Atwasat

(داعش ليبيا): انبناء مخيلة خوف

نورالدين خليفة النمر الإثنين 23 مارس 2015, 09:41 صباحا
نورالدين خليفة النمر

مخيّلة الخوف في الثقافةـ من الأدب حتى ميديا مابعد الحداثةـ عملية انبنت في وقت مبكّر من التاريخ، وفي مكان، وهي مفارقة ربما لن يصدّقها أحد بمن فيهم الليبيون الذين يجهلون أنفسهم, هوالعاصمة الليبية الحالية طرابلس التي كانت في ذلك الزمن الروماني السحيق تسمّى(أويا) والتي وقع فيها حدث الكراهية الفارق الذي مسّ كرامة، بل وصم بما يمكن تسميته(بخواف الامتساخ) فيما بعد حياة الكاتب والفيلسوف الآفلاطوني والخطيب المفوّه لوكيوس أبوليوس المكنّى بالمدوري نسبة إلى مدورة(بالجزائر الحالية)، والذي حاقت به مكيدة عائلية قامت على ملفقة تهمة له بامتهان السحر الأسود بغرض التغرير بأرملة طرابلسية مثقّفة يمكن وصفها بتعبيرنا اليوم بالبرجوازية تنتمي إلى طبقة ملاّك الأرض في أويا، بهدف الزواج منهاووضع اليد على أموالها. أبوليوس دفع عنه التهمة المعاقب عليها بالموت في القانون الروماني منتصرا على مخاصميه بارتجاله مرافعته الفلسفية القانونية الشهيرة(بدفاع صبراتة)أمام القضاة: الحاكم الروماني والمثقفين الأويين والجمهور في ليبيا التابع لأفريقيا البروقنصلية عام 159 من ميلاد المسيح . إلا أن الفوزالذي حقّقه(أبوليوس) على أخصامه لم يحرره من مخيال الخوف الذي ظل يلاحقه خُوافاً جسّده في روايته التي تعّد أول رواية امتساخ في تاريخ الأدب عرفت بـ(امتساخ الحمار الذهبي)سمّى بطلها باسمه وكانت إلهاما لروائيين معاصرين بدءا بالألمانيـ التشيكي(فرانتز كافكا) وإنتهاء ربما بالكاتب الهندي- البريطاني(سلمان رشدي) في روايته (الآيات الشيطانية) التي غطّت موضوعة التعدّي على الآسلام والمسّ بشخص نبيّه على موضوعتها الأساسية المتعلّقة بامتساخ الهوّية، المصيرالذي حاق ببطلها(صلاح الدين شمسا). انبنى مخيال خوف الحضارة البرجوازية الحديثة، حسب ما أورده(فرانكو موريتي) في دراسته السوسيولوجية الشائقة:(جدلية الخوف) في جانب منه على خُواف الامتساخ بناء على الحكاية بناء على الحكاية(Anekdote ) التي تؤرخ لميلاد المسخ :فرانكشتين من إلهام مخيلّة(ماري ولستون كرافت) التي ستصبح لاحقا(ماري شيللي) آخذة لقب زوجها الشاعر الرومانتيكي المعروف. حدث ذلك في ليلة من ليالي صيف ماطر من العام 1816 في(فيلا شابوي) بمدينة جنيف في لعبة جماعية لكتابة قصة أشباح اقترحها، تزجية للوقت، على ضيوفه شاعرالرومانتيكية الأبرز(اللورد بايرون).

يعالج(فرانكو موريتي) في موضوعته المتعلقة بسوسيولوجيا انبناء مخيّلة للمسخ الحديث في السياق القائم على الثنائي الجامع لـ:(فرانكشتين ودراكولا) فيما أسماه بـ(ديالكتيك الخوف) وهوالإطار الذي ألزمه الأخذ بالمبحث السوسيوـ اقتصادي المتعلّق بموضوعتي اغتراب العمل عند ماركس، والملكية وتغريب الإنسان التي راجت في النسخة الوجودية الماركسية التي أطرّها(جان بول سارتر) في موضوعة(التشيؤ).

موريتي الذي ربط تطوّر عملية انبناء المسخ في مخيّلة الخوف البرجوازي بتطوّر أزمات الظاهرة الرأسمالية، يهمل تفصيلا أراه أساسيا في حكاية ولادة المسخين

موريتي الذي ربط تطوّر عملية انبناء المسخ في مخيّلة الخوف البرجوازي بتطوّر أزمات الظاهرة الرأسمالية، يهمل تفصيلا أراه أساسيا في حكاية ولادة المسخين: فرنكشتاين ودراكولا، يتعلّق بصاحب اقتراح اللعبة(اللورد بايرون) الذي سيلقي به توجّه القومية المؤدلجة أوروبيا والتي تبنّى شخصا ومزاجا وفكرا ضمنيا عناصرها الثلاثة:(الرومانتيكية،والشعبوية،والراديكالية) في أتون ماعرف تاريخيا بحروب البلقان الأولى. الحروب القومية التي كانت بداية ممزّقة للدولة العثمانية لاقيا بذلك حتفه في معركة(ميسولونجي) بجزر اليونان عام 1824 . إهمال التفصيل التاريخي المتعلّق بمصير(اللورد بايرون) في حكاية اختلاق مسخ الخوف لا يمنعنا من الاتفّاق تماما مع أطروحة موريتي في دلالة التاريخ الموثّق للحكاية بعام 1816: أوج الثورة الصناعية والتفجّرالرأسمالي اللذين أنجبا الدولة البيروقراطية ثلاثي الحداثة التي ستنسخ أزمتها في أواخر سنوات القرن 19 الحرجة فرانكشتاينا جديداهو:(المستر هايد) في قصة (لويس ستفنسن 1885): (الدكتور جيكل والمستر هايد) ودراكولا الثاني للكاتب(برام ستوكر)، ويتكرر النسخ حسب موريتي بتكرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية: الحرب العالمية الأولى في نتاجات التعبيرية الألمانية وأيضا ماتجلّى في الإنتاجات السينمائية الضخمة لشركة (Roko)الأميريكية بعد أزمة العام 1929؛ ثم في العامين 1956،1957 ، حيث جسّد المخرج تيرنس فيشر المسخين من خلال(بيتر كوشنغ) و(كريستوفر لي) مفسحا المجال لتغيير سوسيولجي في مخيّلة الخوف باستبدال فرانكشتاين من جمع من جثث مختلفة إلى جثة واحدة أعيدت لها الحياة. فحتى وإن كانت الجثة في رأي موريتي عملاقة وغير عادية تصويرا للحس المفعم بظفر البورجوازية وانتصارالرأسمالية بامتداها الإمبريالي، فإنّها تتفّه إلى حد بعيد المعنى الاجتماعي الذي رمى له مسخ فرانكشتاين في مخيّلة(ماري شيلي).

نحن الذين ننشغل بسوسيولوجيا انبناء الأفكار والمشاعر في سياق ماأسميناه(بانبناء مخيّلة خوف) في جغرافيا سياسية راهنة تقوم على معتقد ديني يخصّنا هو الإسلام فإننا، أخذا بفلسفات البنائية أو بالأحرى(الانبنائية)، مضطرّون إلى الوقوف عند المحدّد الذي يتعلّق بموضوعتنا من المحدّدات أو الضروب الأربعة التي وضعها العلماء لتفسير ظاهرة الخيال أو(المخيال) باعتباره: مجموعة من العقائد الخاطئة التي تتصوّرها الروح وتجسّدها في المتخيّل خارج كل رقابة أوسيطرة، وهو ماينطبق على المخيال الذي يقضّ مضجعنا هذه الأيام فيما تنشره من مسوخ ومظاهر رعب الجماعة المتشدّدة الأكثر عنفا ودموية وغرابة في المشهد الآيديولوجي الإسلاموي الحالي المختصرأسمها بالأحرف العربية الأولى (دأع ش):دولة الأسلام في العراق والشام، وبالأحرف اللاتينية(I.S) تنظيم الدولة الآسلامية، الذي امتّد نشاطه العنفي هذه المرة عبر ليبيا في الحدث الإرهابي المبرمج في لييبا والذي استهدف بالقتل المرّوع يوم الأربعاء الماضي 18. 3. 2015 زوّارا جلّهم من الأوروبيين(لمتحف باردو) للحضارة الرومانية في تونس العاصمة، وفي الوقت ذاته المسّ بالنموذج الديمقراطي التونسي الوحيد والناجح في ثوراث الربيع العربي المتمثل في مبنى البرلمان المنتخب حديثا المجاور للمتحف.

والتطوير في مخيّلة الخوف الذي رأيناه في النسخة الليبية لمشهدية القتل البارد والمرعب الذي لم يلتفت المحللون الذين كان جلّهم إعلاميين ولم يكن منهم الدلائليون أو(السميولوجيون) إلى إشارتيه: دماء الضحايا التي صبغت مياه البحر الأبيض المتوّسط المتجّهة إلى أوروبا بحمرةالدم وسكيّن الذابح المتوجّه به في إشارة إلى أوروبا في الضفة الأخرى من البحر وذلك في الجريمة التي حاقت بـ21 قبطيا مصريا والتي بثت في 15فبراير2015 وتمت على الأرجح قريبا من(شواطئ سرت) وبالصورة التي نفذتها إعلاميا(ميديا داعش) باحترافية اصطنعت في ليبيا مابعد ثوراث الربيع العربي ، مشهدا عنفيا جديدا في رمزيات ميديا إرهاب العولمة وهو أمر أثار الاهتمام السياسي الدولي لما أعقبه من ردّات فعل سياسية وعسكرية مغطّيا كالعادةعلى مشاهد مسلسل العنف أو القتل التطرّفي الليبي المحلّي الذي يسود منذ عامين مدنا ليبية أبرزها بنغازي والذي هو ليس مثارانشغال العالم المهووس بماعناه الفيلسوف الفرنسي (جان بودريار)في كتابه Simulacres et simulation بـ (اصطناع) ميديا إرهاب مابعد الحداثة.