Atwasat

قواعد اللعبة التي استعارها بوتين

القاهرة - بوابة الوسط الأربعاء 09 أبريل 2014, 08:06 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

وضع الغرب حلف شمال الأطلسي "الناتو" في قلب رده على غزو روسيا لأوكرانيا. لكنّنا قد نقاتل في المعركة الخاطئة؛ فالأسلحة التي استخدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا تبدو مثل "العمليات السريّة" شبه العسكرية أكثر منها القوة العسكرية التقليدية.

في واقع الأمر ربما انتزع ضابط الاستخبارات السابق بوتين صفحة من قواعد اللعبة التي مارستها أميركا خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، عندما بدأت الإمبراطورية السوفيتية في الانهيار وذلك بفضل حملة أميركية لا هوادة فيها من "العمل السريّ". لقد ركز ريغان على ضرب أطراف موسكو وتقويضها بدلًا من مواجهتها وجهًا لوجه وذلك من خلال دعم الحركات التي زعزعت استقرار القوة الروسية في أفغانستان ونيكاراغوا وأنغولا وأخيرًا بولندا وأوروبا الشرقية.

كانت استراتيجية أميركيّة ذكية آنذاك، حيث زادت من جراح الاتحاد السوفيتي واستغلت المشكلات المحلية حيثما أمكن. وهي طريقة ذكية تستخدمها روسيا بالمثل الآن، فتحصل على أقصى ربح بأقل تكلفة ممكنة.

لفت جون ماغواير انتباهي إلى هذه العلاقة المتوازية هذا الأسبوع. وجون ماغواير هو ضابط عمليات سريّة شبه عسكرية سابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أيه"، حيث خدم في برنامج الكونترا في نيكاراغوا، ولاحقًا في الشرق الأوسط.

يقول ماغواير: "إن بوتين ضابط عمليات محترف في نهاية المطاف. وقد شاهد ما فعلناه في أواخر الثمانينات، وهو يواجهنا بالطريقة ذاتها الآن".

قاد بوتين حملته في شبه جزيرة القرم كعملية "سريّة" منذ البداية. لم تكن القوات الروسية ترتدي أي إشارات، للحفاظ على ورقة توت من الإنكار.

قاد بوتين حملته في شبه جزيرة القرم كعملية "سريّة" منذ البداية. لم تكن القوات الروسية ترتدي أي إشارات، للحفاظ على ورقة توت من الإنكار. وأصر المسؤولون الروس، بدءًا من بوتين إلى القيادات الأدنى، على عدم سيطرتهم على شبه جزيرة القرم بينما كانت قواتهم توطد مواقعها هناك. وتحكموا في مسارات تدفق المعلومات ونسّقوا عمليات تبادل الرسائل فيما بينهم.

كانت حملة بوتين لزعزعة الاستقرار في شرق أوكرانيا أكثر خطورة مما كانت عليه عملية القرم؛ وذلك لأن الحكومة الأوكرانية كانت قد حذرت من أنها ستقاتل القوات الروسية في حالة إقدامها على الغزو. ولكن بينما كان العالم منصرفًا إلى المناورات التي يجريها 50 ألف جندي من القوات الروسية عبر الحدود، كان العمل الحقيقي هو زعزعة استقرار المدن الكبرى في شرق أوكرانيا تحت ستار من السريّة. ونظرًا لأن أغلب سكان هذه المدن من الناطقين بالروسية، فقد تمكن بوتين من الاعتماد على قاعدة من التأييد الشعبي المحلي.

سيطر "متظاهرون" موالون لروسيا على المباني في دونيتسك وخاركيف ولوهانسك يوم الأحد. وقال بعض المتظاهرين إنهم يريدون إجراء استفتاء حول الانضمام لروسيا، مثلما فعلت القرم قبل انضمامها بالفعل. كان استغلال ذكي للتحيز الثقافي والديني المحلي، وهي الخطوة التي تشبه قاعدة "فرق تسد" التي فضلتها وكالات الاستخبارات لعدة قرون.

حاول وزير الخارجية جون كيري لفت الانتباه إلى أفراد العمليات السريّة الروسية، وأخبر لجنة تابعة لمجلس الشيوخ أنه "من الواضح أن القوات الخاصة الروسية وعملائها هم من يقفون وراء الفوضى في الـ24 ساعة الماضية". وأشار أن الروس قد يستخدمون الاضطرابات كذريعة للتدخل العسكري، لكنّني أعتقد أنهم سيلتزمون بطرقهم السريّة الخاصة فهي أكثر أمانًا، وتحقق لهم النتائج ذاتها التي يمكن أن تدعي موسكو شرعيتها.

إذا نظرت إلى الوراء في الطريقة التي تعاونت بها أميركا مع بولندا في الثمانينات، يمكنك أن تدرك القوة الجبارة التي تكمن في هذا الشكل من الأنشطة السريّة. كانت الكنيسة الكاثوليكية هي حليف وكالة الاستخبارات المركزية، وكان يرأسها بابا بولندي هو يوحنا بولس الثاني، الذي كان يعتقد على سبيل القناعة الدينية بوجوب طرد الشيوعية السوفيتية. وللعمل مع الكنيسة، كانت وكالة الاستخبارات المركزية تحتاج إلى التنازل عن القواعد التي تحظُر التعاون مع المنظمات الدينية.

لقد استفاد بوتين شيئًا واحدًا من رؤيته لانهيار الإمبراطورية السوفيتية؛ ألا وهو أن الأسلحة الأكثر فعالية هي تلك التي تفلت من الرادار وتعمل تحت ستار من السريّة

لقد استفاد بوتين شيئًا واحدًا من رؤيته لانهيار الإمبراطورية السوفيتية؛ ألا وهو أن الأسلحة الأكثر فعالية هي تلك التي تفلت من الرادار وتعمل تحت ستار من السريّة، وهي أسلحة قانونية في البلدان التي تجري فيها العمليات. كانت القوة النووية للاتحاد السوفياتي عديمة الفائدة وهي تقف عاجزة أمام العمال المضربين في بولندا، أو عمليات الكر والفر التي نفذتها العصابات في نيكاراغوا، أو المقاتلين المجاهدين في أفغانستان. كان الاتحاد السوفيتي وحشًا عملاقًا اغتالته مئات الوخزات من رماح صغيرة.

كيف يمكن لأميركا والغرب الرد بشكل فعال ضد تكتيكات بوتين؟ يجب أن يأتي الجواب الحقيقي من الأوكرانيّين أنفسهم، حيث سيتعين عليهم التعبئة لحماية وطنهم من التدخل الأجنبي. اتخذت كييف خطوة البداية يوم الثلاثاء بإرسال شرطة لطرد المتظاهرين من المباني في خاركيف، لكنّها فشلت في إخراجهم من المكاتب الحكومية في دونيتسك. تكمن براعة الحكومة الانتقالية في كييف في خوض مكافحة تمرد غير عنيف، بما يحفظ لها وحدة سكان أوكرانيا إلى جانبها بأقصى حد ممكن.

يخبرنا النضال الأوكراني بأن هذه حرب مختلفة. لقد استفاد بوتين من الدرس في العراق وأفغانستان، فضلًا عما حدث في بولندا وألمانيا الشرقية أيضًا. إن الجاسوس السابق يجهز الطلقات في موسكو، مستخدمًا دليل الحيل القذرة الذي يعلم كل ما فيه جيّدًا.

"خدمة واشنطن بوست"