Atwasat

ضد مجلس النواب.. لماذا؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 28 فبراير 2017, 11:18 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
كنا نهاية 2015 في جلسة نقاش حامية - كعادة الليبيين- حول ليبيا، حين طرقت أذني جملة عابرة ليس لها محل من النقاش الدائر: ماذا نفعل بمجلس النواب إن تمكنا بالحوار الجاري إلى اتفاق؟.

بدأت الجملة ليست رأياً عابراً، بل وكأنما هي "بالون اختبار" أُريدَ به لفت النظر وقياس رأي وأنها فكرة يُعمل من أجلها، فمن أطلقها في هواء النقاش الحامي عضو مجلس نواب ورئيس لجنة من لجانه ونائب فاعل، لكن على أي حال لم ينحرف النقاش عن مساره، فمن عادة الكثير من المناقشين الليبيين عدم الإصغاء لغير أنفسهم لأن لهم ثلاثة أفواه وليس لهم أذن.

لقد لقي مجلس النواب في ليبيا منذ انتهاء الانتخابات، بل حتى قبلها، حملة ضده من أطراف عدة ومختلفة في أهدافها، وشنت هذه الأطراف جميعاً حملة كرست فيها كل المبررات لتسفيه مصداقية البرلمان بعد أن لم تستطع التشكيك في مصداقية الانتخابات، وهذه الحملة وصمت أعضاء البرلمان بأنها شخصيات كرتونية، ولذلك قدم عبر محطات التلفزيونات أعضاء من البرلمان وكرسوا وكانوا أسوأ الأعضاء، وهم بهذا شاركوا بدورهم في الحملة ضد البرلمان، وفي هذا الفخ وقع الكثير من الليبيين، أي استهداف البرلمان الذي كانت الحملة تستهدف تصفيته وإخراجه من المشهد السياسي أو على الأقل تعطيله الذي حصل في الأخير. الآن مجلس النواب في ليبيا يعاني عطالة أو موتاً سريرياً، وما نراه من المجلس شتاتاً وكتلاً وأفراداً ينتسبون إلى مجلس موجود بالقوة وغير موجود بالفعل.

تحالف "فجر ليبيا" المسلح تماهت معه اتجاهات سياسية وعسكرية وحتى من دول الإقليم في العمل ضد مجلس النواب

2-
لماذا هم ضد مجلس النواب، من هم؟، هم الذين ضد فبراير، هم الذين ضد مجلس النواب الذي هو من مخرجات فبراير، فبراير التي هي ثورة من أجل الديمقراطية والبرلمان، الركيزة الرئيسية في الديمقراطية، وكما عمل ضد فبراير بكل الوسائل واتخذ من العنف وسيلة بل وأعلنت الحرب، فإنه يوم أعلن مجلس النواب عقد جلساته في طبرق من قبل أكبر أعضائه المنتخبين "بوبكر بعيرة" أعلنت قوات "فجر ليبيا" الحرب، ومن ثمة الاستيلاء على العاصمة "طرابلس الغرب".

لكن تحالف "فجر ليبيا" المسلح تماهت معه اتجاهات سياسية وعسكرية وحتى من دول الإقليم في العمل ضد مجلس النواب، ضد نجاح مشروع سياسي ديمقراطي في ليبيا، خاصة مع النجاح الذي بدأ يتكرس في تونس، حينها كان ومازال مجلس النواب أداة خطرة فعملت هذه القوى جميعاً على إنهائه ومن داخله، وحول إلى شيطان رجم بكل الحجر المتوفر وحتى المستورد، بل إن محطات تلفزيونية كرست لهذه المهمة ضُخت بمال رجال أعمال لأجل ذلك...
وكان المسرح الأخير لهذه المهمة: "الصخيرات" التي فيها عقد حوار وطني هو من مخرجات مجلس النواب، من هذا الحوار ولد "اتفاق الصخيرات" الإبن- وكما لو كان "أوديب" الذي قتل أباه في الأسطورة الإغريقية- لاستئصال الأب مجلس النواب ما دخل في سبات عميق عقب انشقاقات حادة وعراك عقيم حول مخرجات "الصخيرات".

"اتفاق الصخيرات" في نفس اللحظة أعاد إحياء رميم "المؤتمر الوطني" بمُسمى جديد "مجلس الدولة الأعلى" وأمسى "عبد الرحمن السويحلي" الناطق باسم الشرعية، والمشرِّع بعد أن بات مجلس النواب في خبر كان.
طرق عدة اتخذت لأجل استئصال فبراير كان أغلب الليبيين أداتها، لقد وجهوا مدافعهم إلى مجلس نوابهم، كما لو كانوا "يلتسين" الرئيس الروسي الذي أشاد "القذافي" بفعلته حين ضرب مجلس النواب الروسي بمدافع الدبابات.

3 –
الآن "مجلس الرئاسة" يجلس على التلة بعد وأد مجلس النواب، وبات "السراج" ملتصقاً بـ "السويحلي" يخوضان حروباً صغيرة، فيما البلاد مقسمة بين شرق وغرب، والحقيقة المرَّة أن الذي دُفن في هذه الجنازة التي لا تنتهي هي أماني الليبيين هي "ثورة فبراير"، وما بعد فبراير أضحى ما بعد مجلس النواب، أي أن ليبيا دخلت في مرحلة ثالثة، بعد القذافي، بعد فبراير، بعد مجلس النواب....