Atwasat

السلطة التنفيذية: مؤشر نجاح أو فشل الاتفاق السياسي

عزة كامل المقهور الثلاثاء 14 يونيو 2016, 08:28 مساء
عزة كامل المقهور

مقدمة:
لا شك أن أحد أسباب الاتفاق السياسي هو خلق سلطة تنفيذية جديدة. لكن هذه السلطة التنفيذية في الاتفاق جاءت مركبة ومعقدة. وعرفت ليبيا بموجب الإعلان الدستوري سلطة تنفيذية بسيطة وضعيفة وهشة لم تصمد في وجه السلطة التشريعية المهيمنة آنذاك والتي كانت تعرف بالمجلس الوطني الانتقالي الموقت (غير منتخب) ثم تحولت إلى المؤتمر الوطني العام بانتخابات العام 2012. وتبين منذ البداية عدم فعالية السلطة التنفيذية بسبب النصوص التي تحكمها في الإعلان الدستوري، ووصل الأمر لحد تشكيل لجنة من المؤتمر الوطني العام في العام 2014 عرفت بلجنة فبراير مهمتها إجراء تعديلات دستورية لاستعادة التوازن ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية اعتمادا على مبدأي الفصل والتوازن ما بين السلطات. لكن المؤتمر الوطني العام رغم تبنيه هذه التعديلات إلا أنه عطل فصلا كاملا من السلطة التنفيذية وهو المتعلق برئيس الدولة وأرجأ أمره لمجلس النواب المقبل. ثم وقع الصراع السياسي وتحول إلى صراع عسكري على الأرض، ودخلت ليبيا في متاهة الحرب الأهلية، وكان لابد للمجتمع الدولي أن يتدخل فكان حوار الصخيرات وما نتج عنه من اتفاق سياسي تم التوقيع عليه في ديسمبر الماضي.

إلا أن البوادر تشير إلى عدم تطبيق هذا الاتفاق بالشكل الذي يرتجى منه ووفقا لنصوصه وروحه، بل أن خروقات واضحة حدثت أثناء تطبيقه، ناهيك عن غياب أهم عنصر في تطبيق الاتفاقيات ألا وهو مبدأ حسن النوايا. فرغم اعتماد وتصديق مجلس النواب على الاتفاق في يناير الماضي، إلا أنه لم يصدر تعديلا دستوريا يعطي الاتفاق قوة قانونية ليصبح تشريعا، كما وأن مجلس النواب حتى اليوم لم يمنح الثقة للحكومة المقترحة من رئيس المجلس الرئاسي، وها هي ليبيا تدخل اليوم دوامة أخرى منشأها سياسي ونتائجها قد تكون لا سمح الله أتون حرب جديدة.

ومن المهم تبيان حقيقة السلطة التنفيذية للاتفاق السياسي التي أعطاها الاتفاق صلاحيات واسعة وجعلها ديدن الحل في ليبيا من أوجه عدة خاصة رفع معاناة المواطن وتلبية حاجياته والنهوض بالمؤسسات ووضع وتنفيذ الترتيبات الأمنية وتدابير بناء الثقة وغيرها بما يعج به الاتفاق السياسي من مسؤوليات وصلاحيات تقع على عاتق السلطة التنفيذية التي أطلق عليها الاتفاق «حكومة الوفاق الوطني»، إذ إن فهم حقيقتها وتركيبتها سيقدم الدلائل والمؤشرات عن مدى نجاحها بل نجاح الاتفاق السياسي برمته من عدمه.

تركيبة السلطة التنفيذية وفقا للاتفاق السياسي ومكوناتها:
جاءت السلطة التنفيذية وفقا للاتفاق السياسي سلطة مركبة تتكون من ثلاثة مكونات هي :
1. رئيس مجلس رئاسة الوزراء (المجلس الرئاسي).
2. مجلس رئاسة الوزراء: رئيس مجلس الوزراء + خمس نواب لرئيس مجلس الوزراء+ ثلاث وزراء (وزير لشؤون رئاسة مجلس الوزراء والتشريع/ وزير لشؤون المجالس المتخصصة/ وزير لشؤون المجتمع المدني).
3. الحكومة/ مجلس الوزراء: ويتشكل من 1 و2 وعدد من الوزراء.

وفي حين صدرت تسمية المكون الأول والثاني من خلال الاتفاق السياسي (الملحق 1)، والذي صادق عليه مجلس النواب (بتحفظ على المادة 8 من الأحكام الإضافية)، فإن الإشكالية ظهرت في عرقلة منح الثقة للوزراء الذين يشكلون المكون الثالث وهم وزراء حكومة الوفاق الوطني من جانب مجلس النواب. وبالتالي فإن حكومة الوفاق الوطني بتركيبتها المشار إليها في الفصل المعنون (حكومة الوفاق الوطني) بالاتفاق السياسي لم تكتمل بعد لغياب مكونها الثالث وهم الوزراء. واختصاص مجلس النواب أصيل في منح هذه الثقة استنادًا للمادة 13 من الاتفاق والتي تنص على «يتولى مجلس النواب... ومنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني وسحبها وفقا لبنود هذا الاتفاق...».

