهو يعي تمامًا حجم المخاطر في أوكرانيا، وقد ناشد -وطالب أخيرًا- عدم التصعيد من قِبَل بوتين.

لقد انتزع الفتوة مفتول العضلات شبه جزيرة القرم، وربما سيسيطر بالفعل على شرق أوكرانيا، لقد تجنَّب الدبلوماسي الحذِر الحرب، ويمكن لكل جانب أن يدعي النجاح بدرجة معقولة.

خدمة "واشنطن بوست"، خاص لـ"بوابة الوسط"