Atwasat

من أين تبدأ والطرق.. تصادرها مليشيات مسلحة ؟!(رسالة إلى ولدي وأترابه)

رضا بن موسى السبت 10 يناير 2015, 03:57 مساء
رضا بن موسى

كيف يكون بإمكانك أن تعرف طريق المستقبل الجميل ولا ضوء في هذا النفق- المتاهة (الدرب الذي يحاولون أن يكون الوحيد المسموح لك بالسير فيه)، حاملا في قلبك أماني طيبة في حياة كريمة، ولكن أذرع الوحوش الهائجة تجذبك وتلقي بك في أتون جحيم يشوه جمال الروح ويفني الجسد.

كنت تحلم، ولاتزال، وأنت الطالب في المدرسة والجامعة، بأن تعد ذاتا فعالة قادرة بالفعل على المساهمة في بناء عالم أفضل، فأنت- في زمنك- كما الإنسان دوما- وفي كل وقت- يسعى لأن يكون مشاركا مبدعا وخلاقا، لكنهم- الضحايا العبيد- ما انفكوا يسعون لتأميم أحلامك بأغلال ماضيهم حيث عاشوا زمانا طويلا مسحوقين في قبور الظلم والتعسف.

تشرع في طرح الأسئلة: من أنا؟ وكيف أكون؟، فهذا جوهر أساسي فينا أن يفكر المرء وأن يطرح الأسئلة، عندما يخطو خطواته الأولى نحو التحقق، وكلما واجهته عوائق وحواجز وقيود، يجتهد في كل أوان أن يجد أجوبة التحدي لحاضره ومستقبله مشاركا بالحب أخوته البشر.

لماذا يغرقوننا ويغرقونكم في وحل البالوعة الفاشستية القذرة والتي يتوجب عليهم وعلينا معا أن نعمل لتهيئة مناخ التجاوز والتخطي لها بمصالحة وطنية عادلة

لعلك تساءلت -وأندادك- محتجًا على قدرك الوجودي أن تولد هنا في هذا الوطن- وتراه ساحة للدم والخراب الآن، وكنت تنشد أن تراه فضاء للحرية- وتقارن بما عرفت عن بقاع بلاد أخرى، يتسع أفقها باتجاه الحرية والعيش الكريم. لماذا أنا هنا؟. وإذ لم تجد إلا إجابة القدر ورضيت مجبرا بالوطن أسرة وأصدقاء وأحبة، فلم تتوقف الأسئلة: لماذا يُغتال ربيع الوطن- ربيعنا الذي تفتقت براعم أزهاره. وتقول ويقول أترابك: لكم ماضيكم نعم، ولكن المستقبل لنا، المستقبل الذي يبدأ الآن وليس غدًا.

ولن تتوقف بالطبع احتجاجاتكم مادامت هناك قوى- تشعل النار في كل مكان ولم تتوقف للتفكر والتمعن فيما يحدث من تداع وتفكك وانهيار لبلادنا، التي ليس لنا ولكم فيها إلا خيار العيش بكرامة وفي أمن وسلام؟ أو موتا أو غربة؟! هل هناك غير الإبداع عملا آخر يليق بالبشر؟!. لم يمهدوا الأرض فضاء للبناء، بل نصبوا منارا من دم لا ترثون منه إلا الكراهية والبغضاء. لماذا يدمرون بلدهم- ماضيهم- وحاضرنا المشترك- ومستقبل أيامكم.
لماذا يجعلون من سواعدكم أدوات تدمير وتخريب؟ لماذا يغرقوننا ويغرقونكم في وحل البالوعة الفاشستية القذرة والتي يتوجب عليهم وعلينا معا أن نعمل لتهيئة مناخ التجاوز والتخطي لها بمصالحة وطنية عادلة. فإذا هم لم يتعلموا من سيرة العطب سوى دروس الحقد والدم والخراب بدلا من تصيد الفرصة التاريخية في أن نتعلم شق الطرق باتجاه عالم أكثر عدلا وجمالا وبهجة.

لقد صيركم هذا العمى الجمعي حطبا للمتاريس ووقودا للاقتتال الدموي ولدمى يحركها أباؤكم-أمراء الخيبة وتلاميذ عصر الظلام الطويل وضحايا القمع الفوضوي، الذين أصيبوا بعدواه، فصاروا جلادين لكل الأهل، أخوتهم، ولكم انتم، أبنائهم، عماد المستقبل.

لا معنى، وغير مجد، أن نخاطبكم بطلب السماح لأننا جئنا في زمن الفوضى والثورة ولم يكن بوسعنا تبادل المحبة ولم نستطع تنظيم قوى الديمقراطية والعدل والتقدم في مؤسسات راسخة. لن نبرر تعثرنا التاريخي بسبب الفاشية والاستبداد وضعفنا بالظروف الموضوعية مع أن بعضنا قد حاول أن يبذر فعلا واعدا. لم يتوقف النضال واستمرت المقاومة ودفع كثيرون مقابل ذلك تضحيات النفي والغربة والسجن، بل شهداء هم أحياء في ذاكرتنا وذاكرة الوطن.

هل نقول أن وجودنا نحن الأباء ضرورة، سنظل نعتقد كذلك، ولكنها ليست وحدها الضرورة، وهي ليست قاهرة ولا كلية، حيث أن وجودكم هو الأكثر ضرورة وهو الأهم والفاعل الأكثر إيجابية في المنظمات والمؤسسات والمنتديات المدنية وفي الشوارع والميادين حيث تفجرون ينابيع الفرح والبهجة والفعل المثمر من أجل بناء الوطن ضد الحرب والإرهاب والدمار.
نعم، بدونكم لايكفي... فماذا أنتم فاعلون؟!