Atwasat

قرد قصم ظهر البعير

عمر الكدي الخميس 24 نوفمبر 2016, 01:51 مساء
عمر الكدي

مهما حدث من تطورات بين قبيلتي القذاذفة وأولاد سليمان في سبها، لن ينسى الناس أن الاشتباكات المسلحة الأخيرة بينهما أشعلها قرد يملكه أحد أبناء القذاذفة، مثلما لم ينس الناس حرب داحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان التي تسبب بها سباق بين الحصان داحس والفرس الغبراء، أو حرب البسوس نسبة إلى ناقة البسوس بين قبيلتي تغلب وبكر بن وائل، أو موقعة الجمل التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة عام 2011.

لو عاد أجداد القبيلتين إلى الحياة لاستغربوا حدوث نزاع دام بين حليفين ربطتهما الحياة المشتركة في السراء والضراء، قاتلوا الأتراك والطليان معا تحت قيادة عبد الجليل سيف النصر وخلفائه، وهاجرا معا إلى تشاد ومصر هربا من الفاشيين الطليان، وبعد الاستقلال شجع رئيس المجلس التشريعي لفزان محمد سيف النصر أولاد سليمان والقذاذفة وورفلة على الانتقال إلى سبها، ليعزز من مكانة عائلته وأولاد سليمان الذين كانوا حكام المنطقة الوسطى والجنوب، ولكن معمر القذافي حمل ضغينة على محمد سيف النصر ولم ينس أنه صفعه بسبب ما حدث في القسم الداخلي بالمدرسة الإعدادية الوحيدة بالمدينة، كما أمر بطرده من ولاية فزان فلجأ إلى مصراتة حيث واصل دراسته، ولم يكن طرد القذافي من فزان بسبب خروجه في مظاهرة ضد العهد الملكي، فزملاؤه الذين خرجوا في المظاهرة لم يطردوا.

فبراير كان لابد أن يحدث وها نحن نصطلي في جحيمه لأننا ببساطة لسنا أمة بعد وإنما مجموعة من القبائل تتقاتل فوق سفينة توشك على الغرق

بعد نجاح انقلابه اعتقل القذافي محمد سيف النصر وزج به في المعتقل لعدة سنوات انتقاما من تلك الصفعة، ومنذ ذلك الوقت تأزمت العلاقة بين القذاذفة وأولاد سليمان، بالرغم من أن بعض المقربين من القذافي كانوا من أولاد سليمان مثل عبد السلام الزادمة وعبد الله منصور، ولكنهما ليسا من العائلات البارزة في أولاد سليمان، في حين انتقل تقريبا جميع أبناء عائلة سيف النصر إلى المعارضة، وعاشوا طوال عهد القذافي في المنفى، وخلال أكثر من أربعين عاما نقل القذافي القذاذفة من قبيلة صغيرة فقيرة إلى قبيلة لها نفوذ واسع في البلاد، ولم ينس القذافي أن والده الفقير أضطر لرعي إبل أولاد سليمان، وبدلا من أن يحكم الجنوب عائلة سيف النصر سلمه القذافي بالكامل لابن عمه مسعود عبد الحفيظ القذافي، الذي تبادل بعد ذلك نفس القدر مع أبناء سيف النصر، حيث مات منفيا في القاهرة، بينما عاد أبناء سيف النصر إلى بلادهم ليجدوها وقد تغيرت بالكامل.

القرد الذي أطلقه أحد سفهاء القذاذفة على بنات أولاد سليمان ليس إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، هو أشبه بمنشة باي الجزائر التي قذفها في وجه السفير الفرنسي عام 1830، ففرنسا كانت عازمة على احتلال الجزائر سواء رمى باي الجزائر منشته في وجه سفيرها أو ألقى بها في الموقد، وأي مساع للمصالحة لا تأخذ بعين الاعتبار الجذور الحقيقية للصراع بين القذاذفة وأولاد سليمان في سبها ستكون من غير طائل، كما أن تسييس المشكلة سيكون وبالا على كل سكان سبها ومكوناتها العرقية، وأقطاب الصراع السياسي وجدوا في الاشتباكات المسلحة فرصة للاستحواذ على الجنوب، الذي كان نسيا منسيا ثم تذكره الجميع دفعة واحدة.

في البداية سيطرت كتائب الزنتان على بعض الحقول النفطية في الجنوب الغربي، قبل أن تطردها القوة الثالثة القادمة من مصراتة، والآن يحاول وزير دفاع حكومة الوفاق المهدي البرغثي أخذ حصة من الجنوب، بتكليفه للواء السادس بتأمين سبها قبل أن يكلف حفتر رئيس أركانه بتشكيل قوة لحماية وتأمين الجنوب وهو لم ينته بعد من تأمين وتحرير بنغازي، كما أن أعوان النظام السابق وجدوا في الأزمة مدخلا لاستعادة نفوذهم في الجنوب، وقد نرى تحركات عسكرية لمحمد بن نايل وعلي كنة في الجنوب، وربما يمتد الصراع ليشمل المنطقة الوسطى حيث يقيم القذاذفة في سرت وأبو هادي، بينما يقيم أولاد سليمان في هراوة، وإذا تمسك القذاذفة بسبتمبر وتمسك أولاد سليمان بفبراير فإن الجنوب سينقسم بين هذين الشهرين، وكل ما جرى يؤكد أن هذا التقسيم مجحف في بلد معرض للانهيار الكامل في أي لحظة، والعاقل من يفكر في ما هو نافع ومفيد للجميع وليس له وحده، فسبتمبر حدث منذ زمن بعيد واكتوينا به جميعا، وفبراير كان لابد أن يحدث وها نحن نصطلي في جحيمه، لأننا ببساطة لسنا أمة بعد وإنما مجموعة من القبائل تتقاتل فوق سفينة توشك على الغرق.

الطريف في كل ما جرى أن اليوم الذي حدثت فيه الاشتباكات المسلحة بسبها، شهد أيضا زفاف شاب من القذاذفة على فتاة من أولاد سليمان، فهل نحتفي بهذه المصاهرة التي صمدت رغم الأحقاد والدماء، أم نحتفي بالقرد الذي نزع حجاب فتاة من أولاد سليمان قد تكون زوجة لأحد شباب القذاذفة.