Atwasat

سياسات قادة ليبيا: من الزواج العرفي إلى الزواج الرسمي

عبد الكافي المغربي الأحد 03 مايو 2015, 09:24 صباحا
عبد الكافي المغربي

تزامناً مع هذه الفترة الأكثر عصفاً بالأحداث. حوار الصخيرات ودعوات اجتماع الجزائر وملتقيات المرأة الحوارية بكل من الجمهورية التونسية والمملكة الأردنية الهاشمية، وإعادة الفريق ركن حفتر للخدمة العسكرية وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة الليبية وطاقمه الإعلامي معه، وعدم لواح نهاية لمعارك بنغازي، وطموحات وأطماع الجماعات المتشددة التي باتت تستهدف، وبكل إصرار، الأمن والسلم الوطنيين للبلد.

زئبقية وجهات النظر واحتمال تصريحات البعض لعدة تفسيرات متباينة، وتساهلنا في استخدام المصطلحات والمفاهيم على المنابر الإعلامية(حين تكون للكلمة حدها)، انسجام أعضاء رئيسيين في المجلس النيابي مع تطلعات الجماعات المتسببة في ورود الوطن إلى هذه المهالك. إزاء هذا كله لا بد من التعبير عن طريق القلم استجابة لشجون الوطن وآهاته. فالتجاذبات السياسية والعلاقات المشبوهة، والحوارات السرية بالخارج، جميعها تنبِئُ بإمكانية حدوث تغيير للأسوأ مستقبلاً.

ولكن بعد فترة من"الزواج العرفي" بين فكرتين متضادتين ممثلتين في التيار اللبرالي وحلفائه الفدراليين، من جانب، وتحالف جماعات الإسلام السياسي المختلفة( إخوان، مقاتلة...) ومستقلين قبليين وجهويين، من جانب آخر، دامت أربع سنوات، يبدو للمراقبين والمطلعين عياناً أن هذا الزواج قد يأخذ صفة رسمية في ملتقى الجزائر وحوار الصخيرات. الصخيرات التي قامت فيها محاولة انقلاب دموية في بداية السبعينيات قتل فيها سفير مملكة بلجيكا وأخفقت في اغتيال الملك الحسن. هناك في أقصى غرب المنطقة العربية(الوطن العربي سابقاً) بإشراف المخابرات المغربية، وحكومة المملكة يترأسها المتأسلمون، ويلعب حزب جماعة العدل والإحسان"العدالة والتنمية الحاكم" دوراً بارزاً في بلورة السياسة الخارجية المغربية كونه الحزب الأكبر والأكثر نفوذاً في البلد.

بالمغرب يعقد حوار بين سلطة تشريعية شرعية وعصبة خذلها صندوق الانتخابات في كل الاستحقاقات فلجأت إلى السلاح ودعم موقفها مساندون دوليون مشبوهون، في حين لا تجد السلطات الشرعية مسانداً دولياً صادقاً ما يقدح في النفس ويؤذي اللسان ترديده. وبغض النظر عما تكشف في الإعلام عن الجلسات الخارجية لهؤلاء وسير تلك الجلسات وما تمخض عنها والتداول المطول لمقترحات كل من الطرفين التي كانت أكثرهاً تجرؤاً وتنفجاً من نصيب الطرف الخاسر شرعيته، وتصافح ممثلي الطرفين الذي وصل إلى العناق، فإن ما يهم أن ثمة ما يشي بأن زواجاً سياسياً بين الطائفتين قد لاحت بوادره، وأن طرابلس التي تمنعت عن الجيش والسلطة الشرعية سوف لن تعود كعاصمة حكم للأقلية الأوتوقراطية إلا بعد التصديق على اتفاقية تشكيل حكومة جديدة تكون حكومة الفرصة الأخيرة لقانصيها المحظوظين كالعادة.

إن مخاوف الوطنيين من ساسة وإعلاميين وكتاب وناشطين، تلوج حول تواطؤ بعض أعضاء المجلس النيابي مع الدول المغذية للتشدد، أحد أوجه الفساد وعواقبه

إن مخاوف الوطنيين من ساسة وإعلاميين وكتاب وناشطين، تلوج حول تواطؤ بعض أعضاء المجلس النيابي مع الدول المغذية للتشدد، أحد أوجه الفساد وعواقبه، وهي في الواقع حقيقية ورهيبة في حال صدقت بعض تلك التوقعات. إن إضعاف موقف المجلس النيابي"القوي في حال اتخاذه للقرارات الراشدة"وإقصاء الأقلية الوطنية الصادقة فيه وإمكانية استحلاء الغالبية للسياسات التنكيلية التي تمثل القمة التي يرمي إليها الإنسان الانتهازي، سينسف كل القرارات الجريئة التي اتخذتها السلطات البرلمانية الشرعية بعد مشاورات مطولة. هذه القرارات وعلى رأسها هيكلة الجيش وإسناد ذلك إلى قائده العام الفريق ركن خليفة حفتر ستذهب أدراج الرياح في أفضل الأحوال، بتشكيل حكومة رضي عنها المتأسلمون وحلفاؤهم. وهذا ما سوف يدفع البلد إلى موقع خطير بما أن الجماعات الراديكالية قد كشرت عن أنيابها في ليبيا وأسست لمراكز قوى نشطة وللأسف لن يَبَر القائد حفتر عندها بقسمه بين يدي رئيس المجلس النيابي، وسيضطر إلى صيام ثلاثة أيام. وأما معارك بنغازي، ودرنة التي وكل بها سليمان محمود أخيراً، ستستمر لسنوات طوال.

