Atwasat

عن (السوشي) والتعبئة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 31 أكتوبر 2016, 11:17 صباحا
محمد عقيلة العمامي

كنت قد كتبت من قبل أن "اليهودي لما يفلس يعود إلى دفاتره القديمة". أنا لا أعتقد أن اليهودي فقط، هو من يفعل ذلك، لأنني غالبا ما أعود إلى دفاتري القديمة، خصوصا عندما لا أجد موضوعا لمقالتي الأسبوعية. طوال الأسبوعين الماضيين لم أقرأ سوى أسطر إخبارية من هنا وهناك، ومن لا يقرأ بالتأكيد لن يستطيع الكتابة؛ ولكنني من بين الأسطر التي قرأتها وجهة نظر نقدية من صديق، أكاد أجزم أنه أول من وصل بعد قيام ثورة فبراير إلى بنغازي، من بين أصدقائنا ومعارفنا المعارضين الذين عاشوا في الشتات، ومن ذلك اليوم لم يتوقف نشاطه الإعلامي ولا مشاركته الفعالة في إنجاح الثورة وقيام الدولة. وجهة نظره هذه ينتقد فيها كاتبا كان يتحدث عن (السوشي) أثناء معركة القوارشة الكبرى، التي قام بها جيشنا المظفر أثناء محاربته لأوكار الإرهاب، وهي المعركة التي زغردت أيامها ابنتي وأختي لأن بيتيهما كانا هناك.

وأنا لي وجهة نظر قد تختلف مع صديقي عيسى عبد القيوم، وهي أن الإعلام مثلما يعلم بالتأكيد، موضوع شمولي: يشمل الثقافة بمختلف مساراتها، والاقتصاد والسياسة، والترفيه، وبالتأكيد التعبئة بمختلف توجهاتها، والتي ترسخت في أذهاننا طوال 42 سنه على أساس أنها إعلام، ولكنها كانت تعبئة جماهيرية بامتياز، وهي في تقديري من أبرز أخطاء نظام القذافي، فالمبالغة في التعبئة قد يكون لها نتائج عكسية تماما، وأنا أذكر أن صادق النيهوم كتب مقالا عن هذه الحالة، حذر حينها من مغبتها.

الإعلام ليس "نارك ولاعة يا بلادي" وليس "حنا للسيف"، فقط هذا عمل أجهزة التعبئة

لقد زادت فاعلية الاقتصاد وقوته كسلاح أخطر بكثير من قيام الغزو المباشر. مصر العظيمة مثلا، تتعرض إلى حرب اقتصادية شرسة، وإعلامها منتبه لذلك، متصدٍ لهذه الهجمة الشرسة، لدرجة أن نقص سلعة واحدة صارت موضوعا إعلاميا لمعظم صحفها اليومية. ولا أعتقد أننا ننتقد هذا الإعلام إن تحدث عن مناقب الفول مثلا، ونصح بضرورة تقليل الكمون لأنه سلعة مستوردة، وهو عنصر أساسي كتابل للفول، تماما مثلما هو عماد أي طبق سمك في ليبيا، لدرجة أنه يسمى كمون حوت، ولو يلف مواطن ليبي الدنيا يبحث عنه بهذا الإسم، لن يعرفه بقال وهو على الرف خلفه مباشرة، فليس هناك في الدنيا كلها كمون حوت، إلاّ في ليبيا؛ لأن اسمه كمون وكفى. مثل هذه المعلومة هي ثقافة مثل الحديث عن (السوشي).

الإعلام ليس "نارك ولاعة يا بلادي" وليس "حنا للسيف"، فقط. هذا عمل أجهزة التعبئة، أما وظيفة الإعلام فهي الحديث عن كل ما له علاقة بميادين الحياة، ليس أخبارا سياسية فقط، وإنما مناحي الحياة كافة. قد يكون هذا الذي كتب عن السوشي الياباني كتبه من باب التعريف به، والدنيا كانت هانئة، ونشرمقاله بالصدفة ذلك اليوم. فأنا مثلا لا أعرف ماذا سيحدث الأسبوع القادم يوم نشر مقالي هذا.

أقول ثانية، إنه عندما تحاصرني حالة (اليهودي) أتجه إلى كوم من كتب لم أقرأها بعد. فلقد صارت الكتب تلصق مجانا بالمجلات ولا يزيد سعر المجلة عن 3 جنيهات مصرية. ولكنني انتقيت كتاب إيزايبل الليندي: (أفر وديت)، كان قد نصحني صديق به، فهو يعلم اهتماماتي بالغذاء والطهي، ولكنني وجدت الكتاب يربط بذكاء ما بين الغذاء والإيروسية، وهي كروائية متمكنة تناولت الموضوع عبر سرد تاريخي ممتع، باتساع ثقافة الحضارات، وبالفعل الكتاب يستحق الجهد والسنين التي أنفقتها في تنفيذه، فمثل هذه الكتب جيدة التسويق بسبب إقبال الناس على مثل هذه المواضيع الخفيفة والمسلية. وتذكرت أنني كتبت موضوعا استهللته بالطعام، فعدت إليه.. قلت: يحلو لي أن أخلط بين مذاق الطعام: حلو مع حامض أو حار، مثلما يفعل الآسيويون، وكثيرا ما خلطتُ نكهات ومذاقات مريعة، منها ما عطل حاسة التذوق عندي أياما. ومع ذلك فزت بوصفات غاية في روعتها، وأيضا في فوائدها!.

فمثلا خلطة إفطاري اليومي، استمرت كما هي منذ أكثر من عشر سنين، واستهجنها عدد من أصدقائي. ولكنها صارت إفطارهم اليومي بمجرد أن جربوها، خصوصا أولئك المهووسين بالصحة الغذائية. مكونات هذه الخلطة هي: شرائح قرن فلفل حار، عرقا كرافس مقطعة، تضاف إلى زيت الزيتون المخفوق بالكركم والعسل وخل التفاح، يرش فوقها قليل من القرفة، أما فصا الثوم فهما حسب الرغبة، وتضاف ثلاثة حبات لوز نيء وحبة تين مجفف، وزيتونتان ونصف موزة، وتصير الخلطة غموسا لرغيف قمح أو شعير ليبي، أو بلدي مصري! الرغيف خلطة ألياف مهمة للمعدة، والكرافس عنصر مهم للحد من ضغط الدم، والكركم للكبد وكذلك العظام، والخل لحرق الشحم، وزيت الزيتون أوميجا 3 أي الكولسترول النافع، والفلفل الحار من أهم مصادر فيتامين سي، والقرفة عنصر فعال في تنظيف المعدة والقولون من الميكروبات.. واللوز للقلب، أما المذاق فهو غاية الروعة. أضفت مؤخرا رشة من الزنجبيل. أرجو أن تستمتعوا بهذه الوصفة وأرجو، أن تنشر هذه المقالة في جو رائق، من غير قنابل وألغام وانفجارات يوم يكون الأمن والأمان يحف بنا جميعا، وهو قريب طالما هناك رجال أخذوا على عاتقهم تطهير ليبيا من الإرهاب. سواء تحدث الإعلام عن بلاد الشجاعة، أو لم يتحدث.