Atwasat

160 اختلافًا بين «برقة» بن عامر والفرجاني

القاهرة - «بوابة الوسط» لينا العماري الثلاثاء 02 سبتمبر 2014, 02:23 مساء
WTV_Frequency

في تصحيح لبعض المفاهيم التاريخية كتب يوسف عبدالهادي مقالة نقدية تضع مقارنة بين ترجمتين لكتاب «برقة الهادئة» وكتاب «برقة المهدأة» والاختلاف الذي تجاوز المئة وستين موضعًا بينهما.
يوسف كاتب من مدينة درنة مهتم بالبحث والتنقيب في التاريخ الليبي وله سلسلة تهتم بالمفاهيم التاريخية، حيث سنعرض منها المقارنة بين الكتابين:

«مما لا شك فيه أن ترجمة الكتب العلمية والأدبية والتاريخية هي تنمية ثقافية تفتح الآفاق على معارف الإنسانية وتؤسس لأفكار التقدم وتشيع العقلانية وتضع القارئ في قلب حركة الإبداع والفكر العالميين».
وعملية الترجمة تتطلب من الشخص المتصدي لها أن يتميز بصفات منها: أن يكون ضليعًا في اللغة المترجم منها، وأن يحوز ملكة الإبداع في التعبير وصياغة الجمل وأن تتوافر فيه الأمانة العلمية في الترجمة.
وقد يكون عسيرًا على المؤرخ أن يتجرد من ميوله وأهوائه وهو ينظر في الماضي، فالتاريخ لا يكتب دون حب أو حقد، ولكن ليس من العسير على المترجم أن يتجرد من تلك الميول والأهواء.
ونحن نعلم أنه لم تتعرض حقبة تاريخية للتشويه والطمس وسوء الفهم كما تعرضت له الفترة الزمنية الممتدة بين سنة 1911 وحتى 1969 في ليبيا، وما زال من يكتب عنها واقعًا تحت سطوة العوامل التي تؤثر في تأريخه من عامل الخوف من السلطة، إلى التملق لها، إلى عوامل التعصب الجهوي أو القبلي أو المذهبي.

هذا من جهة كتابة التاريخ ولكن أن الذي لا يبدو معقولاً هو أن يتعدى هذا التشويه وبشكل فج إلى ترجمة الكتب التاريخية، وإن حدث هذا فإنه يعتبر سلوكًا غير ناضج وخيانة للأمانة العلمية، بل يعتبر فضيحة عند الشعوب المتطورة صاحبة الفهم التاريخي الواعي، ونظل نحن أصحاب الشعور التاريخي المائع عرضه لنصدق كل ما نسمع أو نقرأ ولا يكلف أحدنا نفسه عناء البحث عن الحقيقة, واللائمة تقع في هذا على أهل الاختصاص إن وجدوا.
الكتاب الذي نحن بصدده هو كتاب «برقة المهدأة» تأليف الجنرال رودولفو غراتسياني المعروف، هذا الكتاب قام بترجمته المرحوم الأستاذ إبراهيم سالم بن عامر سنة 1973، تحت اسم «برقة الهادئة» وطبع مرتين في دار ومكتبة الأندلس ببنغازي العامين 1974 و1975، ثم طبع لاحقًا من قبل الدار الجماهيرية للنشر.

