Atwasat

قراءة مبكرة في (الربيع العربي)

محمد حسن البرغثي الإثنين 03 أغسطس 2015, 09:22 صباحا
محمد حسن البرغثي

عقب استقالتي من موقعي كسفير بتاريخ 24/2/2011 اتصل بيّ الدكتور أمين محمود وزير الثقافة الأردني الأسبق ووجه ليّ دعوة الحضور لبيته وطلب مني اللقاء مع عدد من الشخصيات العربية للحديث عن(الربيع العربي) بشكل عام وما جرى في ليبيا بشكل خاص، وبالفعل كان ذلك، وقد ضم الحضور: الدكتور وليد عبدالحي، الدكتور أنيس قاسم، الدكتور حلمي ساري، الدكتور إبراهيم عثمان، الدكتور فايز الخصاونة، محمد خروب، عريب الرنتاوي، محمد أبو رمان، رنا الصباغ، فهد الخيطان، الدكتور وليد الترك، الدكتور امحمد علوان، الدكتور أحمد نوفل، الدكتور طالب الصريع، حسن أبو نعمة، الدكتور صبري أربيحات، الدكتور مصطفى حمارنة، الدكتور طاهر كنعان، جمانة غنيمات، سلامة الدرعاوي. ولقد دار حوار طويل، وهنا سأكتفي بعرض أهم النقاط التي ذكرتها في الحوار:

- إن الأحداث التي شهدتها المنطقة لم تكن مفاجأة بالنسبة لي، المفاجأة تكمن في سرعة تداعيات الأحداث حيث أخذت طابعاً زلزالياً متتابعاً.

- إن الدكتاتوريات قد تضبط الأمور بعض الوقت وقد تبدو صامدة ومتماسكة ، ولكن ليس بإمكانها الصمود أمام مطالب الإنسان في الحرية والعيش الكريم.

- لقد تأسست أغلب الأنظمة العربية على موروث ثقافي غابت عنه الديمقراطية ولقد تم قبول هذا الأمر في ظل ظروف استثنائية، ومع ازدياد معدلات الوعي بالإضافة إلى التطورات التي شهدتها المجتمعات من حولنا بات القبول بما هو قائم أمرا غير مقبول.

"تأسست أغلب الأنظمة العربية على موروث ثقافي غابت عنه الديمقراطية"

- إن الشيخوخة التي زحفت على هذه الأنظمة جعلت عملية المراجعة والتجديد أمراً عصياً بالنسبة لها، واستمرت في انتهاج سياسة القبضة الحديدية وحاول بعضها أن يتجمل ديمقراطياً عن طريق(أحزاب هشة، انتخابات معروفة النتائج سلفاً، مساحات حرية إعلامية مدارة أو تحت السيطرة).

- إن غياب العدل الاجتماعي شكل حالة من الغبن في ظل استشراء الفساد، كما أن التلازمية بين السلطة والمال أحكمت قبضتها على عنق المواطن، فزادت مجموعات الرفض وانتشرت بؤر التطرف وغدت هذه المجتمعات براكين تغلي تنتظر لحظة الانفجار.

- البوعزيزي أعطى إشارة البدء، ولكنه لم يصنع الحدث، لقد صنعته تلك الجماهير التي خرجت بعفوية وتلقائية، وهنا أود أن أوضح أن ما حدث في البداية كان ثورة حقيقية متوقعة، كل عناصرها جاهزة تنتظر لحظة التفجير، وهي بذلك تنأى، في تقديري، عن نظرية المؤامرة التي يطرحها البعض.

- علينا أن نفرق بين مسارين، مسار الثورة الذي قادته الجموع، ومسار استراتيجية الأطراف الأجنبية في المنطقة، أرجو أن لا يتم الخلط حتى لا يتم تشويه هذا العمل، حيث أن الأنظمة التي سقطت بفعل هذه الثورات ترتبط بعلاقات وطيدة مع الغرب.

- لقد توحد الناس في لحظة معينة وتوجهوا نحو إسقاط الأنظمة وكان لهم ذلك واعتقدوا أن نهاية هذه الأنظمة هي نهاية لكل المآسي، لقد امتلكوا زمام المبادرة لحسم المعركة الأولى وهي معركة إسقاط النظام، أما المعركة الثانية وهي تحقيق أهداف الثورة وبناء الدولة فهي معركة لها طبيعة مختلفة حيث أن الأدوات التي استخدمت في عملية الإسقاط قد لا تكون لها حاجة في عملية إعادة البناء، كما أن غياب المشروع الوطني الواضح المتفق عليه قد فتح الباب أمام تطورات أخرى، إن غياب الحل النابع قد فتح الباب على مصرعيه أمام مشاريع الحلول الوافدة.

