Atwasat

الصيرفة الإسلاميّة في ليبيا بين الواقع والتحدّيات

عمرو فركاش الثلاثاء 25 فبراير 2014, 02:51 مساء
عمرو فركاش

أصدر المؤتمر الوطني العام قرارًا بمنع الربا في المصارف الليبيّة، وحدّد تاريخ الأول من يناير 2015 كموعد نهائي لإنهاء التعامل بنظام الفوائد المالية في المصارف الليبيّة. بناء على ذلك، أصدر المصرف المركزي تعديلاً في قانون المصارف لسنة 2005 برقم (46) لسنة 2012.

أربكَ هذا القرار، بالطبع، القطاع المصرفي وشلّ من حركة الإقراض، التي هي في الأساس ضعيفة جدًّا بالمُقارنة مع أقرانها في منطقة الشرق الأوسط. المصارف الليبيّة في الماضي كانت تعتمد في عمليتها على تجارة العملة والتمويل التجاري (الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان)، في حين أنّ الوظيفة الرئيسيّة للمصارف هي عملية الوساطة بين أموال المودعين والمقترضين. جل الإقراض في ليبيا في الماضي، وحتى في الوقت الحاضر، يذهب للقطاع العام (الأهلي) وعمليات الإقراض بسيطة من حيث المنتج المصرفي على عكس ما هو الحال في دول المنطقة.

أما الكادر المصرفي فهو مهمل إلى حد بعيد ابتداءً من التعليم الجامعي مرورًا بالتدريب المصرفي (الذي لا أعتقد أن له وجودًا يُذكر في ليبيا).

يعتمد قطاع المصارف بشكلٍ رئيسٍ على الكادر البشري، وتقنية المعلومات (التكنولوجيا)، وللأسف الوضع في الحالتين، في ليبيا، ليس على ما يرام.

يحتاج الواقع المصرفي الليبي الآن استراتيجية وخطط عمل للنهوض به وتطويره. وهذا من دون دخول الصيرفة الإسلامية إلى المشهد، والآن بعد أن أصبحت أمرًا واقعًا يجب التعامل معه، وجب علينا إعادة تحليل الموقف ووضع توصيّات لخارطة طريق حتى نطوّر من مصارفنا مع عدم إغفال التحدّيات التي ستواجهنا.

على الجميع إدراك أن هذا التحوُّل لن ينجح فقط بمشاعر المطالبة بتحكيم الشرع ومنه منع الربا، بل يجب اللجوء إلى المختصّين ودراسة تجارب الصيرفة الإسلاميّة، والمضي فيه بتريُّث حتى لا تفشل التجربة، وحتى نتفادى تداعيات ذلك على الاقتصاد والمواطن الليبي.

أول هذه التحدّيات، هو أنّ المؤتمر الوطني العام اختار أن يكون نظام الصيرفة الإسلامية هو الوحيد الذي يتم التعامل به من أول سنة 2015. هذا تحدٍ كبير في حد ذاته؛ لأنّ أمثلة النظام الواحد (الإسلامي) ليس لها تاريخ جيد، وهنا وجب ذكر مثال دولة السودان التي تعتمد نفس النظام المنشود بليبيا، وللأسف المثال السوداني إلى الآن غير ناجح.

وتعتمد، كذلك، دول كثيرة كالسعودية وقطر وتركيا والإمارات، وماليزيا على وجود النظام الربوي، بجانب النظام الإسلامي للصيرفة، وتترك حرية الاختيار للعميل (العامة). وإحقاقًا للحق، نظام الصيرفة الإسلامية ما زال وليد النشأة، وتجربته محدودة، ولذلك في رأيي أنه من الظلم اتّباع نظام الصيرفة الإسلاميّة فقط في ليبيا، مع تفهُّمي لمن ينادي بتحريم الربا في المجتمع، وما له من فضل.

التحدي الثاني، هو تاريخ تطبيق قانون الصيرفة الإسلاميّة، وهو وضع المصرفيين والاقتصاديين عمومًا في مأزق شديد؛ نظرًا لضيق الوقت.

هذان هما أهم التحدّيات التي تواجه القطاع المصرفي في ليبيا الآن، وتطبيق هذا القانون في موعده سيكون له تأثيرٌ مباشرٌ على التنمية الاقتصادية المنشودة؛ نظرًا لأنّه لا يمكن إغفال الدور المصرفي في العملية الاقتصادية لأي دولة.

الحل أو الحلول موجودة ولكن يبقى ما هو أهم منها وهو التوافق عليها واعتمادها، وذلك من منطلق الصالح العام للاقتصاد الليبي عمومًا والقطاع المصرفي خاصةً. وأول هذه الحلول، هي مد فترة التطبيق، فمن الناحية العملية والواقعية، يجب إتاحة عشر سنوات، على أقل تقدير، لكي يتم تطبيق القانون. لماذا هذه المدة الطويلة؟ الإجابة، إنّ مثل هذا التحوُّل يحتاج إلى رؤية واستراتيجية وخطة، ومن الصعب عمل ذلك في بضع سنوات، فما بالك في سنة واحدة.

أولى هذه الخطط هو الاهتمام بالكادر المصرفي، وذلك يبدأ من التعليم الجامعي، فيتحتّم وجود الصيرفة الإسلامية كمادة أساسيّة في كلية الاقتصاد، حتى يتسنّى للطالبِ الجامعي التعرُّف على نظام الصيرفة الإسلامية، ومن ثَمَّ إعداده بالشكلِ الصحيح للمجال التطبيقي.

يجب، كذلك، إنشاء معهد مصرفي متطوُّر، ليوفّر التدريب المهني المطلوب للكادر المصرفي الحالي والمستقبلي، وهذا من شأنه توفير شهادات معتمدة من المعهد، وتكون مقبولة بشكلٍ واسعٍ من المصارفة عامة. أمّا عن المعهد نفسه، فيجب على المصرف المركزي أخذ المبادرة على إنشائه، وممكن أن تكون للمصارف المُختلفة حصص في رأسمال إنشائه.

بالطبع يعدّ الاهتمام بالكادر البشري جزءٌ من استراتيجية عامة للقطاع بأكمله، هذه الاستراتيجية يجب أنْ تكون بأهداف محدّدة وجدول زمني نافذ.

وباعتقادي، أن أول ما يُمكن تطبيقه في القطاع المصرفي هو فكرة مشروع تجريبي، ويكون ذلك المشروع هو اختيار مصرف أو اثنين على أقصى تقدير، والعمل على تحوُّلهم إلى الصيرفة الإسلامية كاملة في خلال خمس سنوات. وذلك لا يمنع على المصارف الأخرى تطبيق فكرة منافذ الصيرفة الإسلاميّة من خلال فروع متخصّصة. الخمس سنوات مطلوبة حتى يتسنّى للمركزي، وإدارة المصرف المُختص تقييم أداء المصرف من خلال اتّباعه الصيرفة الإسلامية والعمل على تدارك الأخطاء التي ستظهر بكل تأكيد مع مرور الوقت. أيضًا، سيتيح ذلك لإدارة المصرف وضع سياسة تدريبيّة متخصّصة لموظفي المصرف؛ بحيث أن تكون متوسطة إلى طويلة المدى لتخريج دفعات مُحترفة قادرة على إتمام ذلك التحوُّل.

التحوُّل إلى الصيرفة الإسلامية ليس مستحيلاً، ولكن يبقى على الجميع إدراك أن هذا التحوُّل لن ينجح فقط بمشاعر من يطالب بتحكيم الشرع ومنه منع الربا، بل يجب اللجوء إلى المختصّين وأخذ رأيهم، ويجب دراسة الواقع الدولي لتجربة الصيرفة الإسلاميّة، والمضي فيها بشكلٍ فيه تريُّث حتى لا تفشل التجربة، ويجب ذكر أنه إذا فشلت ستكون تداعيات ذلك كبيرة على الاقتصاد والمواطن الليبي الذي لا يزال يطمح في رؤية ثمار ثورة السابع عشر من فبراير، فرجاءً لا تخيّبوا آماله.