Atwasat

وجهٌ أخرُ للمصالحة!

زياد أبي قاسم الإثنين 17 أغسطس 2015, 09:32 صباحا
زياد أبي قاسم

فعلت اليابان بكوريا كل ما يمكن أن تفعله دولةُ العدوُ المنتصرة بدولةِ العدو المهزومة، حدث هذا قبل انتصار الحلفاء على دول المحور فى الحرب العالمية الثانية فى الفترة من 1910 / 1945. سجلت الأدبيات السياسية أحداثا مروعةً قام بها اليابانيون أشدّها تلك التى استهدفت القضاء على الهُوية الوطنية للكوريين قبل التقسيم. حاول اليابنيون تطويع الهُوية الكورية تارة بما يُعرف بسياسة الإذابة من خلال التأثير على النسيج الاجتماعى الكورى بتوطين اليابانيين فى كوريا وتمكينهم من المفاصل المهمة فى البلاد ومن خلال ترحيل الكوريين القسرى إلى اليابان بأعداد ضخمة، وتارة أخرى بما يُعرف بسياسة القضاء على الميراث الثقافى المتجسد والمكتوب.

فقد أنفق اليابنيون الكثير على نقل المنحتوات التاريخية ذات الرمزية الوطنية للكوريين واستقروا بها فى اليابان، كما سعى اليابانيون إلى إيجاد طائفة من الأدباءالكوريين يدينون بالولاء للثقافة اليابانية، حدث هذا فى مؤتمر أدباء شرق آسيا الكبرى 1942.

يصف تسورمى شونيسكى ذلك المؤتمر بقوله أن اللغة الوحيدة السائدة فى المؤتمر هي اللغة اليابانية، ولم يكن يُسمح بترجمة لغة الخطاب إلى لغة أخرى. واصلت اليابان آنذاك سياسة مسخ الهُوية القومية للكوريين، ففرضت عليهم التدريس باللغة اليابانية، وعندما تسير فى شوارع سيول ستشاهد الأسماء مكتوبة باليابانية، وتستمع إلى الناس وهم يتحدثون باللغة اليابانية.

لم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل ارتكبت اليابان أفعالا وحشية طالت البشر. ففى سبتمبر 1923، قتل الجيش الياباني والشرطة المدنية مايزيد عن 6000 من الكوريين المقيمين في اليابان. حدث هذا بعد زلزالز كانتو الشهير الذى ضرب بعض مناطق اليابان. أجبر اليابانيون الآلاف من العمال الكوريين على الخدمة بالسخرة فى المناجم والموانئ والأعمال التى تتطلب مجهودات شاقة، كما تعمّد اليابنيون تشغيل النساء الكوريات فى أوضاع امتهنت كرامتهن. فى هذا العام 2015 يتذكر اليابنيون والكوريون مرور 50 عاما على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

بالطبع لم ينس الكوريون ماحدث لهم فى فترة الاحتلال اليابانى، ولكنهم لم يعرقلوا مصالحهم الاقتصادية مع اليابان كما أنهم لم يقطعوا علاقتهم السياسية. فهناك وجوه أخرى للتعاون حرص عليها الجانبان. صحيح أن بارك رئيسة كوريا الجنوبية أقامت حفل استقبال فى سيول بمناسبة الذكرى ألـ50 لتطبيع العلاقات مع اليابان دون حضور أبي رئيس وزراء اليابان، وأن رئيس الوزراء اليابانى بدوره أقام حفل استقبال آخر فى طوكيو بمناسبة نفس الذكرى دون حضور رئيسة كوريا الجنوبية، إلا أنه فى الحالين هناك رسائل إيجابية متبادلة، لم تُقفل جراح الماضى ولكنها ارتقت فوقه.

لم يقدم أحدٌ من الكوريين صكوك غفران لصالح اليابان ولكنهم لم يحاولوا عرقلة الاستثمارات اليابانية فى بلادهم. تشير بعض الإحصائيات إلى أنها تقارب 3 مليارات دولار أمريكى. معالجة ماحدث في فترة الاستعمار تــُـرك لأحكام القضاء وللدبلوماسية. المصالحة بصمت دون نسيان ودون نكأ للجراح ودون وضع عراقيل. نموذجٌ آخرُ يمكن أن يُحتذى به. لم يحدث بين الليبيين ماحدث بين اليابان وكوريا، مع ذلك يمكن الاستناد إلى قواعد القانون فى جبر الضرر والمحاسبة أو قاعدة العرف السائر بين الناس وقاعدة والصُلح خير، لدينا طرق متنوعة لتقريب مسافات المصالحة، فلا يجب أن ننتظر كثيرًا للاحتفال بالذكرى الأولى للمصالحة الشاملة بين الليبيين.