Atwasat

"التفحيج"... ذات متضخمة !؟

صالح الحاراتي الأربعاء 29 أبريل 2015, 03:44 مساء
صالح الحاراتي

فى الطب هناك مصطلحات مثل تضخم فى القلب، تضخم فى الكبد والطحال، تضخم فى الكلى أو البروستاتا... عافانا الله وإياكم، تُلقي فى الروع الخوف والحذر وتجعل اهتمامك باأمر يصل إلى الذروة.

فعملية التضخم فى أي عضو من جسد الإنسان، مؤشر غير محمود ويدل على أن الخلايا في هذا العضو تتكاثر أو تنمو بطريقة غير منسجمة، بل ربما فوضوية، مما يدفع الناس إلى الحرص على العلاج مهما كان مكلفا أو مؤلما..

والتضخم أمر سيء على العموم، ففى اﻻقتصاد مثلا التضخم يعني انخفاض قيمة العملة، مع ما يتبع ذلك من ارتفاع في مستوى المعيشة وتدهور حاد في القدرة الشرائية... إلخ.
ولكن إلى جانب ما ذكرته أعلاه.. هناك تضخم غالبا ما نغفل عنه وهو سبب من أسباب البلاء والكوارث التي نعانيها... إنه تضخم"اﻷنا"؛ الذي ﻻ ننتبه له. حيث التضخم هنا حالة من تعظيم الذات، وهو مرض ﻻ نعيره اﻻهتمام ويسمى في علم النفس.. تضخم اﻷنا!؟ أو النرجسية Narcissism أو حب الذات المفرط والمرضي، وقد اتفق علماء النفس في تحليلهم للأنا المتضخمة ب على القول اختصارا أن المصطلح يعني شخصية متمركزة على ذاتها و بشكل متطرف.

وتحضرنى هنا مفردة فى لهجتنا الليبية تقترب من توصيف سلوك الأنا المتضخمة وهي كلمة(التفحيج)؟ حيث شعبياً تعنى استعلاءً ورزالة وتغولا وقلة حياء، وهو مصطلح لا يبعث في كل الأحوال عند عامة الناس على الارتياح والطمأنينة ويذكرنا بمن"أخدته العزة بالإثم".

"التفحيج" بالمختصر تعني السلوك الاستعلائى من ذات نرجسية متضخمة وقد وجدت فى القاموس أن التفحيج لغة- من الفعل فحج بتشديد الحاء- ومن معانيه المباعدة ما بين الساقين والمشى بخيلاء...!؟

وبما أن أجمل لحظة في حياة الإنسان ربما، هي تلك اللحظة التي يستطيع فيها أن يصارح نفسه، حيث يصعب على المرء أن يتحمل مرارة الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها... دعوني أصارحكم لأقول: إن هذا الموضوع ما كنت لأخوض فيه لولا ما طغى على المشهد الليبى من شواهد كثيرة كشفت" أناوات متضخمة" كثيرة، مما استحضر فى ذهنى اللفظ الليبى الشائع المسمى"التفحيج"!؟

(التفحيج) تعنى استعلاءً ورزالة وتغولا وقلة حياء، وهو مصطلح لا يبعث على الارتياح والطمأنينة

حيث كل شيء لا يعني الكثير عند الذات المتضخمة أولئك.. ﻷنها ذات تدعى الفهم فى كل شيء وترى الآخرين ﻻ يفقهون شيئا، ومن باب الإنصاف، يمكن القبول بفكرة المصلحة الشخصية في مستوى معين، ولكن حين تستشعر"الأنا"- أنها شبه متألهة ترى كل شيء من حقها، وكل الآخرين إنما وجدوا لخدمتها ولتطبيق ما تراه صحيحا وصوابا، فلا حق إلا معها، ولا صواب إلا ما تراه بمنظارها فاأمر يصبح حالة مرضية تستدعى الانتباه.

فالتنافس على المناصب والطموح الشخصي أمر طبيعى، ولكن الأنا المتضخمة، تريد أن تكون الأولى فى سباق محموم، وبشكل مستفز غير منضبط بأية قاعدة، لاحتلال المراكز القيادية بحثا عن سلطة أكثر، ومغانم أكبر!!. وﻻ شك أن المناصب هي التجلي الأكبر لممارسة هلوسات وشطط هذه الأنا المتضخمة، حيث يصبح الآخرون مجرد أصفار و أرقام، ﻻ قيمة لها وتكون مآلات ونهايات الأنا المتضخمة في تجلياتها القصوى كارثية ما لم يتم لجم تلك الطموحات المرضية، وعلاجها بالقانون والأخلاق والقيم ووضع المعايير والمواصفات واعتبار واحترام مصالح الآخرين، وإﻻ فإن المجتمع يتحول إلى ساحة للصراع بين الأفراد، والتطاحن والاقتتال والتصارع وبوسائل غير شريفة، فتضيع القيم المجتمعية وتنحل الروابط بين الأفراد الذين هم لبنات المجتمع. وتسود مقولة أنا ومن بعدي الطوفان ويحكم قانون الغابة المجتمع بأسره.

والأسوأ من كل ذلك فى واقعنا، إذا ربطت الأنا المتضخمة نفسها بالمقدس باعتبارها وصية على الدين، أي وكأنهم يقومون بذلك بتكليف رباني، فيكون دورهم في الحياة هو تأليف الفتاوى والآراء، وعلى الآخرين السمع والطاعة وخدمة أصحابها ليل نهار ووضعهم في مصاف الآلهة و النبيين، ما ينطقون إﻻ الحق وما غيرهم إﻻ على الباطل!؟

متضخم اﻷنا من هذا النوع ﻻ يقر وﻻ يدري وﻻ يعترف بأن الزمن الذي كان يعتبر فيه الفقيه أو أي شخصٍ آخر قطباً ينجذب إليه الآخرون، أو شمساً تدور حوله الكواكب قد انتهى، فلقد جاء زمن تعددت فيه الأقطاب وكثرت الشموس و أصبح الشارع هو الميدان الذي يتوهج فيه الناس. حيث يندفعون إلى الشوارع اليوم، ليخطوا بدمائهم أبجدية الحرية.
ما نعانيه من صراع على السلطة وراءه الكثير من الذوات المتضخمة والكثير من"التفحيج"

انتبهوا إلى أولئك المرضى.. فهم المشكاة التي تأتي منها الدكتاتورية.