وسيصيم الشعب الليبي كل الدهر داخل ليبيا أو في صحارى التشرد بالخارج.

وحدث، ولكن لا تثرثر عن ملتقى الجزائر، من نظم له بالتحديد؟ وكيف تم اختيار الشخصيات المدعوة وعلى أي أساس؟ هل هو ذلك التنافس المعهود نسبة إلى التباعد المعروف بين الجزائر والمغرب منذ نهاية حرب الرمال؟ أم أنه يهدف إلى تحقيق بعض المكاسب التي لا يمكن الوصول إليها في حوار الصخيرات؟. أم أنه إدراك جزائري لحرج حالة الجارة واحتمال أن يعود ذلك على الدولة الجزائرية القوية بالضرر؟ ما الذي جرى في ملتقيات المرأة بتونس والأردن؟ لماذا انتصفت النساء الليبيات من بعضهن في كلا البلدين؟ لماذا اعتمد كل من هذين البلدين رؤيته الخاصة في قبول المدعوين والحضور؟ ما شأنهما بالليبراليات أو المتأسلمات أو الشيوعيات إذا كنا سيلتقين وسيناقشن ما بدا لهن وبكل الطرق بما في ذلك العراك؟ هل للمجتمع المدني الليبي، ومنظمات المرأة بالخصوص، هذه السطوة والوطأة، للمشاركة في هذا الزخم وإفحامنا وإسكاتنا بالشعارات الوطنية الحماسية، لتحديد سياسات ليبيا في المرحلة القادمة؟ أنا نفسي أبحث عن إجابة لهذه الأسئلة المحيرة.

وأما العمليات العسكرية، فما كنت أتخوف منه، وأراه قد بدأ يشكل هاجساً حقيقياً محتملاً، كون القيادة العسكرية تتجول بين قصر ملكي ورئاسي، دون تحقيق مكاسب على الأرض، وهذه العملية العسكرية في بنغازي ضد عدو خطير قد طالت والشعب وحده من يعاني ويلات التقتيل والنزوح دون انتباهة من هؤلاء في جولاتهم الجوية للحصول على دعم إغاثي سريع. فهل حوارات الساسة الليبيين هي كتلك التي جرت بين المتخاصمين السوريين؟ القوات العسكرية من كل الأطراف تحقق تقدماً على الأرض والساسة لا يفضون إلى توافق مشترك ولو في بعض المسلمات.

أرى أنه قد حان الوقت لإحجام الجميع بمن فيهم العسكريون، عن أساليب السفسطة التي تثير الامتعاض والتبرم، وذلك بمساءلة القيادة العسكرية، رئاسة الأركان والقيادة العامة، حول النتائج التي تحققت، والمكاسب التي أحرزت في معركة بنغازي التي خرجوا علينا من بدايتها يبشرون بنهايتها في ساعات وتكرر ذلك مراراً وأطواراً إلى أن توقفوا عن آداء تلك النافلة بعد اكتشافهم متأخراً، أن نهاية تلبيسهم قد أزفت. لا مجال لاستفحال الدغماتية خصوصاً بين قادة أشرف العمليات العسكرية في تاريخ ليبيا. أنا أدرك خطورة الخصم، وأعرف أساليبه وحيله ومناوراته في الحروب ولست ممن يعجل بالنصر أو صدق ما بث أيامها، ولكن وبعد تصريحات البعض على الإعلام متحدية إمكانية المساءلة، بمن فيهم مسؤولون حكوميون وعسكريون، جعلتني من الذين يطالبون بضرورة عقد جلسة منقولة مباشرة لاستفهام تفاصيل المعركة ومسالك نهايتها واحتياجات القوات المسلحة لتحقيق ذلك، وأي منها أشبع، وأي منها لم يصل إلى أيدي الجيش لحسم معركة بنغازي، وأين النازحون في برامج حكومة الأزمة المزعومة. فإن فشل أحدهم في أداء وظيفته فهو ليس بأفضل ولا أعلى مرتبة ممن تتم إقالتهم دون وجه حق أو لأصغر الخطأ كما فعل ببزازا مثلاً. سيكون الاستعفاء أشرف لأولئك، فإن كانت البداية بهذا الكم من الكذبات، والتحديات التي تزيدها تفاقما، فكيف بنا إذا تبوأ بعض هؤلاء إلى العرش؟