وعليه، فإن حكومة الوفاق الوطني وفقًا لتركيبتها الواردة في الاتفاق السياسي، لا تكون إلا بمكوناتها الثلاث المبينة أعلاه. وإن السلطة التنفيذية هذه لم تكتمل حيث لم يتحقق إلا مكوناها الأول والثاني، والنتيجة هي أن رئيس السلطة التنفيذية الحالي هو رئيس المجلس الرئاسي لمجلس الوزراء وليس رئيسًا لحكومة الوفاق الوطني بعد.

اختصاصات السلطة التنفيذية:
وردت اختصاصات السلطة التنفيذية في الاتفاق السياسي عاكسة للتركيبة المعقدة لها، لذلك فإننا نجد ثلاث مستويات لهذه السلطة: المستوى الأول: اختصاصات رئيس المجلس الرئاسي، الثاني: اختصاصات المجلس الرئاسي، والثالث: اختصاصات حكومة الوفاق الوطني.

وفي حين وردت اختصاصات الرئيس على سبيل الحصر ومنها اختصاصات له بصفته لوحده، وأخرى مع نوابه، وثالثة في إطار المجلس الرئاسي كله، فإن الاتفاق جاء خلوا من أية اختصاصات بعينها لنواب الرئيس الخمسة والذي تتحدد اختصاصاتهم في فلك المجلس الرئاسي.

وعليه، وبسبب هذه التفرقة في الاختصاصات والناتجة عن التفرقة في مكونات السلطة التنفيذية، فإن النتيجة هي أنه أينما وجد اختصاص «لحكومة الوفاق الوطني» في الاتفاق السياسي والمقصود بها السلطة التنفيذية المكونة من: الرئيس/ النواب الخمس/ الوزراء الثلاث/ الوزراء، فإنه لا يجوز لأي مكون منفردا أو مجتمعا جزئيا في السلطة التنفيذية، أن يمارس هذا الاختصاص المناط بحكومة الوفاق الوطني. فالاختصاصات المناطة بحكومة الوفاق الوطني وهي جمة ومتواجدة في كل أجزاء الاتفاق السياسي تكون لها مجتمعة بمكوناتها ولا يجوز لأي مكون منها أن ينفرد بها.

لذا، فإن رئيس المجلس الرئاسي وكذلك المجلس الرئاسي لا يمكنهما ممارسة الاختصاصات المناطة بـ«حكومة الوفاق الوطني» الواردة في نصوص الاتفاق، وأن عملهما يقتصر على ما أنيط بهما على سبيل الحصر في هذا الاتفاق.

مؤشر نجاح الاتفاق السياسي من عدمه:
لا شك أن هذا المؤشر يكمن بشكل كبير في مدى تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي اعتبرها الاتفاق «السلطة التنفيذية الوحيدة في البلاد وأية قرارات تنفيذية تصدر من عداها باطلة ولا يعتد بها قانونا» (مادة 2/ أحكام إضافية)، إضافة إلى مدى فعاليتها وإمكانية تنفيذ اختصاصاتها ومهامها وفقًا لما ورد في الاتفاق الذي هو مصدر وجودها.

ولعل أهم هذه المهام هي تلك الواردة في الفصل المتعلق بالترتيبات الأمنية التي منحها الاتفاق لحكومة الوفاق الوطني وليس لأي من مكوناتها.