- لقد تسلل الطرف الأجنبي الجاهز دائماً باستراتيجياته، وجاء مهرولاً إلى المنطقة رافعاً شعاراته الديمقراطية متنكراً لحلفاء الأمس ومتناسيا إياهم، وتابعنا وجوداً أمنياً أجنبياً مكثفاً في المنطقة ، وحراكاً سياسياً مضمراً ومعلناً، وحضوراً إعلامياً مكثفاً لشخصيات وافدة. لقد بدأ المشهد ملتبساً في لحظة ظهور برنارد ليفي) ، لقد تم خلط الأوراق ونتج عن ذلك الدخول في حالة من الفوضى حيث تزعزع الاستقرار بفعل ظهور المجموعات المسلحة ، وتم تغذية نشاط المجموعات العرقية والدينية والطائفية.

"البوعزيزي أعطى إشارة البدء، ولكنه لم يصنع الحدث"

- علينا أن ندرك أنه لم يعد هناك حصانة للأنظمة، حيث سقطت نظرية الأمن التقليدي التي ترتكز على الحماية الأمنية وعلى الاستقواء بالخارج في مواجهة الداخل، إن الأمن الحقيقي يكمن في تعزيز الوحدة الوطنية وتلبية المطالب الوطنية المشروعة المتمثلة في حق الناس في عيش حر كريم.

- عند قراءة الخارطة السياسية للمنطقة التي نعيش فيها نجد أن القوى الرئيسية الفاعلة والمؤثرة هي(إيران، تركيا، إسرائيل) أما العرب، رغم وجودهم داخل المنطقة، فهم خارج دائرة الفعل ، وهنا ينبغي أن نتوقف عند(إسرائيل) هذا المشروع المسكون تاريخياً بهاجس الخوف، والذي يعطي أولوية قصوى لأمنه، ومن أهم العناصر التي كان يرتكز عليها الأمن الإسرائيلي الآتي:

تفوق نوعي في مجال السلاح التقليدي، امتلاك السلاح النووي، محيط عربي يرفض وجود(إسرائيل)، تعاطف غربي يكاد يكون مطلقاً مع المشروع الصهيوني، ولكن يبدو أن هذه العناصر بدأت تتراجع، فالمواجهة بين(إسرائيل) و(حزب الله) أفقدت(إسرائيل) إمكانية التفوق في مجال السلاح التقليدي وبدأت(إسرائيل) مكشوفة تماماً أمام صواريخ حزب الله، وامتلاك باكستان القنبلة النووية والمشروع النووي الإيراني وتعذر استخدام السلاح النووي الإسرائيلي قد يجعل من قنابل(إسرائيل) النووية مخزوناً غير قابل للاستخدام، ودخول الفلسطينيين في مفاوضات مباشرة مع(إسرائيل) وطرح العرب من خلال الجامعة العربية للمبادرة العربية، وبغض النظر عن الآراء التي تعارض ذلك، إلا أن هذا قد سبب إرباكاً بالنسبة(لإسرائيل) التي كانت ترى في العداء العربي المحيط بها طوقاً وحصناً أمنياً لها يحفظ وحدتها الداخلية ويكسبها دعماً دولياً، نتيجة لذلك بدأ التعاطف الغربي مع(إسرائيل) يتراجع لمصلحة الفلسطينيين، ولم يعد هناك الكثير من الغربيين الذين قد يذرفون دموعهم على(الهولوكوست اليهودي)، وأمام هذا التحول خضعت نظرية الأمن الإسرائيلي للمراجعة وبدأنا نرى طريقة تفكير مختلفة ومساراً مغايراً، ويمكننا أن نرصد استهداف عواصم الفعل والتأثير في التاريخ العربي، وهي نفسها مناطق التراكم الحضاري(القاهرة، بغداد، الشام). لقد بدأ الأمر مبكراً مع القاهرة حيث أن الحقيقة الثابتة أن القاهرة هي بيت العرب وعربياً يمكن القول أن كل أمر يبتديء بمصر وينتهي بمصر، ولقد أدرك(كيسنجر) مبكراً هذه الحقيقة وكان له ما أراد بخروج مصر من المعادلة العربية عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

