Atwasat

صحراء تونس تستقبل مهرجانًا شعبيًّا لـ "جز الأغنام"‎

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 24 أبريل 2014, 02:31 مساء
WTV_Frequency

وسط الأناشيد الدينية والأهازيج الشعبية يحرص سكّان الجنوب التونسي على الاحتفال سنويًّا بموسم "جزّ الأغنام" وإيلائه مكانته المميّزة ضمن موروثهم الثقافي الصحراوي، فضلاً عن كونه عادة وعرفًا دأب عليه الأجداد منذ مئات السنين.

وعادة ما ينطلق مبكرًا موسم "جزّ الأغنام" (إزالة أصوافها) بالجنوب التونسي، مقارنة بباقي المناطق التونسية، نظرًا إلى الارتفاع الكبير في درجات الحرارة جنوب البلاد، حيث يشرع سكّان هذه المناطق من الرعاة في جزّ أغنامهم منذ بداية شهر أبريل إلى منتصف شهر مايو من كل عام.

زحف التمدن
محافظة تطاوين، الواقعة جنوب شرق تونس، تحتضن على امتداد صحاريها المتاخمة للحدود الليبية المئات من رعاة قطعان الأغنام والإبل، والذين يتمسّكون بالمحافظة على جملة من العادات البدوية بينها طقوس "الجز" على الرغم من زحف التمدّن طيلة العقدين الماضيين على هذه المناطق.

يصعب التنقلّ من وسط مدينة تطاوين جنوب العاصمة تونس، إلى عمق الصحراء، حيث تقيم "عرش" (قبيلة) الخزراوي حفلتها الموسمية لجز الأغنام التي "باتت في أمس الحاجة إلى أن تنزع عن جلدها كميات الصوف مع انقضاء فصل الشتاء البارد وارتفاع درجات الحرارة"، بحسب ما ذكره دليل البادية العمّ "عبدالله".

حفاوة الاستقبال وكرم البداوة بدا جليًّا منذ انطلاقتنا عبر المسالك الصحراوية الوعرة إلى حين الوصول إلى منطقة "مشهد صالح"، حيث ينتصب عددٌ من الخيام التقليدية السوداء وسط صحراء مقفرة ممتدة.

ينطلق موسم "جز الأغنام" في الجنوب التونسي مبكرا نظرًا للإرتفاع الباكر في درجات حرارة الجنوب


عين طرطار
وبإشارة من كبير القبيلة تبدأ عملية الجزّ منذ شروق الشمس، وسط تعالي أهازيج الرجال وزغاريد النسوة إبرازًا لجلالة هذه العادة وقداسة طقوسها لمن ألفوا عيش الصحاري أكثر من أي مكان آخر.

المكان الذي نزل إليه مربو الأغنام والإبل هذا العام كان على بُعد بضعة كيلومترات من الحدود الليبية، ويقع بين ثلاث هضاب رملية تحميهم قدر الإمكان من قوة العواصف الرملية، وبالقرب من بئر ماء "عين طرطار"، حيث تتوفر مراعٍ شاسعة من النباتات الصحراوية.

قبل الجزّ يتم فصل الأكباش عن بقية القطيع، حيث يتم تجميعها في زريبة (حظيرة) لوحدها من أجل جزّها وفق طريقة خاصة تتطلب كثيرًا من الجهد والخبرة، وهي عادة لا يتقنها إلاّ كبار القوم، وتوضح القيمة التي يوليها الرعاة لأكباش القطيع.

أما النعاج فيتم جمعها، أيضًا، في زريبة وحدها بعد أن تفصل عن أبنائها الصغار، حيث تتعرض إلى الجز واحدة تلو الأخرى بمجرد دخولها الخيمة المخصصة للجزّ.

الأجلام
وحول طريقة الجز، يقول، مبروك، حفيد كبير القبيلة المشرف على رعي الأغنام في منطقة "مشهد صالح": "نحرص على أن نقوم بعملية الجزّ في أسرع وقت ممكن وبعناية شديدة حتى لا نؤذي الأغنام".

