Atwasat

إلى قبيلتي القذاذفة وأولاد سليمان: كلام لا بد أن يقال

البيضاء - بوابة الوسط: يزيد الحبل الأحد 26 يوليو 2015, 09:40 صباحا
البيضاء - بوابة الوسط: يزيد الحبل

هذه الأيام، وفي جنوب البلاد، يدور قتال عنيف بين جماعات قبلية مسلحة متناحرة، هم في معظمهم ليسوا من الليبيين، إنما مهاجرون غير شرعيين، وفدوا للبلاد من بلدان مجاورة، كتشاد والنيجر والسودان ومالي، ولأسباب عِدة، فمنهم من قدم هارباً من أتون صراعات مشابهة في بلدانهم، ومنهم من أتى بحثاً عن عمل ولقمة عيش شريفة، ومنهم من جذبته فوضى ليبيا وسهولة الحصول علي المغانم سواء بالسطو أو بالتهريب أو غيرها من النشاطات غير المشروعة، يحدث كل هذا في غياب كامل للدولة الليبية العاجزة والمنقسمة بين حكومتين إحداهما في شرق البلاد و أخرى في غربها.

لكن ما هو دور سكان الجنوب من الليبيين؟ ولماذا لا يحرك معظمهم ساكناً لدرء الخطر عن بلادهم والدفاع عن ممتلكاتهم وأرواحهم، بل تجد معظمهم يكتفون بالصمت، أو ببعض المناشدات الخجولة للحكومة التي لا تأبه لهم، ولا تفعل شيئا أكثر من نشر بعض البيانات المكتوبة وبدون حتى الاكتراث بتوقيعها أو كتابة اسم المسؤول عنها.

"المشكلة الأكبر... هي الصراعات القبلية المسلحة بين أبناء الجنوب أنفسهم"

وهذا الوضع بالتأكيد له أسبابه، وبمعرفتنا للأسباب وتسليطنا الضوء عليها، ودراستها وفهمها، سنتمكن من إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة، وهي مشكلة السلبية واللامبالاة التي هي نتاج وعامل أساسي، في نفس الوقت، في المشكلة الأكبر، ألا وهي الصراعات القبلية المسلحة بين أبناء الجنوب أنفسهم، والتي يقوم أهل الخير، قدر جهدهم، بتهدئتها، وذلك بإرسال وفود المصالحة القبلية والجهوية، والتي لا تحل المشكلة من أساسها، بل إنها فقط تقوم بتسكينها وتؤخر اشتعالها لبعض الوقت، لتعود أقوى وأشد خطراً من ذي قبل.

تعود جذور مشكلة الجنوب إلى أسباب تاريخية، بدأت منتصف القرن الماضي، وبالتحديد بعد إعلان استقلال الدولة الليبية سنة 1951، حيث عاد معظم الليبيين المهاجرين إلى بلادهم التي غادروها غصباً عنهم، بسبب جبروت وطغيان الاستعمار الإيطالي البغيض، وقد حدث ذلك في كافة ربوع ليبيا وليس الجنوب وحده، ولكن الجنوب كانت له خصوصية تميزه عن غيره.

كانت سبها في ذلك الوقت مجرد ثلاث واحات صغيرة تباعد بينها كيلومترات قليلة، هي الجديد والقرضه وحجاره، والتي هي أحياء سكنية في سبها اليوم.

تركز معظم العائدين من المهجر، وهم ليبيون أصليون ما في ذلك شك، في منطقة المنشية، الواقعة بين منطقتي الجديد والقرضه، التي سميت في ذلك الوقت البناية الحمراء، وكانوا في معظمهم من قبائل أولاد سليمان والقذاذفة وقبائل أخرى كانت حليفتهم ورفيقتهم في رحلتي الهجرة إلى تشاد ومصر والعودة منهما.

هاتان القبيلتان بالذات، تربطهما علاقات وتحالفات قديمة جداً تعود لمئات السنين، و قد اختلطت دماؤهم سواء بالتجاور والمصاهرة أو في ميادين الشرف ضد الاستعمار الإيطالي البغيض، وقد كانوا ينعتون بعضهم ومن حالفهم من قبائل وسط ليبيا باسم الصف الفوقي أو أمة محمد، دليلا على كثرتهم و قوتهم و تمسكهم بدينهم الإسلامي الحنيف.

كانت زعامة هذا التحالف تعود لأفراد عائلة من قبيلة أولاد سليمان وهي عائلة سيف النصر، الذين حازوا علي ذلك ليس فقط بسبب شجاعتهم أو كثرة عدد أفراد قبيلتهم، وإنما أيضاً بسبب حكمتهم ورويتهم ومعرفتهم بطبائع الناس، وحسن إدارتهم لأمورهم.

وقد استمر ذلك حتى تغير الأوضاع في البلاد بعد تولي العقيد معمر القذافي سدة الحكم، في الأول من سبتمبر سنة 1969، حيث ازدادت تبعاً لذلك قوة قبيلة القذاذفه بحُكم قربها من سدة الحكم.

و مع مرور الزمن تغيرت خريطة التحالفات في المنطقة بصفة عامة ودخلت في مرحلة جديدة وهي الولاء للدولة و لزعيم البلاد الجديد ولم تعد كما كانت من ذي قبل حكراً على القبيلتين المذكورتينومن حالفهم، فخلال ما يزيد عن أربعين سنة تغيرت الخارطة السكانية للمنطقة بالكامل، فمن ناحية لم يعد التحالف القديم قوياً كما كان، بسبب التغيرات السكانية والاقتصادية، ولم تعد مكوناته هي الغالبة في المنطقة،(وإن استمر لهم دورهم المؤثر فيها). ومن ناحية أخرى سعى زعيم البلاد لتثبيت حكمه وذلك بتوسيع قاعدة المشاركة فيه بإشراك كل من آمن بمبادئه وناصره مهما كانت قبيلته أوعرقه أوأصله ، مع ترك مسافة واسعة تفصل بينه وبين الجميع، وهذا ما ساعد في استمرار حكمه لعشرات السنين.

    "سعى من تزعم المشهد من الجيل الجديد من القبيلتين إلى محاولة العودة بالزمن إلى الوراء"

مع سقوط نظام الحكم في ليبيا سنة 2011 ، سعى من تزعم المشهد من الجيل الجديد من القبيلتين إلى محاولة العودة بالزمن إلى الوراء وتولي زمام الأمور بالقوة، وقد لقي هذا الأمر معارضة عامة من أهلهم وبالذات من العقلاء المدركين لخطورة الأمر، فحدثت المناوشات وكثرت الاتهامات، وحمل كل طرف السلاح و تقاتلوا، وسالت الدماء بين أخوة الامس وأبناء الصف الواحد، وانشق الصف، واختلطت الأمور وأصبح الحال علي مانراه عليه اليوم، فهذا متألم مما حدث له ويرى أن الآخر قد غدر به، وهذا متمسك برأيه يرى أنه أحق بالزعامة كما كانت عنده من ذي قبل، هذا متفرج و شامت، والآخر بعد أن خسر حليفه القديم، أصبح يتلقى الصفعات، الواحدة تلو الأخرى و يحاول عبثاً صنع تحالفات جديدة مع آخرين تتسم في غالبها بطابع الضعف والهشاشة، وانعكس ذلك الأمر على سكان الجنوب بصفة عامة، إذ إن لكل من القبيلتين أحلافهما وأعداؤهما، اّلذين أصبحوا طرفاً في هذه العداوة بشكل أو بآخر، ونتج عن ذلك انقسام المجتمع، ليس في مدينة سبها فقط، بل في كل الجنوب بصفة عامة، وكثرت السلبية واللامبالاة وسط الناس، و أصبحت الأمور تزداد سوءاً يوم بعد يوم، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه.

    "مهما حدثت من محاولات للتصالح... في جنوب ليبيا، فهي مجرد مسكنات، وحلول وقتية"

مهما حدثت من محاولات للتصالح هنا وهناك في جنوب ليبيا، فهي مجرد مسكنات، وحلول وقتية لن يطول عمرها، فمالم يتم حدوث مصالحة حقيقية ورأب للصدع بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة ، يُرد فيه الاعتبار لمن أُهين، وتجبر فيه الخواطر، ويعترف المخطيء بخطئه، ويتم التعويض العادل لمن تضرر من الطرفين، فإن الأمور لن تستقيم، ولن تقوم لا لهما ولا للجنوب برمته قائمة.

ليس هناك خيار آخر لهما سوى التصالح، مهما حاول الطرفان التملص من ذلك ، وإن الجنوب كما ليبيا، يسع الجميع، وعلى شيوخ وعقلاء وأبناء هاتين القبيلتين العريقتين، أن يعلموا أن الاوضاع قد تغيرت وأن الزمن قد تبدَّل، فلا عودة للوراء، لا لزمن الولاة والولايات ولا لزمن الجماهير وعصرها وقائدها، وإنه لابد من تصالحهما، ووجب عليهما أن تقدما التنازلات لبعضهما، وهي بالتأكيد ستكون مؤلمة، وأن تتحملا ما خسرتاه، قبل أن تخسرا كل شيء، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة، فإن لم تفعلا لن يطول الأمر حتى تحكمهما معا إما الجموع الغازية من المهاجرين غير الشرعيين، أو التنظيمات الإرهابية المسلحة، وحين ذاك سوف لن يجدي تصالحهما من عدمه نفعاً، لأنهما ستكونان وسكان الجنوب الليبيين جميعاً في خبر كان.

أما عن الحكومتين( الإنقاذ و المؤقتة) اللتين لا تساهمان في حل المشكلة بقدر ما تساهمان في زيادتها، فعليهما على الأقل التوقف عن فعل الدسائس، وتوتير الأجواء ومحاولة تغليب أي من أطراف نزاعات الجنوب بصفة عامة على الآخر، فإن ذلك لن يجدي نفعاً، وأن الجميع في النهاية خاسرون.