Atwasat

«الميثاق الوطني».. طوق النجاة الأخير

يوسف عبدالهادي الأحد 16 نوفمبر 2014, 12:33 مساء
يوسف عبدالهادي

من خلال متابعتي الحوارات والملاسنات الدائرة بين محبي ودعاة عودة النظام الملكي «كشكل حكم» إلى ليبيا من جهة، وبين المعارضين لذلك الخيار من جهة أخرى فقد وجب التنويه إلى جانب مهم في هذا الشأن وهو في صلب هذا الجدال الحاصل وهو ما يتعلق بوريث عرش ليبيا «الأمير السيد محمد الحسن الرضا».

إن وريث عرش بلد ما هو ملك لم يتوج بعد في وطن قائم ومستقل ومعترف به، والمواطنون في هذا البلد سيُظلهم سواسية تاج هذا الملك العتيد، وهذا ما يفرض عليه أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وعليه أيضًا ألا يكون من رجال السياسة الذين يضطرون لقول ما لا يريدون، أو أن يفعلوا مالا يقولون لاسترضاء الشارع وكسب الرأي العام.

لقد لاحظت أن كثيرًا من الرافضين عودة الملكية إلى ليبيا دائمًا ما يلجؤون إلى طرح أسئلة من شأنها النيل أو التقليل من أهلية السيد محمد الرضا للحكم وهذا ناتج عن عدم الدراية ربما أو سوء الفهم، لأن مؤهل «وريث العرش» المطلوب في أنظمة الحكم الملكية الدستورية -والتي يملك فيها الملك ولا يحكم- لن يزيد على قدر من «عقل راجح ورصيد أخلاقي»، وأكاد أجزم بأن أحدًا منا لم يهتم مثلاً بالسؤال عن مؤهل ملك السويد أو وريث عرش هولندا للحكم.

ومن جهة أخرى ومن دون أن أتطرق إلى ذكر معاناة هذا الرجل -أقصد الأمير- وأسرته على يد النظام السابق أو الحديث عن جهده في مقارعة ذلك النظام، بل عن دوره في دعم نضال شعبه منذ انطلاقة ثورة فبراير بقدر ما يستطيع وفي حدود إمكاناته أقول:
إن توجيه أصابع الاتهام له من قبل البعض بالسلبية في هذه الظروف هو في الحقيقة ظلم صارخ، لماذا؟ لأني لا أعتقد أننا سمعنا عن جهة اعتبارية -منذ إطاحة نظام العقيد وبداية بما سُمي بالمجلس الوطني الانتقالي وإلى يومنا هذا- وجهت له دعوة حقيقية لتقديم مبادرة ما، أو حتى المشاركة في وضع تصور أو حل لمشكلة من المشاكل المتراكمة والتي تنذر بزوال ليبيا (التي نعرفها) قريبًا من الوجود، وبالتأكيد فإن رجلاً (في وضعه وظروفه) لن يُقدم على ذلك من تلقاء نفسه، فهو يعرف تمام المعرفة أن المناشدات التي تُوجه إليه من قبل أنصار الملكية بالتدخل وإبداء الرأي هي بالطبع لن تستطيع أن تدفع عنه تهمة «الطمع والتطلع» إلى حكم ليبيا.

ومن خلال استقرائي لشخصية الأمير السيد محمد وتتبعي لكلماته الموجزة التي وجهها لأبناء بلده في السنوات الماضية قبل وبعد الثورة أرى أنه قد قال فعلاً ما يجب على شخص في مكانه أن يقوله وبالتأكيد فلن يكون لديه ما يضيفه.

لقد التأم شمل الليبيين في 1950 وتوحدت بلادهم وسارت بخطوات متسارعة نحو الاستقرار والتطور بُعيد استقلالها مباشرة بفضل «ميثاقها الوطني الأول» وتحت ظل تاجها، كما احتفظ الوطن الليبي بعد انقلاب سبتمبر بكيانه الجغرافي والاجتماعي بفعل الأدوات القمعية (الأمنية) لذلك النظام، وقد لا نستطيع نحن من جديد أن نُحقق ذلك وفي هذه الظروف بالذات وفي غياب «رمزية» تجمع مكونات ورغبات الأمة الليبية.

أيها السادة والسيدات: إن هذا يمكن له أن يتحقق سريعًا لو قبل سواد الشعب الليبي بإعادة عقد هذا الميثاق الوطني من جديد والذي سيرتكز الآن على القبول بعودة الأمور إلى عهد الشرعية الملكية الدستورية الليبية، أي بعودة الأمور إلى ما قبل 31 أغسطس 1969، والعمل بدستور البلاد ولو لسنوات معدودة تمنح هذا الشعب المنهك شيئًا من الاستقرار ليُنظم أموره ويختار شكل دولته ونظام حكمه وينطلق إلى الأمام لتحقيق تطلعاته.

وأنا أرى أنه في ظل هذه التجاذبات المصلحية الحادة واللامعقولة الحاصلة الآن أن هذا الرجل الهادئ والذي صرح مرارًا بأنه في خدمة شعبه متى ما طُلب منه ذلك قد أثبت أنه على قدر كبير من الحكمة والتعقل وهو يصلح فعلاً لأن تتحقق به تلك الرمزية المنشودة.