وينقسم فريق العمل (حوالي 30 رجلاً)، إلى مجموعات يؤدي كل منها دوره في إيقاع متناسق، فهناك مجموعة تتولى عملية حدّ أشفار "الأجلام" وهي آلة شبيهة بالمقص لكنها أكبر حجمًا، وتستخدم في فصل الصوف عن جلد الشاة.

تحتضن محافظة تطاوين جنوب شرقي تونس على امتداد صحاريها المتاخمة للحدود الليبية عمليات الجز

وثمة مجموعة ثانية تسمى "الكتّافة" وهي تتولى عملية شدّ وثاق الشاة، بحسب تقنيات خاصّة في التعامل مع الحبل ولفّه على سيقان الحيوان.

وتباشر مجموعة ثالثة عملية الجزّ عن طريق قصّ الصوف عن ظهر الشاة ابتداءً من رأسها وذلك بإتقان شديد وبسرعة تقدَّر بنحو سبع دقائق، للشاة الواحدة.

في هذه الأثناء يقوم المهاجي (المنشد) بين الفينة والأخرى بإعلاء صوته بالأهازيج الشعبية والقصائد الشعرية المحفِّزة من أجل مزيد من البذل والجهد.

وعادة ما تقطع هذه الأناشيد صرخات مميزة تختلف طبقاتها بقدر ما تحمله من معانٍ لا يفهمها إلاّ هؤلاء الرعاة.

كبير القبيلة
بدوره، يقف "العم الهاني"، الرجل الستيني، عن قرب يواكب سير العملية، ويصدر بين الفينة والأخرى أوامره التي لا ترد، كونه كبير القبيلة والمشرف العام على قطيع الأغنام والإبل.

وفي الوقت الذي يتولى فيه الرجال جزّ الأغنام، تتولى النسوة إعداد الطعام من الذبائح التي تُنحر خصيصًا لهذه المناسبة إلى جانب الأرانب البرّية التي كان وقع اصطيادها سابقًا احتفاءً بموسم الجزّ.

أحد الأبناء الصغار، الذي ما زال يتلقف تقنيات تربية الأغنام وعادات موسم الجزّ عن آبائه وعمومته، يري أن الجزّ "واجب" أن يشارك فيه كل أفراد العرش "حيث نجتمع كلّ مرّة عند مراعي عائلة معيّنة على امتداد شهر كامل في هذه المناطق الصحراوية حتى ننهي جزّ كل قطعان الأغنام".

ويضيف: "إذا ما تغيّب أحدٌ عن المشاركة في جزّ أغنام أحد أفراد القبيلة دون عذر سابق فإنه لن يجد مَن يساعده أو يشاركه جزّ أغنامه".

"الكتافة" هي مجموعة تتولى عملية شد وثاق الشاه

وما أن أنهى أحفاد العم الهاني الخزرواي جزّ أغنامهم قبل الظهيرة بقليل حتى جلسوا داخل إحدى الخيمات في محاولات تبدو يائسة لمقاومة قساوة العاصفة الرملية التي هبّت على المكان، وذلك لتناول طعام الغداء واحتساء الشاي الذي يمثّل فرصة للحديث والتندّر وإلقاء القصائد باللهجة العاميّة التي يصعب فهمها على مَن ليس منهم.

بعد إنهاء موسم الجزّ يقوم الراعي ببيع الصوف لمعامل النسيج، بسعر يقدّر بنحو نصف دولار للجزّة الواحدة.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
أطباق من بقايا الطعام لمكافحة الهدر
أطباق من بقايا الطعام لمكافحة الهدر
اكتشاف مشاركة طالبات من جامعة في كامبريدج في فك رموز نازية
اكتشاف مشاركة طالبات من جامعة في كامبريدج في فك رموز نازية
البندقية تبدأ بفرض ضريبة على الزيارات اليومية
البندقية تبدأ بفرض ضريبة على الزيارات اليومية
«نستله» تتلف «على سبيل الاحتراز» زجاجات مياه «بيرييه» بعد أمطار غزيرة
«نستله» تتلف «على سبيل الاحتراز» زجاجات مياه «بيرييه» بعد أمطار ...
سقوط مراوح طاحونة ملهى «مولان روج» الاستعراضي في باريس
سقوط مراوح طاحونة ملهى «مولان روج» الاستعراضي في باريس
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم