Atwasat

لماذا فشل الحوار بليبيا.. وهل يسود المنطق في هذه الحالة؟

ناجي جمعة بركات الثلاثاء 03 مارس 2015, 10:57 صباحا
ناجي جمعة بركات

هناك دائما أسس للحوار لا يمكن أن يكون الحوار ناجحا بدونها. كذلك تكون مخرجات الحوار ناقصة إذا لم تكن الأسس مبنية على أشياء كثيرة، منها المنطق الصحيح. الاستدلالات مهمة والمغالطات يجب أن تستبعد قبل بداية الحوار.

من أهم أسس الحوار وجود طرف محايد يرعى الحوار ويمهد له قبل أن يجتمع الفرقاء. كذلك عليه ألا يُميل الكفة لطرف دون آخر وخاصة الطرف الأقوى على الأرض أو من يحظى بتأييد شعبي كبير. اختيار المتحاورين مهم جداً وخاصة من لهم خبرة في التحاور والتفاوض بجانب أنهم يحظون بمكانة اجتماعية في المجتمع.

المجتمع الدولي يجب أن يكون داعما لهذا الحوار بالأفعال وليس بالعراقيل وتغليب مجموعة على أخرى.

جميعنا يعرف أن أحد المبادئ الرئيسية للحوار أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية وهذا متفق عليه ويعرفه كل محاور جيد

بخصوص الحوار الليبي، تعمل الدول الكبرى من وراء الكواليس وتقوم بعدة أشياء داخل وخارج ليبيا دون أن يعيها الليبيون، ولهذا يكون غياب الحرية الكاملة في الحوار أحد أسباب فشله وهذا ما تطمح له بعض الدول وخاصة تلك التي تدعي أنها صديقة لليبيا من العرب وغير العرب. قبل أن نخوض في موضوعنا يجب أن نعرج على أسس الحوار الهادف والجيد والناجح.

يجب أن يكون هنالك الإرادة الصادقة للوصول إلى الحل من جميع المتحاورين والحرية الكاملة في الحوار وإشراك الجميع وأن تحدد قضايا الحوار بدقة. أن تكون لدى المتحاورين القناعة التامة بالحوار وبأسسه وأهدافه، ولديهم إلمام كامل بنتائجه، الاختلاف في الرأي سيكون موجودا دائماً، ولكن هذا لا يفسد الحوار والقضية الأساسية التي تنادى الجميع من أجلها للحوار.

أسس الحوار لم تطبق من قبل الأمم المتحدة ولا من بعض المتحاورين من جميع الأطراف، وعلى هذا الأساس تم تعليق الحوار بليبيا إلى أن يتم احترام أسس الحوار التالية:
1- أن تعرض الفكرة بطريقة واضحة ومفهومه لكي تصل إلى الجميع بوضوح وبالتالي يتقبلها الجميع
2- الشفافية التامة والتواصل مع الشعب الليبي حتي تكتسب ثقة هذا الشعب.
3- استخدام الصيغة المقبولة والمناسبة للحوار وعدم اللجوء للشخصنة أثناء الحوار.
4- عدم الاستبداد بالرأي وتقبل آراء الآخرين برحابة صدر.
5- حق تكافؤ الفرص بين المتحاورين.
6- تحديد محاور النقاش والاتفاق عليها قبل عقد أي جلسة حوار.
7- تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف قبل أن يكون هناك تعمق في النقاش.
8- الالتزام بالهدوء والاستماع للآخرين أكثر من الحديث كثيرا والابتعاد عن الجدل.

جميعنا يعرف أن أحد المبادئ الرئيسية للحوار أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية وهذا متفق عليه ويعرفه كل محاور جيد. في الحوار بين الليبيين، سواء من الموالين أو المعرقلين لقيام الدولة الليبية المدنية وفي غياب التنافس والحدس، يسود المنطق. إن ما نريده هو نقاط منطقية وجميعنا سيكون سعيدا وخلاف ذلك لن يؤدي إلى قيام دولة مهما تحاورنا. إشراك الجميع في الحوار ومن سيرفضون مخرجات الحوار دائما يكونون قد استبعدوا مند البداية منه وخاصة إذا كانوا يمثلون عرقا معينا أو قبيلة أو فئة معينة. لهذا يجب ألا يستبعد أحد وأن يتم التواصل مع جميع المؤثرين في الشارع الليبي ويكون هناك ممثلون لكل الفئات من النساء والرجال.

الحرية الكاملة في الحوار يجب أن تكون موجودة ولا تكون هناك شروط مسبقة سواء من الطرفين أو ممن يرعون ويدعمون الحوار. الاستعانة بالخبراء المحليين والأجانب ومن لهم خبرة كبيرة في الحوار أمر مهم جداً حتى تتبلور فكرة الحرية الكاملة ودون تدخل من الآخرين في التمهيد للحوار وكذلك عند إجرائه وتطبيق مخرجات الحوار. كل من يأتي للحوار يجب أن تكون له قناعة تامة بأن الحوار هو المخرج الرئيس لليبيين والليبيات من هذا المأزق السياسي والذي له عدة أسباب.

عندما تغيب أسس الحوار وتلوح في الأفق بوادر فشله ويبدأ التنافس على كيفية إنجاح الحوار، يكون المنطق بديلا لهذا

المحاور الجيد يفهم طبيعة الطرف الآخر ويتنازل على الكثير من الأشياء في سبيل المصلحة العامة. كذلك المحاور الجيد لا يهتم بالمسائل الشخصية ولا يعول على ما حدث بالسابق ولا يذكرها أثناء الحوار حيث هذا سيولد جدلا كبيرا ويصبح الحوار جدلا وتتبادل الاتهامات ويفشل الحوار. أن يكون المحاور سريع البديهة حتى لا تفوت عليه فرصة أو معلومة ربما تكون جزءاَ مهما لمخرجات الحوا. من يذهب للحوار يجب أن يكن ملما بأسس ومبادي وآليات الحوار وأن يكون لديه إلمام كامل بمخرجاته.

الجميع من الليبيين والليبيات كان ولا يزال لديهم أمل بأن الحوار سيُخرج ليبيا من هذه الفوضى إلى بناء الدولة المدنية. لقد علق الحوار هذه الأيام نتيجة الأحداث الأخيرة بالقبة وسرت وطرابلس حيث ترتب عليها وجود طرف جديد وخطير على الساحة الليبية وهو«داعش». فهذه المجموعة المارقة تريد أن تكون ليبيا قاعدة ثالثة لهم بعد العراق وسوريا. تريد أن تجر منطقة شمال أفريقيا إلى حرب ودمار.

لقد دخلت مصر المعركة بجيشها وهذا ما يريده الدواعش. إلى هذه اللحظة مصر استعملت الطيران ضد الأراضي الليبية وهو غير مقبول من جميع الليبيين ولو أن مصر استعملت جيشا على الأرض فحتماً سيقف ضده جميع الليبيين. لهذا يجب على المجتمع الدولي أن يتحد من أجل إيجاد حل سريع لليبيا وإبعاد الدواعش عن الأراضي الليبية والمساهمة في استرجاع الحوار إلى ما كان عليه قبل هذه الأحداث. كذلك يجب على الليبيين توحيد الصف من أجل استئصال هذا السرطان الخبيث من على الأراضي الليبية قبل أن ينتشر فيها حيث أن هناك أرضا خصبة له جراء تخاذل الليبيين أولا وتفرقهم وتحفظ المجتمع الدولي على مساعدة الجيش الليبي الذي هو قادر على استئصال هذا السرطان من جسم ليبيا الحبيبة.

عندما تغيب أسس الحوار وتلوح في الأفق بوادر فشله ويبدأ التنافس على كيفية إنجاح الحوار، يكون المنطق بديلا لهذا. المنطق هو الدليل على التفكير والاستدلال وأن يصل المحاور إلى فكرته بأقل جهد ومعناة. كما أن المنطق يساعدنا على التمييز بين الأدلة السليمة وغير السليمة وينمي الروح العلمية لدي المحاور. كما أن للمنطق تأثيرا في إبعاد العاطفة. كما أن المنطق ينمي في المحاور الاتجاه النقدي الهادف للوصول إلى مخرجات عملية ومقبولة لدي الجميع. فهل توجد هذه العناصر والخصائص في من يتزعمون الحوار الليبي في الآن؟.

نتمنى أن يكون لديهم ولو 10% من هذه المتطلبات. إذا غاب المنطق وفشل الحوار فسنخسر الكثير ولن تكون ثمة ليبيا إلى عدة قرون أخرى. لقد تنامي في بعض الناس الحقد والكراهية وحب الانتقام نتيجة عدم تغليب العقل والمنطق في كل ما نفعل هذه الأيام بليبيا.

من أهم مخرجات الحوار هي الآتي: 1- يجب أن يكون الحوار وسيلة لتبادل الأفكار وبيان الخطأ فيها من الصواب حتى تتم المعالجة الصحيحة والفعالة 2- تكون النظرة والتفكير مطابقة لتطلعات الشعب الليبي 3- المخرجات يجب أن تكون مفيدة وسهلة التطبيق 4- كل المعلومات تكون في متناول الجميع والشفافية هي عنوان نجاح هذا الحوار 5- الاستشهاد بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأدلة وبعض القصص التي لها علاقة بالحوار يعد جزءاً أساسياً من هذه المخرجات.

إذا لم ينجح الحوار وتعطل نهائياً يجب أن يبحث المجتمع الدولي عن مخرج لليبيين يضمن لهم العيش والابتعاد عن شبح الحرب.