Atwasat

الكرسي المتحرك والمسودة الرابعة

أوسمان بن ساسي الأحد 14 يونيو 2015, 09:21 صباحا
أوسمان بن ساسي

المُـسوَّدة الرابعة ليست مثالية كما وُصفت ولم تكن الأنموذج الأفضل، ولكنها قاربت على صنع أرضية مشتركة، ولأنَّ المفاوضات تتطلب تنازل الأطراف للوصول إلى اتفاق وَجَبَ تعديلُ بعض النقاط المفخَّخة لصنع توافق قوي غير إجباري يعبر بالبلاد من المرحلة الانتقالية إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

كما أنَّ رفض المُـسوَّدة بالمطلق وتهييج الناس وتحريضهم على الخروج للساحات وتخوين كل مَن قبل بها تعسفٌ وشططٌ لا يخدم الصالح العام، فالعمل على تقنين النقاط المتناقضة وصياغتها بشكل متناغم وإعطاء كل ذي حق حقه حسب وزنه السياسي وفقًا للشرعية التوافقية يحلُّ الخلاف وينقلنا إلى مرحلة تنفيذ الاتفاق بتفاصيله الكثيرة والمعقدة.

ما يجب الإشارة إليه قبل الدخول في تفاصيل شكل «الكونغرس»! (المجلس الأعلى للدولة) هو إرجاع المؤتمر الوطني العام إلى التشريع مرة أخرى، وعدم مشاركته في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فحسب، بل إعادته إلى التشريع بشكل غير مباشر.

ذلك أنَّ إنشاء هذا الكونغرس! هو في حقيقته إعادة تشكيل الجهة التشريعية في صيغة برلمان بغرفتين على الطريقة الأميركية، أي مجلس شيوخ ومجلس نواب، وبدا ذلك جليًّا في النقطة الخامسة من المادة الأولى التي اشترطت ثلثي أعضاء مجلس النواب لسحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني ولا تكون نافذة إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الدولة، أي أنَّ المؤتمر سيمارس السلطة التشريعية تحت مسمى آخر.

هنا نفَّذ المبعوث الأممي برناردينو ليون مبدأ تقاسم السلطة وتعامل مع المعطيات المتاحة أمامه

وبالرغم من النصِّ على أنَّ «المجلس الأعلى للدولة» سيكون استشاريًّا، كما جاء في النقطة الأولى من المادة 19 بالمُـسوَّدة، فإنَّه عاد وأشار في النقطة التي تليها مباشرة إلى أنَّ رأيه ملزمٌ في القرارات التشريعية مما يعني أنَّه ليس مجرد جسم يعطي الفتاوى القانونية.

هنا نفَّـذ المبعوث الأممي، برناردينو ليون، مبدأ تقاسم السلطة وتعامل مع المعطيات المتاحة أمامه، بعد أنْ عجز السياسيون الليبيون عن حلِّ الأزمة وساهموا في تدمير بلادهم وسط دوامة الصراع على السلطة، وهذا مفهوم، ولكن بناء على ماذا يعطي المؤتمر الوطني العام 90 كرسيًّا في مجلس الدولة مقابل 30 لباقي الشعب، هل هذه النسبة تعد تتويجًا له على مساهمته في قتل شباب ليبيا وإدخالهم معركة وهمية ليعود إلى السلطة؟ أم لإفساده الحياة السياسية وقيادته تدمير مطار طرابلس الدولي وحرق الخزانات وتفتيت النسيج الاجتماعي في ليبيا؟!

أعتقد أنَّ الأمر مبالَغٌ فيه ويشبه منح إنسانًا ميتًا كرسيًّا متحرِّكًا!

يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار الوزن المستحق للمؤتمر ونحسن الظن فيه على أنَّه لم يشارك في المفاوضات كي يجني ثمرة حربه وسيطرته على الأرض

وحتى نسير إلى التوافق المنشود يجب أنَّ يؤخذ بعين الاعتبار الوزن المستحق للمؤتمر ونحسن الظن فيه على أنَّه لم يشارك في المفاوضات كي يجني ثمرة حربه وسيطرته على الأرض، صحيح أنَّ المؤتمر برلمان سابق لم يقبل بتسليم السلطة عند انتهاء ولايته يوم 7 فبراير العام 2013، ولم يمانع بدفع شباب ليبيا والتغرير بهم، في سبيل تحقيق رغباته وسعيه وراء مفهوم السيطرة على الأرض، ولكن لو سلمنا بهذا المنطق فيجب علينا منح تنظيم «داعش» السلطة على الأراضي التي استولى عليها، ونعود إلى عهد ما قبل موسوليني، أليس كذلك؟.

إذًا يجب أنْ نقلب المعادلة بحيث يُعطى المؤتمر نصيبه من السلطة وفقًا للمعطيات المنطقية، 30 كرسيًّا مقابل 90 لباقي الشعب (شباب ومرأة ومستقلون ومجالس بلدية وممثل واحد لكل حزب)، عملاً بمبدأ توزيع السلطة وإشراك مسارات الحوار الأخرى وعدم الوقوع في فخ التنافس السياسي في ما بعد بين الغرفتين (مؤتمر+ نواب)، على أنْ يعقد المؤتمر الوطني العام جلسة نهائية تعد لغرض اختيار أعضاء مجلس الدولة الثلاثين، ويختفي بدوره إلى الأبد هو وحكومته التعيسة (حكومة الحرب) كونه منتهي الصلاحية من جهة وجاء بقوة السلاح من جهة أخرى، والأهم أنَّ أعضاءه سيكونون ضمن جهاز تشريعي جديد بعد التوافق المنتظر، فمن غير المنطقي استمراره في الانعقاد بشكل آخر وإن كان صوريًّا.

وحتى تمضي العملية التوافقية قدمًا يجب إبداء مرونة كاملة في تعديل ما سلف ذكره، إلى جانب تعديل البنود التي تعطي صلاحيات لأطراف الحوار بعد توقيع الاتفاق والدعوة إلى اجتماعهم في أكثر من مناسبة، على اعتبار أنَّ كافة الأطراف ستكون ممثلة في السلطة، ولم تعد هناك غاية من اجتماع وفود الحوار بعد مساهمتهم في وصول أطراف الأزمة إلى توافق سياسي.

وكي يتمَّ العملُ بالشكل المطلوب فمن المهم جدًّا الإسراع في الترتيبات الأمنية خاصة انسحاب التشكيلات المسلحة من المدن إلى المعسكرات وإعادة دمج عناصرها الراغبين في المؤسسة العسكرية وإيلاء هذه النقطة الأهمية القصوى، بالإضافة إلى التركيز على مصالحة المؤسسة العسكرية في كافة مدن غرب ليبيا بعد تفكيك القوات الموازية التي ترفع راية القبيلة أو المنطقة أو الأيديولوجية، والاتفاق على مبدأ حماية حدود ليبيا ومحاربة الإرهاب، فنجاح الحكومة ومجلس الدولة مرتبطٌ بحرية العمل في العاصمة دون قيود أو تهديد من قبل الميليشيات السياسية مع أهمية النصِّ على قانون واضح يحرم على العسكريين العمل السياسي كما جاء في المُـسوَّدة.