- استدرجت العراق إلى مواجهة مع إيران، ولأن الهدف هو بغداد فكان الاستدراج الثاني إلى الكويت وتبقى الكلمات الغامضة التي تمتمت بها السفيرة الأمريكية(جالاس بي) في بغداد هي كلمة السر لفتح أبواب المنطقة أمام حالة من الفوضى التي سميت أمريكياً في مرحلة ما بأنها(فوضى خلاقة)، ولتأتي النقلة الأخرى إلى بغداد عبر مشروع(بريمير) لنجد بلاد الرافدين ومن خلال تفاهمات أمريكية- إيرانية أمام خارطة جديدة للعراق، جنوبٌ للشيعة وشمالٌ للأكراد ووسطٌ للسنّة ومربعٌ أخضر لمن يحكم هذه الأوصال المقطعة، ولتشتعل الحرب الطائفية في العراق ولتجد من يغذيها وقد لا تجد من هو قادر على إخمادها، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هذا لا يعني القبول بما كان قائماً في العراق خلال فترة حكم صدام حسين، فالاحتياج للديمقراطية وتوسيع دائرة المشاركة والتنمية هي مطالب مشروعة للمواطن العراقي الذي دُفع به في مواجهات وحروب لا مبرر لها، ولكن هنا تأتي مهارة اللاعب الأجنبي القادر على تهيئة الظروف والتقاط اللحظة المناسبة لتنفيذ استراتيجياته.

"(إسرائيل) الآمنة يتطلب أمنها أن يكون ما حولها ضعيفاً مفككاً فقيراً متصارعاً"

وجاء الدور على عاصمة(بني أُمية ) ورغم الدور الذي لعبه النظام السوري في خلق حالـة استقـرار في المنطقـة والذي أوجد ارتياحاً وترحيباً دولياً واستمر منذ حرب أكتوبر 1973 إلى الآن؟ ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى إعادة ترتيب المنطقة ورسم خرائطها بطريقة مختلفة، علينا أن نفهم جيداً كيف يفكر الآخر حيث ليس هناك نظام مهم أو حاكم على قدر عال من الأهمية بالنسبة له، لديه مصالحه التي ينبغي أن يعمل من أجل تحقيقها مع من؟ وبمن؟ لا يهمه كثيراً، ومن لا يدرك هذه الحقيقة عليه أن يستيقظ ويتنبه، وأخص بالذكر هنا الأطراف العربية التي اعتقدت أنها بمنأى عن هذا الطوفان أو تلك التي دخلت في هذه الصراعات بمقتضى حسابات ضيقة قد تستند على صراعات عربية قبلية.

- هكذا أصبح الحال بالنسبة لعواصم الفعل والتأثير في التاريخ العربي(القاهرة، بغداد، دمشق) أخشى أن الدور قد يكون آتيا إلى عواصم المال، لا أعتقد بأنها ستترك لأن(إسرائيل) الآمنة يتطلب أمنها أن يكون ما حولها ضعيفاً مفككاً فقيراً متصارعاً، هذه الوضعية تعطيها نفساً طويلاً للعيش بأمان وسنلاحظ تراجع ميزانيات التسليح والأمن الإسرائيلي خلال الفترة القادمة.

- تركيا(تركيا أردوغان) لها حساباتها وهي تستدعي الإرث التاريخي للدولة العثمانية. وكيف لا ونحن أمام(الوضع العربي المريض) وهذا يفتح الشهية أمام أن يلعب الأتراك دوراً مهماً في هذه المنطقة، والحال كذلك بالنسبة لإيران بمشروعها المركب( قومياً، مذهبياً، سياسياً) والتي غدت من خلال نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واقترابها من الطوائف الشيعية في البحرين واليمن والسعودية أمرا يحسب له حساب.

- بناءاً على ما تقدم ينبغي أن نعيد قراءة ما حدث قراءةً صحيحة ومن خلال منظور المصلحة العربية، حيث أن الحاجة ملحة لإنتاج نظام عربي جديد يلبي الاحتياجات المشروعة للمواطن العربي من جهة ويحفظ أمن واستقلال الوطن العربي من جهة أخرى، وأن يتم التنبه لخطورة البرامج الأجنبية المتسللة تحت عناوين مختلفة، وأن يكون لدينا استراتيجية أمن قومي عربي شاملة.