Atwasat

الجضران يفتح .. الجضران يغلق!!

إدريس بن الطيب السبت 05 أبريل 2014, 11:27 صباحا
إدريس بن الطيب

الجميع فرحٌ جدًّا بخبر (قرب) انتهاء أزمة إغلاق الموانئ النفطية! والخبر يتم تناقله بطريقة (التمهيد) المعتمِد على الإثارة المعروف سنيمائيًّا، وهو، عادة، أسلوبٌ يتمّ انتهاجه فى السياسة للإعداد النفسي (لإنجاز) سيحدث والتجهّز للفرح به، متعامين تمامًا عن الظروف التي وُلد فيها، أو (الشروط) التي تمّ إنجازه تحتها! والشروط، في حالة هذا الإنجاز الذي ننتظره بفارغ الصبر، ليست شروطًا يضعها طرفان في مفاوضات، وإنما هي شروطٌ (يمليها) الجضران، والذي يتصرف باعتباره في موقف أقوى كونه يقبض بقوة على حنجرة الشعب الليبي من خلال سيطرته على المصدر الرئيسي لقوته، فلم نسمع للحكومة (شروطًا) لأنها لم تتكرَّم علينا بأي بيان صحفي يواكب سير المفاوضات، مما يكاد يجعلنا في حنين (وليست حنين بوسهمين) إلى مؤتمرات زيدان الصحفية، وإنما كان كل ما سمعناه هو شروط الجضران لتنفيذ مطلب الحكومة الوحيد وهو فتح الموانئ النفطية! وتفاديا لأن يتهمني أحدهم بأنني أسعى إلى الفتنة- وهي التهمة الأكثر رواجًا هذه الأيام من الجميع للجميع- أو أن يتهمني أحدٌ بالعمل على تخريب أجواء الوفاق التي تسبق الاتفاق وبالتالي إفساد بهجة الشعب الليبي بهذه الفرحة التي ظل يتمناها.

تفاديا لكل ذلك فإنني أعلن ما يلي: موافقتي –شخصيًّا– على جميع شروط الجضران، ابتداءً من دفع كامل مرتباته هو ومَن معه طوال فترة (ارتكابهم) لجريمة الإغلاق، دون أي التفات إلى مَن تم تأخير مرتباتهم بسببه، وكذلك (إلغاء) مذكرة القبض عليه الصادرة من النائب العام، والذي أبدى حُسن النية بإطلاق سراح الثلاثة الذين كانوا (يرافقون!!) الناقلة النفطية المتسللة، وإذا أصر السيد البرعصي على ضرورة تسليم الناقلة النفطية له كما طالب في تصريح رسمي من قبل (فالله والنبي عطوها له!)، وكذلك أوافق على شرط، رغم أنني لم أفهمه وهو (دفع ديون الجضران)، فهو شرط غامض لا يبين لنا ما هي هذه الديون ولمَن، إلا إذا كان المقصود بها ثمن المكرونة والطماطم والزيت التي كان السيد الجضران يشتريها من الدكاكين بالدَّين لإطعام قواته، ولن أقول إنه –فى هذه الحالة- يجب أن يدفعها من المرتبات التي ستدفع له بتاريخ سابق كأي مواطن مديون، سأقبل بدفعها دون مناقشة، لكن شرطًا واحدًا لا أوافق عليه أبدًا، وأعتبره مكمن الخديعة، وهو: شرط إعادة تعيينه، أو تعيين ضابط يختاره هو، رئيسًا لحرس المنشآت النفطية، وهي الوظيفة التي كان يمارسها الجضران حين قرر أن يغلق الموانئ! وهي، بالمناسبة، وظيفة تشمل كل (المنشآت) النفطية أي الموانئ والحقول أيضًا!!


والسبب في عدم قبولي لهذا الشرط، والذي هو ليس كمثل بقية الشروط الأخرى والتي تعيدنا إلى المربع الأول بمعنى (حبال سو طاحن في بير!!)، هو أنه شرطٌ يتم فيه إخضاع الحكومة تمامًا وليس التفاوض معها، لأنه –ببساطة- يبقى في يده السلاح ذاته الذي استخدمه من قبل، ومشحونًا بالذخيرة، ومنزوعًا منه مسمار الأمان أيضًا!! وبذلك فلا ضمانة ألا يستخدمه مرة أخرى، إلا بالاعتماد على حُسن نية الجضران وحدها!! صدقوني، ليست الحكومة وحدها هي التي تنازلت بالتفاوض مع الجضران، بل أنا أيضًا قد تنازلت -على الرغم من رفضي للشرط الأخير- بعد أن كنت رافضًا لمبدأ (الحوار) - الذي صدّعوا رؤوسنا به ككائنات ديمقراطية- تحت التهديد، وقبلت بمبدأ التفاوض مع خاطفي النفط، انطلاقًا من مبدأ إنقاذ الرهينة، وهو- بالمناسبة- تفاوضٌ لا يتضمن أي اعتراف، مثله مثل التفاوض مع أي مجرم خاطف، لكن ما يجري هنا ليس تفاوضًا وإنما هو استسلامٌ كاملٌ للحكومة (لإملاءات) الجضران، وإبقاء للنفط تحت رحمته بالوظيفة التي يطلبها، وهذا كمَن يعين لأطفال كانوا مخطوفين حارسًا هو الخاطف ذاته!! وفوق ذلك: الاستجابة لكامل طلباته!! لم أجد تفسيرًا مقنعًا لحماس السيد الثّني لإنجاز هذا الاتفاق بأي ثمن وبأسرع وقت، سوى أن لعابه قد بدأ يسيل أمام كعكة منصب رئاسة الحكومة الشاغر، وذلك بعد أن تواترت الأنباء عن عدم الاتفاق على مرشح بديل له، وأن هناك (احتمالاً) للتمديد له، (وهو العمل الوحيد الذي يجيده المؤتمر الوطني العام كل الإجادة)، واعتماده كرئيس غير موقت للوزراء!! أيها السيد عبدالله الثّني، لاتخدعنا –فقط من أجل وصولك لكرسي رئاسة الوزارة- بهذا الاتفاق، الذي هو، بالموافقة على هذا الشرط، لن يغيّر من الأمر شيئًا، سوى أن الجضران سيفتح (الشّيشمة)، التي يستطيع إغلاقها في أي وقت يشاء!! .. هذا أسوأ من رشوة زيدان، فتلك آثارها السيئة كانت أخلاقيّة، أما هذا الاتفاق، فآثاره السيئة أخلاقية وسياسية أيضًا!