Atwasat

تفكيك أزمة الصندوق الأسود الليبي(1) (شفرة الحل)

محي الدين كانون السبت 22 نوفمبر 2014, 12:33 مساء
محي الدين كانون

توصيف:
في توصيف عقل انفصامي ـــ وقد انبرى لفك أزمة عامة لتوه، قد يكون المتسبب في تفاقم الأزمة نفسها .... وبدلا من أن ينجح في علاج موضوعها، يكون قد أفسدها برمتها، وفاقمها إلى حدود ما بعد الأزمة نحو الكارثة، وهنا يسعفنا دارج الكلام اليومي: أراد(يسوي الفتيلة .....أعماها )، بيد أن الأزمة والمتأزمين وضعا في سلة واحدة لهذا السبب، وفي حال أسوأ من ذي فبل فقد أراد الانفصامي البائس، أن يصلح ذات الشيء لكن ليس بمقياس الموضوعية التي لا يعرفها.. فلو دك دماغه من قبل/ كلود برنارد /وآينشتاين / وابن الهيثم بمنهج الموضوعية فلن يخرجوه من ذاتيته المقموعة الضيقة إلى فضاء الموضوع الأرحب إلاّ بنزع الروح منه. وبمقياس تشوشه العقلي الذي لا يفلح في أن يرى ما هو أبعد من أرنبة أنفه، لم يجعلنا نرى الأشياء بوضوح، بل علي النقيض جعلنا لا نرى غير الأشباح... بل خدعنا وزوّغ علينا الرؤية نفسها، وأبعدنا عن فئة الحل الموضوعي الصحيح بمسافات، وتركنا في حيص بيص... إن لم يكن نذير كارثة قادمة.

البديهة:
البديهة أن العقل المأزوم أو المتأزم لا يحل إشكالا ولا يفك أزمة، ولكن إذا ما قدر لهذا العقل أن يدير أزمة في مجتمع مأزوم بالأساس فتوقع العطالة والتخبط والتشويش، كما توقع في حالتنا الإفلاس ونهاية الدولة وربما الخراب، فماذا يمكن أن نتوقع بالأساس من مجتمع مأزوم ومن إدارة مأزومة غير فئة الحل السهل والعلاج الأسهل ..... نعني الدم ثم الدم... والخراب ثم الخراب.... والتعطيل ثم التعطيل وأخيرا هدر كل الإمكانيات، القول المأثور:(خراب روما )؟!

... وبتوصيف محاولة عقل انفصامي في مجتمع انفصامي لحلحلة أزمة تمس كيانا عاما.... بأنه - حتما - سيزيد ويوسع من نطاق تفاقم التأزم إلي رتبة أخري هي أقرب إلي درجة الكارثية كما وصفناها بالبداهة وتحصيل الحاصل، يمكن القول بأن هذا الوصف فوق أنه منطقي هو أرجح احتمالا... خاصة إذا ما تولي هذا العقل المنفصم بقضه وقضيضه فعلا إدارة الأزمة العامة وتوليه شأنها العام، فإن التوصيف الآنف ينطبق علي الحالة الليبية بامتياز منقطع النظير على مدى أربع سنوات خلت مقدمات ونتيجة، إنها :(الفوضى اللاخلاقة).

صندوق الرمال:
ألهذا الحد بلغت الحالة الليبية، وكانت عصية ومستعصية ؟! من صندوق الرمال إلي الصندوق الأسود!! ألهذا الحد كان صندوق ليبيا الأسود عالقا في التاريخ، وفي متاهة الصحراء، وسرابها الذي يظنه الظمآن ماء فينكشف أنه مجرد رمال متحركة دون ماء؟ فما هي ليبيا بالنتيجة..؟! أهي معبر ومحطات عابرة مؤقتة لمشروعات حضارية متباينة وافدة عابرة من الشرق والجنوب والشمال، من الفينيقيين والإغريق والرومان والفندال والعرب والإسبان والأتراك إلى الأوربيين؟! أكلّ هؤلاء قد ترك بصمة وشاهدا يدل عليه في قليل أو كثير علي أرض ليبيا الكبرى؟! أهو أثر بعد عين من عابر جديد علي غابر قديم؟! وقد تدهشنا في هذا المقام سخرية أبي العلاء المعري البليغة عند قوله:(رب لحد قد صار لحدا مرارا *** ضاحك من تزاحم الأضداد) فأينّه المواطن الليبي تحديدا من هذا الركام الطويل المتطاول منذ الألف الأولي قبل الميلاد؟! وأينه من(تاريخيته) قبل الألف الأولى وحتى مطلع الألف الثالثة بعد الميلاد؟! ومن هو الليبي وما هو تكوينه، إن لم يكن من هذه المكونات وهذا الركام الفسيفسائي العريق؟! من هم الليبيون أصلا ؟ هل هم رعاع يجمع بينهم المكان أولا ثم القبيلة ثانيا في صندوق الرمال المفتوحة بما يمثل البوتقة التي تنصهر فيها ليبيا الكبرى بأطيافها عبر الأزمان، وتتراكم من خلال زحوفات الوافد الخارجي الذي لا يكل، فيحافظ المكان البطل عل حدوده، ويصهر من له قابلية الانصهار دونما انقسام يفرق بين ساكنيه؟! أهم شعب أو شعوب من قبائل بدو رحل لغتهم الرمل أو زراع واستقرار لغتهم الطين أو باختزال شديد هم عجين من رمل وجبل وطين وبحر؟! هل شفرة الإسلام عقيدة التوحيد ولغته العربية العبقرية هي ما جمعت الصحراوي والجبلي والساحلي في بوتقة المكان البطل المتنوع وفي فضاء الحضارة الإسلامية السمحة لمدى قرون؟ وهل الإسلام هو المعنى الحقيقي كثقافة للتجمع المدني السياسي في ليبيا... وهل هناك غيره؟!

لا نريد في هذه العجالة أن نستبق باستبطان الأنا الليبية في التاريخ، بما يوقفنا علي أصل مكونات الحاضر الليبي الراهن، أو الكشف عن بصماته التاريخية التي تدل على هوية الحاضر، و مخاضاته- بمعنى الحفر الجينالوجي للذات الليبية ومكوناتها عبر التاريخ ــ إنما نريد في جدل صاعد أن نوظف التحليل من مرتهانات الحاضر الليبي بخصوصية ليبية واقعة تنفرد بها في التاريخ وتتميز بإيقاعها الخاص دون غيرها من البلدان والتخوم المجاورة على الرغم من انتسابها جميعا لأرومة واحدة منذ العصر الوسيط ثقافة ولغة ومصيرا حتى العصر الحديث وقد تحددت مكونات الجغرافيا السياسية المعاصرة للإقليم قبيل الحرب العالمية الأولى بمبضع الجراح الاستعماري و بغرفة عمليات( سايكس بيكو)*.. فلا عجب من أنه إذا ما عرفنا ماذا سيحدث في مصر سنعرف أيضا ماذا سيحدث في ليبيا... وبالطبع مع الفارق الكبير؟!....

* اتفاقية سايكس-بيكو أبرمت في شهر يوليو سنة 1916، واندلعت الحرب العالمية الأولى قبل ذلك بسنتين، في 28 يوليو 1914.(المحرر).