Atwasat

درنة: بين تجاهل متعمد وإقصاء متكرر

مروان الطشاني الأحد 12 يوليو 2015, 04:14 مساء
مروان الطشاني

يبدو أن من قدر مدينة درنة أن تترك دائمًا لنوائب الدهر. فتارة يهملها نظام استبدادي ويهمشها، وتارة أخرى تقع فريسة للغلو والتطرف الديني وتسيطر عليها جماعات إرهابية تنتشلها من محيطها وبيئتها، وها هي درنة تقع مرة أخرى فريسة للإهمال والإقصاء، لكنه هذه المرة من سلطة منتخبة.

تبدأ القصة من انتخابات مجلس النواب حيث لم يكتب لها النجاح في مدينة درنة نظرًا للاعتداء على مراكز الاقتراع في المدينة. وطبعًا مدينة درنة كانت دائرة انتخابية واحدة من ضمن الدائرة الأولى وهي الدائرة الفرعية درنة وتمتد من رأس الهلال إلى ما بعد التميمي وتضم 17 مركزًا انتخابيًا في درنة المركز ومجموعة مراكز انتخابية في الضواحي هي أم الرزم وكرسة ومرتوبة والبمبة وغيرها، وخصص القانون رقم 10 لسنة 2014 لمدينة درنة إجمالاً ثلاثة مقاعد للتنافس على العام ومقعدًا واحدًا للتنافس الخاص، ولها 9 مرشحين للعام ومرشحة واحدة للخاص.

ومثلما لم تمثل درنة في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور استمرت درنة غائبة وليس لها من يمثلها في البرلمان.

ومثلما لم تمثل درنة في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور استمرت درنة غائبة وليس لها من يمثلها في البرلمان وعجزت المفوضية العليا للانتخابات عن إعادة الانتخابات في المدينة رغم أنها تمكنت من إعادتها في مراكز أخرى تعرضت للاعتداءات مثل أوباري والكفرة.

حاول مجلس النواب التدخل وأصدر القانون رقم 1 لسنة 2014م بتعديل القانون رقم 10لسنة 2014م بشأن انتخابات مجلس النواب والذي يقضي بفصل دائرة درنة إلى جزئين: درنة المدينة يترشح منها اثنان أحدهما على المقعد العام والثاني على المقعد الخاص وهي المراكز الانتخابية داخل المدينة وهي البلاد والجبيلة والفنار وبومنصور والساحل الشرقي وهي المراكز الأكثر عددًا والأكثف سكانًا، ودرنة الضواحي وهي كرسة ومرتوبة والأثرون وأم الرزم والتميمي وبشارة البمبة، ويعد هذا الحل التلفيقي مقبولاً نسبيًا لأنه في النهاية يضمن تمثيل المدينة.

لكن سمعنا أن هناك تعديلاً آخر تبناه بعض أعضاء مجلس النواب والذين يبدو أنهم استكثروا على درنة التمثيل والمشاركة في الانتخابات حيث انتشر خبر صدور تعديل جديد بجعل المراكز الانتخابية للضواحي التي تمت فيها الانتخابات هي التي يتم فيها احتساب الأصوات التي تحصل عليها المترشح سواء كان من مراكز درنة المدينة أو من المراكز الانتخابية للضواحي في إقصاء غير مبرر للناخبين من مدينة درنة وهم الذين يضمون أكبر عدد في سجل الناخبين فحرموا من المشاركة الانتخابية.

وكما أن هذه الطريقة تخلق مشكلة أخرى أن المترشح من مراكز المدينة مركزه وشعبيته داخل المدينة وفي الغالب غير معروف في مراكز الضواحي التي يغلب عليها الطابع القبلي، فستكون الأصوات الانتخابية التي يتحصل عليها في الضواحي قليلة جدًا مقارنة بالكثافة الانتخابية الكبيرة التي خسرها في المدينة وستكون فرصة المرشح من مراكز الضواحي أعلى بكثير، لأنه من ذات المنطقة التي يتم حساب الأصوات فيها، كما أنه من الممكن أن يكون المترشح الفائز قد حظي بأصوات قليلة لكنها، بهذه الطريقة، كافية لإدخاله للبرلمان.

يتم الالتفاف على تمثيل درنة في البرلمان وستكون درنة فعليا قد حرمت مرتين من التمثيل في الهيئات المنتخبة.

وبهذه الطريقة يتم الالتفاف على تمثيل درنة في البرلمان وستكون درنة فعليًا قد حرمت مرتين من التمثيل في الهيئات المنتخبة الأولى بيد الإرهاب وتنظيم الدولة والثانية من مجلس النواب وعجز المفوضية عن إجراء الانتخابات.

كما أن اعتماد نتيجة الانتخابات السابقة في مراكز الانتخابات في ضواحي درنة وتجاوز انتخابات المراكز داخل المدينة يعد إجراء ناقصًا وغير مثالي، فلا يسمح بقيام عملية انتخابية متكاملة؛ خاصة وأن مركز المدينة هي التي تضم أكبر عدد من الناخبين، وأعتقد أنه من الأجدى تأجيل تمثيل درنة في البرلمان لحين تشكيل حكومة الوفاق أو على الأقل حتى يتوفر المناخ المناسب لإجراء هذه الانتخابات وعودة أجهزة الدولة السيادية، وهي من مسؤولية مجلس النواب وحكومته المؤقتة، وإلا فعلى مجلس النواب إعلان أن درنة خارج سيطرته وعدم فرض ممثلين لها في مجلس النواب بطريقة معيبة.

يجب على الساسة وصناع القرار أن يتعاملوا مع ملف درنة وتمثيلها بروية وحكمة واتزان.

وفي النهاية أرى أنه يجب على الساسة وصناع القرار أن يتعاملوا مع ملف درنة وتمثيلها بروية وحكمة واتزان وأن لا يأخذ الموضوع بتعجل وسطحية. فهذه مسألة بالغة الحساسية. لذلك: تمهلوا يا قوم مع درنة ولا تخلقوا آلية لتمثيلها هي في الحقيقة تغييب لأهلها ولمرشحيهم. فتريثوا وتمهلوا ولا تقصوها، فهي حاضرة برقة ومركز ثقافتها.. مدينة متنوعة زاهرة تضم نخبًا وكفاءات وطنية نحن في أمس الحاجة إليها. خاطبوا أهلها وأعيانها ومشايخها وشبابها ومجلسها المحلي وناقشوهم واستعموا لآرائهم، ولا تتعاملوا مع المدينة بمنطق الوصاية والانتداب.