Atwasat

ليبيا والفرص الضائعة

فتحي نصيب السبت 21 مارس 2015, 10:08 مساء
فتحي نصيب

ظلّت ليبيا لأكثر من ستة عقود تُعاني من مسلسل الفرص الضائعة، فمنذ تأسيس الدولة الليبية الحديثة عام 1951 وهي في نزيف مستمر في هدر الإمكانات التي تملكها اقتصاديًا وتنمويًا وجغرافيًا.

خلال 42 عامًا من حكم النظام السابق أُهْدِرَ العديد من الفرص التي كانت تحوّل ليبيا إلى دولة متقدّمة اقتصاديًا وتنمويًا وبشريًا

ففي النظام الملكي (1951-1969) بدأ تأسيس الدولة بإمكانات ضعيفة وبمساعدات خارجية، وبُعيد ظهور النفط وتصديره بشكل تجاري بداية الستينيات من القرن الماضي وضِعت خططٌ طموحة للنهوض بالبلاد، وتم إنشاء المؤسسات والبنية التحتية وفق ما هو متاح، إلّا أنَّ الحياة السياسيّة عانت من جراء إلغاء الأحزاب السياسيّة، مع إتاحة هامش للإعلام والصحف، ومع مجيء نظام القذافي للسلطة والتي استبشر الليبيون بها خيرًا، حيث ارتفع سعر برميل النفط عشية حرب 1973، وكان عدد السكان حينها لا يتجاوز مليونين ونصف المليون (أي أقل من نصف سكان حي شبرا بالقاهرة)، وشعب متجانس ومساحة شاسعة والقرب من أوروبا وأسواق النفط العالمية، وخلال 42 عامًا من حكم النظام السابق أُهْدِرَ العديد من الفرص التي كانت تحوّل ليبيا إلى دولة متقدّمة اقتصاديًا وتنمويًا وبشريًا (مقارنة بدولة الإمارات العربية المتحدة التي أُنشئت بداية السبعينيات من القرن الماضي على سبيل المثال).

ولا ينكر أحد – بمن فيهم بعض رموز النظام السابق – بل والقذافي وابنه استشراء الفساد الإداري والاقتصادي وظهور القطط السمان ووجود مليون ليبي تحت خط الفقر وغياب أي حياة سياسيّة وتغول الأجهزة الأمنية واستفحال ظواهر الرشوة والوساطة؛ وذلك حسب اعتراف النظام السابق قبل غيره. بحيث أصبحت ليبيا تتصدر أكثر الدول فسادًا في العالم مع تردي التعليم والصحة والبنية التحتية تمامًا.

استمرار مسلسل إضاعة الفرص الضائعة
ومع الإطاحة بنظام القذافي بفعل عوامل داخلية وخارجية وبعد مرور أربعة أعوام فإنَّ مسلسل إضاعة الفرص الضائعة استمر بوتيرة أسرع من السابق.

يتّفق أغلب المُتابعين للشأن الليبي على أنّه حوار (الفرصة الأخيرة)، فهل سيستمر مسلسل إهدار الفرص الضائعة من جديد؟ أم سيتمكَّن العقلاء من إنقاذ ليبيا من التفتت؟

فمع ثلاث حكومات بميزانية تزيد على 150 مليون دولار لم يتم خلالها بناء مدرسة أو تشييد جامعة جديدة أو رصف طريق أو إقامة مستشفى جديد.. لدرجة أنْ صار الليبيون البسطاء يتساءلون: هل تغيّر العلم والنشيد فقط؟ والأمر من ذلك هو تشرذم الليبيين في شكل جهوي ومناطقي ووجود أكثر من 1500 ميليشيا مسلحة بعتاد ثقيل بعضه من تركة النظام السابق، وبعضه الآخر تدفّق من خارج الحدود وفق تقارير الأمم المتحدة الأخيرة.

يدور الآن ما اصطلح على وصفه (الحوار الوطني)، في جولات مكوكية أولاً في واحة (غدامس) الصحراوية، ثم على ضفاف بحيرة (جينيف)، وأخيرًا وليس آخرًا في (الصخيرات) المغربية برعاية مبعوث الأمم المتحدة وبدعم من الدول الكبرى، ويتّفق أغلب المُتابعين للشأن الليبي على أنّه حوار (الفرصة الأخيرة)، فهل سيستمر مسلسل إهدار الفرص الضائعة من جديد؟ أم سيتمكَّن العقلاء من إنقاذ ليبيا من التفتت؟ هل سيُدرك الليبيون حجم الأخطار القادمة في الأفق أم سيغلقون عيونهم ويختمون على عقولهم لتكرر الأحفاد القادمة مقولة الفرص الضائعة التي فرَّط بها الأسلاف؟ هل ستتحقَّق أحلام الليبيين البُسطاء في العيش ببلد آمن ويتمتَّعون بعوائد نفطهم الذي صار نقمةً بعد أنْ كان نعمةً؟ أم ستتحطّم أحلامهم على حجارة (الصخيرات) المغربية بعد أنْ ضاقت عليهم أرض بلادهم بما رحُبت؟