وهذا المؤشر في عدم استكمال تشكيل حكومة الوفاق الوطني هو في حقيقته انعكاس لعدة مؤشرات أخرى تتلخص في التالي:
1. عدم تنفيذ الاتفاق السياسي بالشكل الصحيح والقفز على نصوصه والتسرع في تشكيل المؤسسات الجديدة دون ترو ودراسة وبالمخالفة أحيانًا للاتفاق السياسي وهذا ما حدث بالنسبة لتشكيل مجلس الدولة.
2. عدم عناية المجتمع الدولي بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي رعت الاتفاق وأبرم برعايتها ومساعدتها، بتنفيذه بما يتفق ونصوصه، والاستعجال أحيانًا للوصول إلى نتائج آنية دون توخي الحذر في الوسائل اللازمة لذلك، وليس أدل على ذلك من التعامل مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق باعتباره «حكومة» وما هو بذلك.
3. عدم فعالية مجلس النواب وتقصيره في التعامل بروح المسؤولية مع الاتفاق السياسي. فبعد التوقيع عليه واعتماده في جلسة رسمية، وهما خطوتان ترتبان آثارا ونتائج، كان عليه أن يتحلى بروح المصلحة العامة وأن يتعامل مع هذه النتائج خاصة ما تعلق بمنح الثقة للحكومة ومراقبتها ومحاسبتها بل حتى إقالتها وفقًا للاتفاق، وإصدار تعديل دستوري، وأداء واجباته البرلمانية، وهو روح الشعب وصوته، وحماية البلاد من المزيد من التدخلات الأجنبية. إن في عدم فعالية مجلس النواب ما قد يستدعي تدخلا مباشرًا وحينها لن تنفع كل التبريرات.
4. تعامل المجلس الرئاسي وكأنه حكومة الوفاق الوطني، وهذا مخالف لما جاء في الاتفاق، فلا يجوز من وجهة نظرنا أن يمارس المجلس الرئاسي الاختصاصات المناطة بحكومة الوفاق الوطني.
5. مقاطعة أعضاء المجلس الرئاسي، بل وقيام أحد أعضائه بإصدار قرارات منفردة بما يخالف المادة 8/2 من الاتفاق التي تتطلب الإجماع. وكما أن هذه القرارات لا وزن لها، فإن قرارات المجلس الرئاسي دون تحقق الإجماع المطلوب في المادة 8/2 تكون موصومة بالمخالفة للاتفاق، ولا يبرر هذا مقاطعة الأعضاء، فالمطلوب إيجاد حلول في إطار الاتفاق وليس بالقفز عليه، وفي حالة أن النص (الإجماع) أصبح معيقًا وكان ذلك متوقعًا منذ البداية، فإن هذا الأمر في ظل الاستحالة يتطلب اتخاذ قرارات جريئة إما بعودة المقاطعين، أو بتعديل النص وفقا للاتفاق، أو بترك الأمر برمته لطاقم رئاسي آخر أقدر على إدارة المرحلة، أو بغيرها من الحلول.
6. تعامل المجتمع الدولي مع الاتفاق برمته يشوبه الكثير من السلبيات والسلبية. ففرح المجتمع الدولي بعودة أعضاء من المجلس الرئاسي إلى طرابلس لا يعفيه من مسؤولية العمل بجدية لتنفيذ الاتفاق بما في ذلك تنفيذ التزاماته الواردة في الاتفاق السياسي، خاصة منها تلك المتعلقة بالترتيبات الأمنية. كما وأن طريقة التفرقة في تعامله مع مؤسسات الدولة المنبثقة عن الاتفاق بتقوية مؤسسة وإهمال أخرى أو تجاوزها، أو فرض العقوبات على «س» من الناس دون آخرين، واستعمال سياسة العصا والجزرة لتحقيق مكاسب سياسية هي معاملة لن تزيد الوضع إلا تعقيدا وتدفع به من حافة الجرف.

دور المجتمع الدولي كما بدأ بالحوار بين الليبيين وتسهيله، يجب أن يستمر بالحوار وخلق آليات جديدة بغرض تنفيذ الاتفاق، وبث روح إيجابية ومتعاونة وخلاقة أساسها الصالح العام وإنقاذ البلد واستقراره، فلا يمكن توقع نجاح هذا الاتفاق من خلال استخدام آليات «شخصية» و«علاقات عامة»، ولكنها تكون من خلال آليات مدروسة توسع من قاعدة الحوار وتشكل من المجتمع المدني قوة ضاغطة على المؤسسات السياسية المتناحرة والمتنافسة في غير صالح البلاد. ولعل في معاناة المواطن اليوم وحنقه وغضبه وألمه لغياب الأمن وحاجاته الأساسية من العيش، ما يمكن استخدامه لإعادة الفرقاء إلى طاولة الحوار ومساعدتهم على توفير حلول عاجلة.
7. عدم قيام المجتمع الدولي بتنفيذ مسؤولياته المنصوص عليها في الاتفاق، وأهمها تطبيق المادة 46 من الاتفاق السياسي التي تنص على «يجب أن يتزامن مع تشكيل حكومة الوفاق الوطني البدء في تطبيق الترتيبات الأمنية وفقًا لما هو منصوص عليه في هذا الاتفاق» والمقصود بالترتيبات الأمنية تلك المنصوص عليها في المادة 34 من الاتفاق وأهمها ترتيبات خاصة بانسحاب التشكيلات المسلحة من المدن والتجمعات الحيوية، والتي نصت على أن تنفيذ هذه الترتيبات تكون «بدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي». فترك سلطات الدولة تحت رحمة التشكيلات المسلحة وفي رعايتها لن يؤدي إلا إلى تفسخ الاتفاق السياسي ونهايته.
8. وأخيرًا، فإن العقود والاتفاقات خاصة تلك التي أبرمت لإنهاء النزاعات المسلحة يجب أن تطبق بحسن النوايا وبروح المسؤولية والتعاون، ولما تحققه المصلحة العامة وبما يخفف من معاناة المواطن الذي لا ناقة له ولا جمل في كل هذه الصراعات التي تدور رحاها على أرضه. فإن فشلت أطراف الاتفاق في ذلك واستبدلت حسن النوايا بسوئها والتفتت عن معاناة المواطن ودهست على كرامته، إن فشلت أدوات الاتفاق عن العمل أو استسلمت وخضعت للجهات المسؤولة عن النزاع ولم تستطع مواجهتها وتطبيق التزاماتها لكبح جماحها والسيطرة عليها، فإن كل هذا يشكل مؤشرات على أن الاتفاق السياسي يتجه إلى عكس أهدافه وقد لن يصمد.

عزة كامل المقهور
14. 6. 2016