Atwasat

التغلب على تنظيم «داعش» في ليبيا خطة للتعافي من الكارثة

عارف علي النايض السبت 21 فبراير 2015, 07:28 مساء
عارف علي النايض

الجريمة المروعة التي اقترفها تنظيم «داعش» أو «الدولة الإسلامية» المزعومة بقطع رؤوس واحد وعشرين قبطيًا مصريًا، بشكلٍ جماعي، على شواطئ بلادي، والآلاف من عمليات قطع الرؤوس والقتل والخطف والتهجير القسري لليبيين، تضافرت لتجعل اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة لثورة السابع عشر من فبراير يومًا ثقيلاً بالفعل.

لقد حَلَّ كابوس مظلم بظلالهِ الكئيبة محل أحلامنا المنيرة التي حلمنا فيها بوطنٍ خالٍ من الاستبداد؛ وطن يمضي إلى الأمام على طريق الديمقراطية؛ يسوده الأمن والاستقرار وسيادة القانون، وتُحْتَرَم فيه الكرامة الإنسانية، ويتحقق فيه الازدهار الاقتصادي والنهضة الوطنية الشاملة.

استخدمت (جماعة الإخوان المسلمين) و(الجماعة الليبية المقاتلة) حجج «الشمولية» وعدم «الإقصاء والتهميش» لفرض أنفسهم والتغلغل بعمقٍ

لقد أخفق «الإسلاميون» في الفوز بأي من الجولات الثلاث من الانتخابات الحرة والنزيهة التي جرت في المرحلة التي أعقبت انتصار الثورة في ليبيا، والتي حظيت بمراقبة دولية؛ وقد استخدمت (جماعة الإخوان المسلمين) و(الجماعة الليبية المقاتلة) حجج «الشمولية»، وعدم «الإقصاء والتهميش»، لفرض أنفسهم والتغلغل بعمقٍ في مفاصل الدولة الليبية.

وعندما خسر «الإسلاميون» في الانتخابات الأخيرة، قاموا ببساطة بمقاطعة مجلس النواب المنبثق عن تلك الانتخابات؛ بل وأقدموا على الاعتداء على مقر البرلمان الكائن في بنغازي، والحكومة الشرعية في عاصمتها طرابلس؛ فبعد أن خسروا من خلال صناديق الاقتراع، لجأوا بشكلٍ فعالٍ إلى السلاح!

استغل «الإسلاميون» سيطرتهم على الدولة الليبية لتحويلها إلى صرافٍ آلي لتوفير التمويل ومنبر لـ«دولتهم الإسلامية» المزعومة.

وبعد أن تم شملهم وإدراجهم في العملية السياسية، قام «الإسلاميون» بتهميش وإقصاء الآخرين تمامًا. لقد استغلوا سيطرتهم على الدولة الليبية، ومواردها الهائلة، لتحويل ليبيا إلى صرافٍ آلي لتوفير التمويل، ومحطة للتزود بالوقود، ومنبر لـ«دولتهم الإسلامية» المزعومة. وحتى اليوم، لازالوا يواصلون القيام بذلك من خلال مؤتمرهم الوطني العام المنتهية ولايته وصلاحيته، وحكومتهم غير الشرعية التي يهيمن عليها أنصار التيار الديني المتطرف.

وهكذا، وعلى مدى أربع سنوات، ذهبت موارد (الدولة الليبية) إلى تمكين «الدولة الإسلامية» المزعومة في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك سورية والعراق. واليوم، ها هو الوحش يخرج من قمقمهِ؛ الوحش الذي قام الإسلاميون باحتضانهِ ورعايتهِ وتعزيز وجوده من قوت وأموال الشعب الليبي (أموال تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات)، ليذبح الليبيين المسلمين، وضيوفهم من المسيحيين دون أي عقاب.

إنّ حلفاء، وأنصار تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة، والمدافعين عنه، يتحكمون اليوم بمطاراتٍ تبعد بضع ساعات من الطيران عن أي عاصمة أوروبية، بالإضافة إلى سيطرتهم على حركة قوارب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؛ والتهديد بالسكين الملطخة بالدماء والموجهة صوب روما، في أبشع فيديو ذبح لتنظيم (الدولة الإسلامية)، يجب أن يتم أخذه على محمل الجد، وكما جاء حرفيًا على لسان الإرهابي نفسه.

الدولة الموازية
لقد فشلت الدولة الليبية أن تنهض من رماد صراع 2011، وذلك ببساطة بسبب وجود «دولة» أخرى موازية ومنافسة لها في نفس الوطن. لقد كانت «الدولة الإسلامية» المزعومة وليست (الدولة الليبية) هي غاية «الإسلاميين» وطموحهم الحقيقي، ولذا قاموا بتفكيك الدولة الليبية واستغلال مواردها لتغذية دولتهم الأممية المنشودة العابرة لحدود الدولة الوطنية المتعارف عليها والمنافية لها.

وكانت المحصلة الإجمالية لأربع سنوات من بناء «الدولة الإسلامية» المزعومة على حساب الدولة الليبية هي جملة من الكوارث الوطنية، والإقليمية، والدولية!

وفي مواجهة أي كارثة، يبرز دائمًا الرد الفطري والمتمثل في خيار (إما / أو)؛ كأن تقول (صارع أو اهرب). وفي اعتقادي أننا يجب أن نصارع من أجل ليبيا، وفقًا لخطة ملائمة للتعافي من هذه الكارثة. ولكن، بادئ ذي بدء، دعونا ننظر أولاً إلى آليات الهروب التي يتم ترويجها حولنا في الآونة الأخيرة.

تكتيكات الهروب
يمكن توصيف آليات أو تكتيكات الهروب من الكارثة في ثلاثة أشكال على الأقل:
1.الإنكار: (مثال: ليس هنالك تواجد لتنظيم (الدولة الإسلامية) في ليبيا - الفيديو تم تلفيقه، أو هذه مؤامرة استخباراتية بامتياز!).

2.النبذ (أو التخلي): (على سبيل المثال: ليبيا حالة ميؤوس منها، لذا دعونا نركز على مكانٍ آخر).

3.المداراة (أو المهادنة): (بأن يُقَال مثلاً: دعونا نشارك في الحوار، ونقوم بتكوين تفاهمات مع «الإسلاميين» «المعتدلين» الذين سيساعدون في تهدئة كلابهم المسعورة من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة، وربما يمكننا أيضًا تشكيل «حكومة وحدة وطنية» معهم).

لن ينجح أي من تكتيكات «الهروب» الثلاثة أعلاه؛ فالذي نستنبطه من التكتيك الأول والثاني هو عدم القيام بأي شيء لمعالجة تهديد جذري، لا يمثل فقط تهديدًا لليبيا بل ولجيرانها العرب والأفارقة، ويطال قلب أوروبا كذلك.

وسوف يؤدي التكتيك الثالث إلى استمرار هيمنة «الإسلاميين» على مفاصل الدولة الليبية من منطلق أن لديهم أربع سنوات من الخبرة في توظيف موارد الدولة الليبية لصالح مشروعهم لبناء «الدولة الإسلامية» المزعومة والخاصة بهم كبديل للدولة الليبية.

وإذ ندعم الجهود التي يقودها برناردينو ليون لإطلاق حوار وطني يؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، نُشدّد على أهمية أن يكون مثل هذا الحوار على مستوى النسيج الاجتماعي الليبي فقط، لا الأيديولوجي، كما يجب أن تكون الحكومة المنبثقة عنه ممثلة لمكونات الطيف الليبي على أوسع نطاق اجتماعي، وأن تكون تكنوقراطية بحتة، مع التركيز حصرًا على بناء ليبيا لليبيين أولاً وقبل كل شيء، لأننا لا نستطيع تحمل حكومة أخرى تضم عناصر مؤدلجة، تتحكم في مفاصل الدولة، وتحركها أجندات غير وطنية عابرة للحدود.

وفي مواجهة هذه الكارثة التي تعاني منها ليبيا وتُهدّد جيرانها، ليس أمامنا سوى أن نختار بشجاعةٍ وثبات خيار الصراع. ويجب أن يتجاوز مفهوم «الصراع» مجرد العمل العسكري الضروري على مواقع وقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة وميليشيات من يدعون أنهم «أنصار الشريعة».

وللتغلب على ظلامية تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة، يجب اتباع خطة واضحة للتعافي من الكارثة التي ألمت بليبيا وشعبها. ويجب أن توضع هذه الخطة ويتم تنفيذها على وجه السرعة بواسطة الليبيين أنفسهم، وبشراكة وثيقة مع تحالف (أصدقاء ليبيا) جديد، يتألف من حلفاء إقليميين ودوليين يفكرون بنفس عقليتنا، ويحترمون ثقافتنا، ويتمتعون بالمصداقية.

وفيما يلي نورد الخصائص الرئيسية لخطة التعافي من الكارثة في ليبيا:
1. التأييد، والدعم الدولي للهيئات والمؤسسات المنتخبة الموجودة في ليبيا اليوم، ويشمل ذلك مجلس النواب الليبي، والحكومة المنبثقة عنه، والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، والمجالس البلدية المحلية.

2. حماية وتأمين مجلس النواب الليبي، والحكومة المنبثقة عنه، والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، والمجالس البلدية المنتخبة، لتمكينهم من العمل بعيدًا عن الضغط والترهيب والإكراه.

3. حماية وتأمين المحكمة العليا في ليبيا ودائرتها الدستورية، ونشر نتائج التحقيق الدولي المستقل لآخر ما اتخذته من القرارات الهامة. وفي هذا الصدد، يجب على المجتمع الدولي عدم الاعتداد بالأحكام الصادرة تحت الإكراه، وإعلان بطلانها، واعتبارها كأن لم تكن.

4.استكمال عضوية مجلس النواب الليبي من خلال مطالبة العدد القليل من الأعضاء المقاطعين لجلساته إلى إعادة الانضمام إليه؛ وينبغي عليهم المشاركة من الداخل بدلاً عن الانسحاب ثم الشكوى والتذمر بحجة «الافتقار للشمولية»، وادعاء «الإقصاء» و«التهميش»؛ فهم بمقاطعتهم لجلسات البرلمان الشرعي إنما يقومون حقيقة بعملية إقصاء لجميع زملائهم المشاركين. إنّ الأعضاء الذين يستمرون في رفضهم في العودة للانضمام إلى مجلس النواب الليبي يجب استبدالهم بالمرشحين الذين حصلوا على المركز الثاني من نفس الدوائر الانتخابية التي ترشحوا أمامها.

5. توفير مقر آمن لمجلس النواب لعقد اجتماعاته في مدينة طبرق، حتى يصبح بالإمكان العودة بأمان إلى المقر الرسمي في بنغازي.

6. تقديم الدعم التقني العاجل للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في بيئةٍ آمنة وداعمة، من أجل الإسراع في الانتهاء من كتابة دستور البلاد.

7. إذا كانت عملية صياغة الدستور ستستغرق أكثر من 90 يومًا آخر لإكماله، فيجب علينا أن نعود إلى التوصيات الأصلية للجنة فبراير، ومن ثم الدعوة لانتخابات رئاسية عامة، حيث إن مجلس النواب الليبي لايزال للأسف يمارس صلاحيات رئيس الدولة الليبية، على افتراض أن لجنة صياغة الدستور كانت ستنتهي من عملها بحلول شهر ديسمبر عام 2014.

8. تقديم مساعدة تقنية عاجلة إلى الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب الليبي، وإدخال آليات لتحسين الإدارة الرشيدة والشفافية.

9. تشكيل «مجلس اقتصادي للطوارئ» على وجه السرعة، والذي يمكنه أن يجمع بين كبار الخبراء الليبيين في مجالات البنوك المركزية، والنفط والوقود، والإغاثة الإنسانية، والتمويل والاستثمار، والاتصالات، مع الاستعانة بصفوة من خبراء الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. ويجب أن يتم تكليف المجلس المقتَرَح بحماية وترشيد الموارد المتبقية في ليبيا بغية تجنيبها مخاطر الانزلاق نحو الهاوية الاقتصادية والمالية التي تتهدد ليبيا، وذلك بسبب الآثار الكارثية على الاقتصاد الليبي والناجمة عن التدني الشديد في حجم الصادرات النفطية، بالتزامن مع انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.

10. عقد اجتماعات على الفور بين المجموعات التي تمثل مكونات الطيف الاجتماعي الليبي مع منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المجالس البلدية والقبلية، ومجالس المصالحة، تمهيدًا لعقد لقاء على مستوى عموم ليبيا بين القيادات الرئيسية على الأصعدة المجتمعية والبلدية والقبلية والمدنية، وذلك من منطلق أن بناء التوافق في الآراء أمر حيوي لدعم العمليات الدستورية والديمقراطية.

11. تشكيل مركز قيادة للأمن الوطني، يمكنه قيادة الصراع ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة وميليشيات «أنصار الشريعة»، وحلفائهم ومناصريهم وكل من يدعمهم.
ويجب أن يتضمن هذا المجلس ضباطًا من كل المدن والبلدات الرئيسية، والقبائل الليبية، والذين يلتزمون حقًا بمكافحة الإرهاب في ليبيا. ويجب أن يكون هذا المجلس مرتبطًا بشكلٍ حيوي بالتجمعات والتحالفات الإقليمية والدولية التي تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة، ومن على شاكلتهم من الإرهابيين الآخرين في بلدانٍ أخرى. ويمكن تسهيل هذه الروابط عن طريق الاستعانة بمستشارين وخبراء دوليين في المركز المشار إليه.

12. تشكيل قوة ليبية للتدخل السريع تتكون من ضباط وجنود من الجيش الليبي من مختلف أنحاء ليبيا، وتوفير ثلاث قواعد يمكن من خلالها إدارة عمليات هذه القوة: قاعدة في شرق ليبيا، وأخرى في غربها، وثالثة في جنوب البلاد. ويجب تطعيم قوة التدخل السريع بمستشارين عسكريين وأمنيين وخبراء دوليين يتم تقديمهم من قبل الأمم المتحدة. ويجب أن لا تشمل هذه القوة أي عناصر لديها توجهات ودوافع أيديولوجية لضمان أن القوة تنتمي لعموم ليبيا في القيادة والتوجه. كما يجب أن يكون تطلعها الذي ترتكز عليه هو ليبيا فقط، بحيث لا تتضمن أية تطلعات غير وطنية ومؤدلجة.

13. ينبغي على المجتمع الدولي المطالبة والمساعدة على فرض نزع السلاح في مدينة طرابلس، مما يتيح للحكومة التي اختارها مجلس النواب العمل من مقرها في عاصمة البلاد، كما يجب أن يطالب ويساعد في فرض نزع السلاح في مدينة بنغازي، وتمكين مجلس النواب الليبي من العمل انطلاقًا من مقرهِ الرسمي فيها.

14.يجب بذل كل جهد ممكن على الصعيدين الاقتصادي والثقافي لمواجهة الغلو والتطرف، وإعطاء هذه المسألة أولوية قصوى. ومن ثم يصبح في مقدورنا البدء في إعادة تشغيل الاقتصاد الليبي، ومنح الشباب الليبي رؤى استشرافية ملهمة فيما يخص مستقبل بلادهم، حيث إن الرؤية المستقبلية أمر مهم من أجل انتشال ليبيا من هذا الوضع المؤلم. والمرء يمكنه فقط أن يسحب شاحنة عالقة في الرمال من نقطة ثابتة في المقدمة، بعيدًا عن الرمال؛ وعندما نحدد نقطة الانطلاق، ونحن نقف على أرضية صلبة، سنصل حتمًا إلى تحقيق التعافي التام من الأزمات التي تعرقل مسيرتنا، وصولاً إلى تحقيق أماني وتطلعات شعبنا الذي عانى كثيرًا.

إنّ مفتاح تحقيق الانتعاش الوطني يكمن في بناء القدرات، وتقديم الرؤى الملهمة للشباب والشابات في ليبيا.

وفي مواجهة أشرطة الفيديو الدموية البشعة التي تبثها مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» المزعومة، وتزرع بها الكراهية واليأس والتشاؤم في النفوس، يتعين علينا استحضار ونشر القيم والفضائل المتأصلة في النفس البشرية كالرحمة والإيمان والأمل.
---------------------------------------------------------
*سفير ليبيا في دولة الإمارات العربية