Atwasat

خدعوك فقالوا «قالت هيلاري كلينتون»

إبراهيم اغنيوه الإثنين 17 نوفمبر 2014, 03:30 مساء
إبراهيم اغنيوه

نتيجة لتجربة مررت بها بخصوص المصادر «الرئيسية» للمعلومات والأخبار، ومصادرها الثانوية أو الفرعية، تعلمت أن أذهب للمصدر الرئيسي للمعلومة أو الخبر للتأكد من صحتها، كلما أمكنني ذلك، خاصة عندما تكون المعلومة أو الخبر منشورة في وسيلة إعلامية «عربية»، بينما مصدرها الرئيسي وسيلة إعلامية «أجنبية».

ولقد قرأت مؤخرًا خبرًا «مُفبركًا» تداولته بعض وكالات الأنباء العربية والصحف العربية والقنوات الفضائية العربية وصفحات التواصل الاجتماعي العربية، وقد تحصل هذا الخبر على إعجاب آلاف المعجبين والمعجبات، مما ينبئ بأنَّ قراء وقارئات هذا الخبر، صدقوا فحواه، أو هم أرادوا تصديق ذلك، لمجرّد أنّه نُشر بوكالة أنباء عربية مشهورة أو قناة فضائية عربية معروفة.

فحوى الخبر كالتالي: «فجّرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتاب لها أطلقت عليه اسم (خيارات صعبة)، مفاجأة من الطراز الثقيل، عندما اعترفت بأنَّ الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يُسمى بتنظيم (الدولة الإسلامية) في العراق والشام (داعش)، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط».

لماذا جزمتُ بأنَّ الخبر «مُفبرك»؟!

لأنني كنت قد قرأت كتاب السيدة هيلاري كلينتون «خيارات صعبة» في نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية الصادرة في يونيو 2014م، ولم أتذكر أنني قرأت فيه المعلومة المذكورة في الخبر المفبرك المنشور في بعض وكالات الأنباء العربية والصحف العربية والقنوات العربية وصفحات التواصل الاجتماعي العربية.

نصيحة لكل مَن يقرأ خبرًا أو معلومة أن اتعب نفسك قليلاً واذهب إلى حيث المصدر الأصلي

ولزيادة التأكد قمت بقراءة الكتاب مرّة أخرى، بغرض البحث عن المعلومة الكاذبة هذه المرة، ولم أجدها أبدًا.

وكما يبدو، فإنَّ الأمر لا يعدو كون البعض ممن لديهم أغراضٌ وأهدافٌ سياسية أو مذهبية معينة، كذابين مخادعين يدعون أنَّهم قرأوا كتابًا ما بلغة أجنبية، ثم يكذبون فيكتبون ما يريدون ويفبركون أخبارًا كما يشاؤون، ويقولون إنَّ المصدر كان كتاب السياسي الفلاني أو الرئيس الفلاني، لاعتقادهم ـ وربما لإيمانهم القاطع ـ بأنَّ قراءهم لن يرهقوا أنفسهم بالذهاب إلى المصدر الرئيسي للبحث والقراءة، خاصة إذا كان حجم الكتاب كبيرًا ومكتوبًا بلغة أجنبية مثل كتاب «خيارات صعبة» للسيدة هيلاري كلينتون.

وقد جاء في الخبر المفبرك أيضًا أنَّ السيدة هيلاري كلينتون ذكرت في كتابها أنَّ أميركا اتفقت مع الإخوان المسلمين على قيام دولة إسلامية في مصر، وأنها كانت على وشك التدخل لحماية نظام الإسلاميين في مصر في يونيو 2013م، إلا أنَّها فوجئت بوسائل دفاعية مصرية فائقة التطور روسية الصنع، جعلت «الأساطيل الأميركية!!» تنسحب في هدوء... وطبعًا لم تذكر السيدة كلينتون هذا الكلام في كتابها أبدًا.

ماذا قالت السيدة كلينتون إذن في كتابها «خيارات صعبة»، عندما تحدثت عن مصر؟

فيما يلي «بعض» ما ذكرته السيدة هيلاري كلينتون في كتابها «خيارات صعبة»:
قالت السيدة هيلاري كلينتون إنَّ بعض الصحفيين والسياسيين الجمهوريين الأميركيين يتهمونها بأنَّها مع حكم الإخوان الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط، وإنَّ مساعدتها ـ مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية ـ السيدة هوما عابدين، عميلة للإخوان المسلمين، ونفت ذلك تماماً. وقالت السيدة كلينتون إنَّه في أحد المؤتمرات الصحفية وقف أحد الصحفيين ليقول هذا الكلام علنًا، فردت عليه بالنفي، بينما قامت مساعدتها السيدة «هوما عابدين» بمصافحة الصحفي المدعي، بعد انتهاء المؤتمر الصحفي، ونفت له نفيًّا قاطعًا أن تكون لها أية علاقة بالإخوان المسلمين، وطلبت منه إثبات ما قاله من كلام بخصوص تلك المعلومة المغلوطة.

وقالت السيدة هيلاري كلينتون في كتابها أيضًا إنَّها والرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته فوجئوا بموقف الإخوان المسلمين في مصر من حرب غزة في نوفمبر 2012م، حيث كان المتوقع أن تتحالف دولة الإخوان المسلمين في مصر مع الإخوان المسلمين في غزة «حماس»، ضد إسرائيل، إلا أنَّ محمد مرسي رئيس دولة الإخوان في مصر لم يفعل ذلك، بل كان وسيطًا ناجحًا ساهم في إطفاء نار الحرب في غزة، كما لم يطلب إخوان مصر بعد وصولهم للحكم إلغاء معاهدة السلام ـ معاهدة كامب ديفيد ـ بين مصر وإسرائيل.

وقالت السيدة هيلاري كلينتون في كتابها أيضًا إنَّها بعد وصول الإخوان المسلمين لحكم مصر، ظلت تقول لهم إنَّهم الآن مسؤولون ولهم دور هام في المنطقة، وعنت ضمنيًّا محاربة أعداء السلام في المنطقة «المتطرفين»، وتتذكر أنَّها قالت للرئيس المصري المعزول محمد مرسي : «ماذا ستفعل لإيقاف القاعدة إذا هاجمتكم في مصر؟» فقال لها: «ولماذا تهاجمنا القاعدة، نحن حكومة إسلامية»!!.

الخلاصة أنَّ بعض الكذابين المخادعين في بعض وسائل الإعلام العربية خدعوك فقالوا إنَّ السيدة هيلاري كلينتون قالت في كتابها «خيارات صعبة» «كذا وكذا»، والحقيقة أنَّ السيدة هيلاري كلينتون لم تذكر في كتابها ما جاء في الخبر المفبرك أعلاه والذي تلقفه بعض وسائل الإعلام العربية ونقله مئات المشتركين والمشتركات في صفحات التواصل الاجتماعي، وأُعجب به الآلاف من المعجبين والمعجبات.

نصيحة لكل مَن يقرأ خبرًا أو معلومة ـ ويشك في صحتها حتى بنسبة واحد في المائة ـ أن اتعب نفسك قليلاً واذهب إلى حيث المصدر الأساسي الأصلي، لمعرفة ما إذا كان الخبر أو المعلومة صحيحًا، فالمصادر الفرعية والثانوية كثيرًا ما تكتب ما تريد من كلام وتقول ـ كاذبة ـ إنَّ هذا الكلام قاله فلان أو فلتان، لتضفي عليه نوعًا من الأهمية والمصداقية، وذلك لتحقيق أغراض وأهداف سياسية أو مذهبية قد تكون خافية تمامًا عن القارئ.