Atwasat

«داعش» يسعى لإرضاء قبائل ليبيا

فادي عاكوم الخميس 21 يناير 2016, 09:23 مساء
فادي عاكوم

تساؤلات كثيرة تدور حول السبب الكامن وراء إطلاق داعش لسراح عدد من الرهائن الذين تم اعتقالهم في فترة سابقة في مناطق ليبية مختلفة، خصوصًا وأن المعروف عن هذا التنظيم الإجرامي أن من يقع بقبضته سيلقى أشد أنواع التعذيب والاحتجاز لفترة طويلة، بالإضافة إلى الجلد تحت ستار تطبيق الشريعة، وإن لم يكن محظوظًا فمصيره الإعدام بإطلاق النار أو قطع الرقبة.

لا بد من الالتفات إلى الأسباب التي تدفع تنظيمًا إرهابيًا كتنظيم داعش لإطلاق سراح أي من المعتقلين لديه

وهنا لا بد من الالتفات إلى الأسباب التي تدفع تنظيمًا إرهابيًا كتنظيم داعش لإطلاق سراح أي من المعتقلين لديه، فحسب ما اعتاده التنظيم في العراق وسورية ومن بعدها في ليبيا، فإنه يعتمد الخطف مقابل الفدية كمصدر أساسي من مصادر تمويله، خصوصًا في الفترة الأخيرة بعد تشديد الحصار الدولي المالي على موارده المالية الخارجية، وتوقف منابع التبرعات التي كانت تضخ الأموال في خزائنه، وفي حالة عدم دفع الفدية وهو الأمر الحاصل في الحالة الليبية، فإن الدافع هو سياسة التنظيم "الناعمة" مع القبائل والعشائر المنتشرة في مناطق سيطرته أو المناطق المتاخمة لمناطقه، وذلك من خلال أساليب عديدة منها إطلاق المخطوفين واستعمالهم كمفتاح للتفاوض وترطيب العلاقات وصولاً إلى التحالف والمبايعة.

وبعد ازدياد الضغوط عليه في سورية أولاً وفي العراق ثانيًا باتت ليبيا الخيار الحالي لتنظيم داعش لضمان انتشاره على الأرض، وبسبب التعددية المناطقية والحزبية في ليبيا فإن انتشاره لا بد وأن يقترن بمجموعة من التفاهمات والتحالفات والبيعات، فقدراته العسكرية لن تسمح له بمقاتلة الجميع، ولعل العشائر يمثلون القوة الأكبر على الأرض، لذا فإن مرحلة لافتة من التجاذبات ستشهدها الساحة الليبية بين داعش والعشائر، فداعش يعي تمامًا أن لانتفاضة العشائر ضده أهمية كبرى تميّزها عن انتفاضة أحزاب أو جماعات مسلحة أخرى، فباقي الجماعات هي أحزاب مرحلية قد تنتهي وتُمحى نهائيًا طبقًا للمعادلات السياسية أو العسكرية، أما العشائر فهي قوى فاعلة على الأرض مرتبطة تاريخيًا وسياسيًا بنسيج المجتمع ككل، فرغم مدنية الدولة والأحكام والقوانين السائدة فإن قانون العشيرة والاتفاقات التي تُبرم من شيوخها تعتبر النافذة على الأرض ويعمل بها، ولهذا رأينا داعش ومنذ بدء تحركها للتوسع الجغرافي سعت إلى تجنُّب المواجهات مع العشائر من خلال إبرام اتفاقيات تحدد طريقة التعامل معها لكسب ودها وتجنُّب أي صراع عسكري، وذلك ينطبق تمامًا في العراق وسورية وليبيا، علمًا بأن الكثير من أحكام إقامة الحد في سورية مثلاً تم إلغاؤها بعد أن تبيّن أن المقام عليه الحد هو أحد أفراد العشائر المتعاملة مع داعش، ويستطيع داعش من خلال التحالف مع العشائر الحصول على دعم العشائر نفسها في مناطق أخرى توجد بها، كون التحالف مع العشيرة يعتبر عامًّا وليس فقط في منطقة محددة.

إن الكثير من أحكام إقامة الحد في سورية مثلاً تم إلغاؤها بعد أن تبيّن أن المقام عليه الحد هو أحد أفراد العشائر المتعاملة مع داعش

ومن دون شك فإن داعش وبعد ممانعة القبائل الليبية لوجوده، فإنه سيسعى لإقامة تحالف قوي لتأمين وجودها لمواجهة باقي الفصائل المسلحة والجيش الوطني، ومن المتوقع أن يتم الاتفاق تحت الضغط بأن الأمن الذاتي سيكون لقوات عشائرية منظمة، على ألا تتدخل داعش بتفاصيل الحياة اليومية في المناطق الأساسية للعشائر لمنع الصدام بينهما، خصوصًا فيما يتعلق بتطبيق الشريعة والمشكلات التي تترتب على هذا الأمر.

مع الإشارة أيضًا إلى أن داعش يتلاعب بورقة النفط والمنشآت النفطية من خلال العشائر أيضًا، ففي سورية أوكل مهمة حراسة الآبار النفطية والخزانات ومصافي التكرير إلى العشائر، لقاء مبالغ مالية أو نسب مئوية تدفع لهم، وهذا الأمر له مردودان بالنسبة للتنظيم، الأول هو عدم تعريض عناصر داعش لأي خطر من خلال تواجدهم في المناطق النفطية، خصوصًا تعرضهم للقصف والغارات الجوية، والمردود الثاني هو إعطاء العشائر مساحة من الحرية ومناطق السيطرة المطلقة، بالإضافة إلى المردود المادي، وهو أمر يعلم داعش بأنه مؤثر جدًا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمادية لدى الليبيين بسبب الأوضاع الأمنية المتردية، كما يعمد وسيعمد داعش أيضًا إلى تزويج بعض عناصره إلى فتيات من العشائر لضمان جانبهم وعدم اللجوء إلى التصادم، نظرًا لما يكنه أبناء العشائر والقبائل من احترام للمصاهرة.