ويذكر أن للكتاب ترجمة سابقة طبعت سنة 1971 وقام بترجمتها طه فوزي والذي ترجم أيضًا كتاب «نحو فزان» للمؤلف نفسه، ولم يتيسر لنا الحصول على هذه الترجمة لندرتها.
وسارت الركبان بترجمة بن عامر السابقة الذكر واعتبرت أنها الترجمة الوحيدة والصحيحة للكتاب، وظلت على مدى سنوات تمثل مرجعًا تاريخيًا مهمًا يلقي الضوء على فتره من تاريخنا الوطني من خلال فكر وأسلوب المستعمر المتمثل في مؤلف الكتاب، وأخيرًا ظهرت ولحسن الحظ إلى حيز الوجود ترجمة جديدة للكتاب اضطلع بها المرحوم محمد بشير الفرجاني صاحب ومؤسس «دار الفرجاني» الشهيرة بطرابلس، تحمل عنوان «برقة المهدأة»، وللعلم أن هذا هو الذي يوافق الاسم الصحيح للكتاب، والذي يعني إعادة السلام إلي برقة، وبالمقارنة بيت الترجمتين فإن ما يثير الدهشة هو الاختلاف الكبير بين كل منهما، هذا الاختلاف تمثل فيما يأتي:
1 - نقص كبير في ترجمة بن عامر بالمقارنة مع ترجمة الفرجاني هذا النقص الذي يمتد من كلمة الإهداء للمؤلف ويتعداه إلى حذف كلمات وجمل بل إلى مقاطع وصفحات حتى وصل الفرق بين الترجمتين إلي ما يقارب المئة صفحة, علمًا بأننا راعينا وأخذنا في الاعتبار حجم الصفحات من حيث عدد الكلمات في كل صفحة.
2 - زيادة كلمات وألفاظ وجمل واضح لأي قارئ أنها ليست في أصل الكتاب المترجم، وهذا أيضًا في ترجمة بن عامر.
3- لي وتحريف في صياغة الجمل المترجمة، عند «بن عامر» ترتب عليها تغيير كامل في المعني
4 - زد على ذلك، وهذا أدهى الدواهي أن هناك إسقاطًا واستبدال أسماء أشخاص، فمثلاً هناك شخص حذف اسمه نهائيًا وشخص آخر استبدل اسمه وآخر حذف اسمه مرتين واستبدال باسم آخر مرة ثالثة.
5 - ومما يعتبر مهمًا عند أهل البحث العلمي التاريخي، نجد أن الفرجاني قد بيّن مصدر الكتاب الإيطالي وسنة نشره والدار التي نشرته, واضعًا فهرسًا علميًا له وقدم له بشكل موجز، بينما نجد أن بن عامر أسهب متجاوزًا هذا الواجب في وضع مقدمة وخاتمة طويلتين مضيفًا إليهما هامشًا غلب عليه في كل ذلك الانطباع الشخصي ومضمنًا كل ذلك مغالطات تاريخية وشعارات ليست ذات قيمة عند المشتغلين بعلم التاريخ.

وعند المقارنة بين الترجمتين كلمة بكلمة ستجد أن هذه الاختلافات تجاوزت المئة وستين موضعًا أو أكثر وهو مالا يتحمله الكتاب الأصلي المترجم بحيث لا يتغير الفهم التاريخي لتلك المرحلة من وجهة نظر المؤلف, حتى إن القارئ سيخرج بانطباع تاريخي مخالف عند قراءته لكل من الترجمتين على حدة، إلا أن يكون المؤلف غراتسياني أعاد صياغة الكتاب وقد ترجم كل من بن عامر والفرجاني نسخة مختلفة، وهذا بعيد الاحتمال لأسباب لا تخفى على المختصين بالتاريخ.

وعند اطلاعي على نسخة من الطبعة الثانية لترجمة بن عامر وقد خطَ عليها الأستاذ المترجم إهداءً ممهورًا بتوقيعه زال ما بي من ريب بأن الترجمة قد طالها التحريف دون أذن أو علم المترجم, مما جعلني أتعامل معها باعتبار أنه راض عنها كل الرضا.

ويبدو أن ما اعترى هذه الترجمة هو ما اعترى جل الكتب التاريخية التي كتبت في ليبيا عن تاريخ هذه المرحلة في عهد القذافي, وكان الغرض من ذلك هو فرض تعليل بل تعليل خاطئ على تاريخ فتره الجهاد ضد الغزو الإيطالي بل قسرت الحوادث لتصب في نطاق هذا التعليل فجاء فهمنا لتاريخ هذه الحقبة مبتورًا.
والحقيقة أنني بدأت في إيراد أمثلة على هذا الاختلاف الحاصل فاكتشفت أن المقارنة الدقيقة بين النسختين ستحتاج إلي كتاب ثالث.

* نشرت بإذن من الكاتب 

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
مصر «ضيف شرف» ومحفوظ «الشخصية المحورية» في معرض أبوظبي للكتاب «33»
مصر «ضيف شرف» ومحفوظ «الشخصية المحورية» في معرض أبوظبي للكتاب ...
سيلين ديون تتحدث لأول مرة منذ إعلان إصابتها بمرض نادر
سيلين ديون تتحدث لأول مرة منذ إعلان إصابتها بمرض نادر
لوحة غامضة المصدر لغوستاف كليمت تُطرح للبيع ضمن مزاد في فيينا
لوحة غامضة المصدر لغوستاف كليمت تُطرح للبيع ضمن مزاد في فيينا
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم