Atwasat

ليبيا في خطر شديد

محمد عبد المطلب الهوني الأربعاء 28 يناير 2015, 01:23 مساء
محمد عبد المطلب الهوني

اليوم وبعد انقضاء حوالي أربع سنوات على الأحداث الدّامية التي عرفتها ليبيا، وانتهت بإسقاط نظام القذّافي، مازالت البلاد تتقلّب في دوّامة العنف، ولم تفلح في إيجاد الطّريق الذي يخرجها من هذا النّفق المأساويّ.

لن أدخل في جدل عن أسباب الكارثة والمتسبّبين فيها. لكنّني أودّ فقط أن أنبّه أبناء وطني إلى بؤس المصير الذي ينتظرهم إن هم استمرّوا في إذكاء هذه الحرب الأهليّة، ولم يجدوا صيغة سريعة للتّوافق توصلهم إلى إعادة إنشاء الدّولة الوطنيّة الحاضنة والحامية للجميع. وسوف أحاول بأقصى ما أستطيعه من برود عقليّ أن أضع تصوّري للمرحلة القادمة، وأتمنّى على كلّ المثقّفين، والفاعلين السّياسيّين مناقشة هذا التّصوّر بعد قراءته بدون نظّارة إيديولوجيّة مضلّلة، وبمعزل عن الاصطفافات القبليّة والجهويّة، لفهم الواقع كما هو لا كما يتمنّاه أيّ طرف من الأطراف.

سأطرح في هذه المقالة القصيرة أمرين أحدهما نتيجة متيقّنة والآخر تصوّر محتمل. أمّا النّتيجة المتيقّنة التي أطلق عليها هذه الصّفة الوثوقيّة لأنّها تتناول أرقاما لا آراء، فهي الحالة الاقتصاديّة والمعيشيّة للشّعب اللّيبيّ خلال الأشهر القادمة.

وتتلخّص في الآتي : كلّ اللّيبيّين يعلمون أن ليس لهم مصدر للدّخل غير النّفط وأنّ إنتاج النّفط قد تدنّى إلى أقلّ من احتياجات الاستهلاك الدّاخليّ، والذي يقدّر بحوالي 250 ألف برميل يوميّا. وبما أنّنا ننتج اليوم حوالي 250 ألف برميل نفط، فلم يعد ثمّة ما نصدّره للخارج إلاّ ما يعاد إلينا في شكل مشتقّات تبيعها الدّولة في السّوق المحلّيّ للمواطنين بأسعار مدعومة من الخزينة العامّة. وإذا أضفنا إلى هذا كلّه أنّ سعر برميل النّفط قد وصل إلى 45 دولارا في السّوق العالميّة، استطعنا أن نتبيّن حجم الكارثة، حيث أنّ إنفاق الدّولة على مرتّبات موظّفيها يصل إلى 23 مليارا ليبيّا في السّنة، أي ما يعادل 19 مليار دولار. معنى ذلك، وحتّى تستطيع الدّولة أن تسدّد مرتّبات موظّفيها، فإنّها تحتاج إلى 52 مليون دولار في اليوم، أي إلى بيع مليون و155 ألف برميل يوميّا. فإذا أضفنا إليها كمّيّة الاستهلاك الدّاخليّ، وكذلك حصّة الشّريك الأجنبيّ، وجب على الدّولة أن تنتج مليونا وثمانمائة وثلاثة آلاف برميلا يوميّا، وذلك لدفع المرتّبات فقط. مع أنّ ليبيا لم تكن تستطيع في أحسن أحوالها أن تنتج أكثر من مليون و300 ألف مليون من البراميل في اليوم. إذن، كيف نستطيع أن ندعم الموادّ الغذائيّة والأدوية والكهرباء وننفق على الخدمات العامّة وصيانة المرافق حتّى لا نتكلّم عن التّنمية، والبنية التّحتيّة، وإعادة الإعمار؟


وبما أنّ ليبيا اليوم لا تصدّر للأسواق أيّ كمّيّة من النّفط، فمعنى ذلك أنّنا مقبلون على كارثة تتمثّل في نقص حادّ للموادّ الغذائيّة قد يصل إلى حالات المجاعة، والانقطاع الكامل للكهرباء والمياه، والمحروقات والاتّصالات، خلال أشهر قليلة من الآن. وهذا ما سوف يترتّب عنه نزوح الفقراء، وهم أغلبيّة الشّعب، إلى مخيّمات الإغاثة في دول الجوار إذا ما وجدوا مغيثا. عدا ما سوف يحدث من أوبئة وجرائم بفعل نقص الغذاء.

كلّ اللّيبيّين يعلمون أن ليس لهم مصدر للدّخل غير النّفط وأنّ إنتاج النّفط قد تدنّى إلى أقلّ من احتياجات الاستهلاك الدّاخليّ

هذا ما هو متيقن وأكيد من خلال الأرقام. أمّا عن التّصوّر المحتمل الذي يمكن أن تختلف فيه الآراء، وعلى الجميع أن يدلوا فيه بدلوهم، حسب اطلاعهم على الأحداث ومعرفتهم بالوقائع، وتحليلهم للمعلومات، فهو بداية مرحلة إدارة التّوحّش من قبل دولة الخلافة في ليبيا. فإنّ اختفاء الدّولة في هذه الأعوام المنصرمة والكمّيّة الرّهيبة من الأموال التي نهبت من خزينة الدّولة، وكمّيّة السّلاح التي استولى عليها النّاس من معسكرات النّظام السّابق قد جعلت من ليبيا الملاذ الآمن للتّنظيمات المتطرّفة تدريبا وتمويلا وتنظيما وحشدا. تقول بعض التّقارير الأوروبّيّة أنّ المتشدّدين في جنوب البلاد يدرّبون أكثر من 300 شخصا في كلّ شهر منذ فترة طويلة. وإذا أضفنا إلى هذا المشهد استيلاءهم على مدن بكاملها مثل درنة وسرت وصبراطة وبعض الأحياء من العاصمة طرابلس وكذلك خلاياهم النّائمة في كلّ المدن اللّيبيّة، وإذا أضفنا إلى كلّ ذلك العوز والفقر القادم والنّقمة التي تصاحبه، والتي سوف تعزّز مخزون الدّولة الإسلاميّة بجيوش احتياطيّة، فإنّ الأمر أضحى أشدّ خطورة من أيّ وقت مضى.

لكلّ هذه الأسباب فإنّني أتوقّع، وأرجو أن لا يتحقّق هذا، اجتياحا كاملا لتراب الوطن، من جيش دولة الخلافة الإسلاميّة، وذلك باتّحاد القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميّ وأنصار الشّريعة وأتباع داعش الذين أعلنوا الولاء للبغدادي.

وإذا حدث ذلك فإنّ هذا الجيش لن يفرّق بين المتقاتلين اللّيبيّين المنقسمين بين قوات الكرامة وقوات فجر ليبيا، وإنّ سيوفهم لن تفرّق بين أعناق الليبراليّين والإسلامويّين، فتدخل ليبيا في معركة أمميّة ضدّ بقيّة العالم.

إذا حدث ذلك فسوف نودّع فكرة الوطن الليبيّ وإلى الأبد. نحن جموع المسالمين العزّل، لا نملك اليوم غير الدّعاء، لأنّ مصائرنا قد سلّمناها إلى فوهات المدافع منذ أربع سنوات.