Atwasat

ديمقراطية الإقصاء في «مجلس النواب»

أوسمان بن ساسي الإثنين 18 مايو 2015, 09:48 صباحا
أوسمان بن ساسي

من الممارسات السياسية الخاطئة داخل البرلمانات، صراع المجموعات والكتل لضمان التحكم وبسط النفوذ، نصرة لعقائدها الحزبية، على حساب وظيفتها الأساسية وهي التشريع.

ولكن على خلاف ما يحدث في برلمانات العالم ظهرت مشكلة أكثرُ تعقيدًا في ليبيا عندما انفرد مجلس النواب ذو الخلفية السياسية الأحادية بسن قوانين تسهل مهمة إقصاء الخصم، تحت شعار «الحرب على الإرهاب». مجلس النواب ذو الصوت الواحد، نظرًا لامتناع قرابة 25 نائبًا معارضًا من حضور جلساته، سَنَّ قانونًا سياسيًا فضفاضًا واسعًا لا يفرق بين الأعمال الإرهابية والجنائية.

ففي سبتمبر من العام 2014 صوت أعضاء مجلس النواب على قانون«مكافحة الإرهاب» بأغلبية الأصوات، بعد بيان أصدره المجلس في أغسطس من العام نفسه، يضع قوات عملية«فجر ليبيا» مع تنظيم«أنصار الشريعة» و«مجلس شورى ثوار بنغازي» في سلة واحدة ويصنفها كـ«جماعات إرهابية»!.

وجاء في البيان بكل استسهال أن«الحرب الدائرة في البلاد هي حرب بين الدولة الليبية، يقودها جنود وضباط الجيش ضد جماعات إرهابية خارجة عن القانون والشرعية»، ما يعني عدم التفريق بين تنظيم«أنصار الشريعة» و«مجلس شورى ثوار بنغازي» اللذين يقاتلان لتكون كلمتهما العليا في ليبيا بدون مؤسسات على طريقة تنظيمي«القاعدة» و«داعش»، ومجموعة«فجر ليبيا» التي تضم خليطًا من المقاتلين معظمهم يتفقون على نبذ التطرف، ومنهم من يقاتل عناصر تنظيم«داعش» في سرت.

إذا نظرنا إلى الضابط الذي جرى الاعتماد عليه في توصيف «فجر ليبيا» كجماعة إرهابية بالتأكيد سنجد أنه ينطبق على قوات الزنتان الموالية لمجلس النواب التي هاجمت المؤتمر الوطني العام وخطفت عددًا من أعضائه في العام 2013، لا سيما أنها ما تزال تحتجز حتى الآن عضو المؤتمر سليمان زوبي الذي خطفته العام الماضي.

القانون ينطبق على هذه القوات التي ساندت الانقلاب التلفزيوني الذي ظهر فيه خليفة حفتر يوم 14 فبراير في العام 2013 مطالبًا بتجميد عمل المؤتمر وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد آنذاك، ودعا يؤمئذٍ إلى نقل السلطة للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

وإن كانت هذه الأعمال جاءت قبل انطلاق جلسات مجلس النواب فالإرهاب لا يسقط بالتقادم.

تصنيف قوات «فجر ليبيا» كمجموعة إرهابية لا يتجاوز خانة التنابز بالألقاب، التي يستخدمها مناصرو عملية «الكرامة» ضد مؤيدي عملية «فجر ليبيا» اعتمادًا على هذا القانون المعيب الذي تسبب في مهاجمة مواقع مدنية غرب البلاد من قبل سلاح جو عملية «الكرامة» تحت ذريعة «محاربة الإرهاب» وتسبب بشكل مباشر في إزهاق أرواح مدنيين لا علاقة لهم بالصراع على السلطة.

من المعيب وغير المنطقي يا مجلس النواب أن تعترف وتتفاوض مع من تصفه بالإرهابي!.

وفي حادثة لم يسبق لها أحد وسط أجواء من الجنون أصبح القانون متكأً لمن يريد إلصاق تهمة الإرهاب بإحدى المدن الغربية في ليبيا، على اعتبار أنه يمتلك صكًا برلمانيًا لا يطعن في شرعيته!.

القانون كان أحد أسباب تعميق الخلاف السياسي في البلاد بدل معالجته، والمساهمة في بناء الثقة من جديد بين الأطراف.

ولذلك على مجلس النواب شطب اسم «فجر ليبيا» من قائمة الإرهاب، خصوصًا بعد جلوس الأطراف إلى طاولة الحوار، واعترافه بـ«فجر ليبيا» كشريك يمكن التفاوض معه، على عكس الجماعات الإرهابية التي أجمع الفرقاء على محاربتها.

فلماذا لا يقدم حسن النية ويعدل القانون؟، ذلك أنه من المعيب وغير المنطقي يا مجلس النواب أن تعترف وتتفاوض مع من تصفه بالإرهابي!.

القانون مليء بالقصور وهذا ما دفع منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية إلى مطالبة مجلس النواب بسرعة تعديله، منعًا لاستخدامه كأداة لتقييد حرية التعبير وحقوق التجمع السلمي والحركة.

وذكرت المنظمة في بيان عبر موقعها الإلكتروني الأربعاء الماضي أن القانون يتعارض والتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي واتفاقات حقوق الإنسان.

وركزت على خمسة نقاط تطالب بتعديلها:
أولاً: يحتوي القانون على عقوبات مغلظة تصل إلى السجن مدى الحياة لأعمال لم يحددها القانون بدقة بل جاء تعريفها غامضًا.

ثانيًا: يتضمن القانون تعريفًا فضفاضًا لـ«الأعمال الإرهابية» ما يثير مخاوف من استخدامه لتهديد الحريات الفردية وحرية التظاهر السلمي.

ثالثًا: يسمح القانون بإقرار عقوبة السجن مدى الحياة لإنشاء أو قيادة منظمة إرهابية، وعقوبة السجن عشرة أعوام مع الشغل للانضمام لمنظمة إرهابية، دون الحاجة لأدلة على العنف.

رابعًا: يضم القانون أحكامًا تسمح بمحاكمة أي فرد بموجب قانون الإرهاب عند قيامه بأي جرائم جنائية عادية مثل الجنح.

خامسًا: يسمح القانون للمحاكم بتحديد حرية الحركة للأفراد الذين يحاكمون بموجب قانون الإرهاب وممارسة الحقوق الشرعية في التعبير وغيرها.

وعليه فإن القانون يهدد الوحدة الليبية على المستوى القريب، ولا يخدم المصلحة العامة حاضرًا ومستقبلاً، وإذا لم يجرِ تعديله سيساهم في توسيع الفجوة بين الأطراف، ومن المؤكد سيكون عاملاً في استمرار الاقتتال غرب البلاد، وسيتسبب في إزهاق المزيد من الأرواح التي سيتحمل مشرعو القانون مسؤوليتها.

وعلى الجانب السياسي لن يكون داعمًا للحوار القائم بين الفرقاء في الصخيرات المغربية، لا سيما أن «فجر ليبيا» طرف في المفاوضات.