Atwasat

وجهة نظر في الحوار

يونس فنوش الإثنين 19 يناير 2015, 02:04 مساء
يونس فنوش

بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد من الهزل والتلاعب بالمسميات والمصطلحات لم يعد بوسعي إلا أن أعبر عن موقفي ورأيي بمنتهى الصراحة والمباشرة..

لقد كنت منذ البداية رافضاً لفكرة الحوار، انطلاقاً من التساؤل عن معنى الحوار ومبرراته وأطرافه.. وكنت لا أجد معنى ولا مبرراً لحوار مع أولئك النواب الذين رفضوا الالتحاق بمجلس النواب، وأخذوا يمارسون مختلف الألاعيب لعرقلة عقد المجلس جلساته، وأصروا على أن يجعلوا من مسألة التسليم والاستلام، عقبة وإشكالاً، وظلوا يصرون على أن يتم التسليم المزعوم في طرابلس، وهم يعلمون جيدا أن هذا غير ممكن من الناحية الأمنية، ولا معنى له من الناحية الإجرائية والقانونية، ثم أخذوا يثيرون الشبهات المختلفة حول عقد المجلس جلساته في مدينة طبرق.

وكنت أقول إن من غير المنطقي ولا المعقول أن تفرض هذه الأقلية(النواب المقاطعون لا يزيدون على عشرين عضوًا) رأيها وموقفها على تلك الأغلبية من النواب الذين تجاوز عددهم في جلسة المجلس الأولى مائة وخمسين عضوا. وكان المنطق أن يأتي هؤلاء إلى المجلس ليعبروا عن رأيهم وموقفهم ويدافعوا عنه بالأسلوب السلمي الديمقراطي.

من ناحية أخرى رفضتُ بشكل مطلق وكامل أي حديث عن حوار مع شيء يسمى المؤتمر الوطني العام. فمن المسلم به منطقا وقانوناً أن المؤتمر الوطني العام انتهى من الوجود يوم الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب، ومن ثم فليس ثمة أي معنى لحديث عن مؤتمر وطني يعود إلى الحياة بعد أن أعلنت نهايته، بالإعلان عن ولادة الجسم المنتخب البديل(مجلس النواب).

للأزمة الليبية طرفان بالتحديد هما: الطرف الذي يملك القدرة على التأثير وهو الذي يملك السلاح ولم يتردد في استخدامه لشن الحرب على مواطنينا ومؤسساتنا، والطرف الثاني هو المؤسسات الشرعية الممثلة للدولة الليبية

أما من ناحية ثالثة فإني لم أجد وما زلت لا أجد معنى لحوار مع تلك الفئة التي لم تسلم بخسارتها السياسية في الانتخابات، فشنت حربا حقيقية هوجاء من أجل إدامة هيمنتها على السلطة، فدمرت مقدرات الدولة وقتلت وهجرت مئات الآلاف من المواطنين، وسعت إلى فرض هيمنتها وسلطتها على مساحة من أرض الوطن، انطلاقا من السيطرة على العاصمة طرابلس، ثم محاولة إحياء المؤسسة التشريعية المنتهية، واختلاق حكومة تسعى للتحكم في ما بقي من مؤسسات الدولة في العاصمة.

ولا أجد ما أصف به هذه الفئة التي أنشأت حلفاً بين الميليشيات المسلحة التي تشن الحرب والجماعات الإرهابية ورماد المؤتمر الوطني إلا أنها فئة انقلابية، هدفها السيطرة على السلطة بقوة السلاح والإرهاب، ومواصلة التحكم في مقدرات البلاد. وأنها لا علاقة لها بثورة 17 فبراير وأهدافها، وما تدعيه من أنها تواجه أزلام النظام السابق، وما تقول إنه ثورة مضادة.. وما إلى ذلك من ترهات.

من هذه المنطلقات والقناعات رفضت ولا أزال أرفض هذا الحوار المزعوم الذي تروج له بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وما زلت لا أرى تصنيفاً مقنعاً لأولئك الذين شاركوا في جلسة الحوار في جنيف، وبأي معنى يعدون أطرافاً في الأزمة الليبية، لأني لا أرى لهم أي قدرة فعلية على التأثير في معطيات ومجريات الأزمة على الأرض.

فلنتحدث بصراحة وواقعية، إن للأزمة الليبية طرفين بالتحديد هما: الطرف الذي يملك القدرة على التأثير وهو الذي يملك السلاح ولم يتردد في استخدامه لشن الحرب على مواطنينا ومؤسساتنا، والطرف الثاني هو المؤسسات الشرعية الممثلة للدولة الليبية: مجلس النواب والحكومة المؤقتة والجيش الوطني.. هذان هما الطرفان اللذان يملكان وضع حد للمأساة، وذلك بأن يعلن الطرف المعتدي الخارج عن شرعية الدولة توقفه عن الحرب والقتال، ثم يسحب قواته خارج المناطق التي يحتلها في طرابلس وما حولها.. وبعد ذلك يمكن أن يجلس الطرفان على طاولة حوار لبحث شروط وأسس الانطلاق إلى المرحلة التالية، ووضع آليات التعامل مع آثار الحرب وما تسببت فيه من أضرار ومشكلات وحزازات. وعلى هذا النحو لن تكون هناك أية قضايا أو جزئيات غير قابلة للنظر والحل.