Atwasat

توترنا الدولي الجديد

فريد زكريا السبت 12 أبريل 2014, 09:20 صباحا
فريد زكريا

كان للعدوان الروسي على أوكرانيا أثره في توحيد الديمقراطيات الغربية، على الأقل في دانتها القوية لهذا العدوان. ولكن إذا نظرنا خارج هذه الدائرة، سنرى مجموعة متنوعة من ردود الأفعال التي تنذر بتوتر جديد عظيم على الصعيد الدولي في القرن الحادي والعشرين، بين المعايير العالمية والمصالح الوطنية.

لننظر إلى رد فعل الهند، وهي أكبر ديمقراطيات العالم من حيث السكان. التزمت نيودلهي الصمت في أغلب الأحيان خلال الأحداث التي وقعت في فبراير وأوائل مارس، ورفضت دعم أي عقوبات ضد روسيا، وأعلن مستشار الأمن القومي أن روسيا لديها مصالح "مشروعة" في أوكرانيا، وهو ما دفع فلاديمير بوتين إلى مهاتفة رئيس وزراء الهند وإسداء الشكر له.

يمكن تفسير رد فعل الهند بعمق علاقاتها مع روسيا. فقد قامت روسيا بتصدير 38 % من أسلحتها الرئيسية إلى الهند خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2013، وبذلك حصلت الهند على نسبة من السلاح الروسي أكثر بكثير من أي بلد آخر (على سبيل المثال، أكثر من ثلاثة أضعاف البلد الثاني المستورد للأسلحة الروسية وهي الصين التي استوردت 12 %). وجاءت 75% من الأسلحة الرئيسية التي استوردتها الهند من روسيا (و7 ٪ فقط من الولايات المتحدة). وخلال الفترة نفسها، سلَّمت روسيا إلى الهند حاملة طائرات وغواصة تعمل بالطاقة النووية، وهي الوحيدة في العالم التي تم تصديرها خلال تلك السنوات.

التزمت نيودلهي الصمت في أغلب الأحيان خلال الأحداث التي وقعت في فبراير وأوائل مارس

بالإضافة إلى ذلك، بينما تقوم الولايات المتحدة بسحب قواتها من أفغانستان، تعرف الهند أن باكستان ستحاول ملء هذا الفراغ، وذلك باستخدام وكيل مثل حركة طالبان وغيرها من الجماعات المماثلة التي غالبًا ما شاركت في عمليات إرهابية ضد المواطنين الهنود. في هذه اللعبة الرائعة في شمال غرب آسيا، انحازت روسيا تاريخيًّا إلى الهند، في حين وقفت الصين (والولايات المتحدة) مع باكستان.

الأمور مختلفة الآن، تعتبر الولايات المتحدة هي العدو اللدود لحركة طالبان، وتصادمت مع باكستان بشأن قضايا الإرهاب هذه مرارًا وتكرارًا، ولكن العادات القديمة لا تموت بسهولة بالنسبة للجميع.

كان رد فعل إسرائيل أكثر غرابة. تعتبر إسرائيل هي الدولة الأكثر تأييدًا للولايات المتحدة على هذا الكوكب، وتميل إلى دعم كل مبادرات السياسة الخارجية الأميركية تقريبًا، ولكنها عزمت على عدم القيام بذلك في هذه القضية.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذرًا على نحو غير معهود؛ حيث قال: "آمل أن يتم حل المسألة الأوكرانية بسرعة، وديًّا، ولكن لدينا ما يكفي من القضايا على أجندتنا الممتلئة بالفعل".

وكان وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أكثر وضوحًا، حيث وضع أميركا وروسيا على قدم المساواة وقال: "لدينا علاقات جيدة ويُعتمد عليها مع الأميركيين والروس، وتجربتنا إيجابية جدًّا مع كلا الجانبين؛ لذلك أنا لا أفهم فكرة ضرورة خوض إسرائيل في هذه المسألة".

تباهى ليبرمان هذا الأسبوع بأنه في المستقبل القريب سيكون رئيس وزراء إسرائيل من الناطقين بالروسية

يقول المسؤولون الإسرائيليون في الخفاء إنهم لا يريدون التفريط في روسيا؛ لأنهم بحاجة إلى موسكو لدعم جهودها في التعامل مع الكثير من التهديدات التي لا حصر لها؛ وعلى رأسها إيران فضلاً عن تلك المنبثقة من الحرب الأهلية السورية. ولكن هناك أيضًا أولئك الذين يعتقدون أن إسرائيل تستطيع إقامة علاقة خاصة مع موسكو، تغذيها حلقة الوصل بين مئات الآلاف من اليهود الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل وحصلوا فيها على مكاسب وسلطة سياسية.

تباهى ليبرمان هذا الأسبوع في بروكلين، نيويورك، بأنه في المستقبل القريب سيكون رئيس وزراء إسرائيل من الناطقين بالروسية. (وعندما يلتقي ليبرمان بوتين أو وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف، فإنهم يتحدثون باللغة الروسية وهي لغة ليبرمان الأولى).

وليس من المستغرب كثيرًا أن تكون الصين أيضًا غير راغبة في إدانة روسيا أو معاقبتها. ولكن موقفها كان أكثر دقة، حيث رفضت تأييد تصرفات روسيا بأي شكل من الأشكال مؤكدة دعمها لـ"الاستقلال والسيادة والسلامة الإقليمية" لأوكرانيا.

يمكن للمرء القول إنه في جميع الحالات الثلاث تُبدي هذه البلدان قراءة خاطئة لما يعبِّر في الواقع عن مصالحها الوطنية. تشترك الصين في حدود طويلة مع روسيا، ولا ينبغي أن تدعم موسكو وجهودها الرامية إلى "تعديل" حدودها بالقوة. سيكون من الحماقة بالنسبة لإسرائيل التضحية بعلاقاتها مع حليفتها المقربة، الولايات المتحدة، على أوهام التحالف مع موسكو. وتحدث ليبرمان بالروسية لم يوقف صادرات موسكو من الأسلحة إلى إيران وسورية وحزب الله (عبر سورية).

وينبغي على الهند، من جانبها، أن ترغب في توطيد علاقتها بشكل أكبر مع واشنطن، حيث تواجه قوة الصين الصاعدة في جوارها. ولكن هناك شيئًا أكبر من هذه الاعتبارات الضيقة. هل تريد هذه الدول العيش في عالم محكوم كلية بالتفاعل بين المصالح الوطنية؟

منذ عام 1945، كانت هناك جهودٌ متنامية بُذلت من أجل وضع معايير عالمية أوسع نطاقًا على سبيل المثال، ضد الضمّ بالقوة. لم يتم احترام هذه المعايير بصورة دائمة، ولكن، بالمقارنة مع الماضي، فقد ساعدت على تشكيل عالم أكثر سلامًا وازدهارًا. على مدى العقد المقبل أو نحو ذلك، واعتمادًا على طريقة تصرّف القوى الصاعدة الجديدة، سيتم تعزيز هذه المعايير أو تآكلها. وهذا ما سيصنع الفرق بين الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين.

(خدمة واشنطن بوست)