Atwasat

الضرب بالدبوس!!

البدري محمد الشريف الإثنين 10 نوفمبر 2014, 01:51 مساء
البدري محمد الشريف

القتل والتشريد والتهجير والتخريب حالات عاشتها البشرية منذ بدئها وبصور عدة كالحروب الأهلية وحروب التوسع والاستعمار وحروب التحرير وأعمال العنف والقهر التي مارستها السلطات الحاكمة في الأنظمة الديكتاتورية وفي ممارسات الحركات الأيديولوجية المتطرفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. الإنسان رغم كل المآسي التي عاشها ظلَّ حريصًا على العودة للسلم والاستقرار، فطبيعة الإنسان أن يبحت عما يحيه لا عما يدفعه للموت.

من هنا فإنَّ فدول أوروبا والتي عاشت حربين عالميتين كان ضحاياهما عشرات الملايين وأدت إلى تدمير شامل لكثير من المدن، تجاوزت كل تلك الصراعات التاريخية وانطلقت لبناء كيان يجمعها وهو الاتحاد الأوروبي، يوحدهم ويحقق لهم التنمية والرخاء جميعًا.

حالنا كحال الجني المحبوس في زجاج

واليابان، التي ضُربت بقنبلتين نوويتين في هيروشيما ونغازاكي وما زالت آثار الإشعاعات النووية مؤثرة فيها حتى يومنا هذا، ومع ذلك لم يجعلوا الانتقام هاجسهم بل قبلوا الأمر الواقع بالهزيمة العسكرية وانطلقوا يبنون بلادهم وتركوا أمور الحرب، وها هم اليوم من أكبر الاقتصادات العالمية رغم شح اليابان من الموارد الطبيعية. شعوبٌ كثيرة عاشت حالات من الحرب الأهلية ليس فقط في دول العالم الثالث، بل أيضًا في أوروبا مثل اليونان وإسبانيا، وها نحن نشاهد كيف هو حال هذه الدول وما تنعم به من استقرار وتقدُّم.

كثيرٌ من الأنظمة الديكتاتورية سقطت واستطاعت هذه البلدان التغلب على جراحها والانتقال إلى الديمقراطية وانشغلت بالتنمية، مثل ما حدث في كثير من دول أميركا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي وأوروغواي وغيرها.
من هنا علينا أن نأخذ الأمور بعقلانية مستفيدين من هذه التجارب الإنسانية وننظر للأمور بنظرة مستقبلية، فنحن وأيًّا كانت أخطاؤنا، حتى وإن عشنا حالات من الانقسام والاحتراب الأهلي فالطريق يظل دائمًا مفتوحًا لعودة الوعي والحكمة وتقدير المصلحة الوطنية.

الحرب الأهلية خسارة لا منتصر فيها والسلام انتصار لنا جميعًا وكل شيء يمكن مناقشته ولابد أن نعطي الأمور وقتها حتى تنضج، فالله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام!!

شعوبٌ كثيرة عاشت حالات من الحرب الأهلية ليس فقط في دول العالم الثالث

علينا أن ندرك أنَّه لا توجد حلولٌ وقتية لكل شيء وأن الزمن كفيلٌ ليس فقط بتضميد كل الجراح بل بحل كثير من المشاكل لأنًّ أجيالاً إن ربيناها على العلم والمعرفة فستستطيع إيجاد الحلول بل وابتكار ما لا نفكر فيه نحن اليوم. أما موضوع الصراع على السلطة وهو السبب الرئيسي في ما نعانيه الآن فلنتفق على قواعد أساسية كما اتفق غيرنا من الذين نجحوا فنتفق على انتهاج طريق الديمقراطية وقبول الآخر وعدم استعمال السلاح لفرض رؤى معينة والاتفاق على التداول السلمي على السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

لا داعى للاستعجال للوصول للحكم، ففي العجلة الندامة حكمة تنطبق أيضًا على الطامحين أفرادًا وتنظيمات وصبر جميل يا إخواننا. أنْ تعيش ويكون لك حلمٌ للوصول إلى أهدافك خيرٌ من أنْ تنتحر فلا أنت من أهل الدنيا ولا أهل الآخرة.

نحن حالنا كحال الجني المحبوس في زجاج، إلا أنَّ للجنى قدرات إذا ما خرج من الزجاجة، أما نحن فنعتقد اننا قادرون ونحن دون ذلك، فحالنا الذي نعيشه يدل علينا!

نحن في حاجة لنعيش ونتعلم ونحاول تغيير حالنا بانتهاج أساليب العلم واتباع التفكير البنَّاء لا تفكير علي وعلى أعدائي ومعزة ولو طارت. لنبتعد عن عقلية «رومني وإلا أكسر قرنك» فنحن ليست لدينا قرونٌ ولا داعي لاستحضار مصطلحات وكأننا نعيش في غابة وليس في عالم متحضر.

لنأخذ راحة من أنفسنا! وإذا كان ولابد من الصراع وهناك إصرارٌ على فكر المغالبة واستحضار موروثنا العنتري والمهلهلي والكلثومي! فعلينا ايها السادة استعمال نفس أدوات الصراع التي كنا نستعملها وهي الدبوس أي الضرب بالعصي! على الأقل حينئذٍ نضرب بعضنا ولن يُقتل منا إلا القليل ولن ندمر بيوتنا ومنشآتنا وسينجو مِن ضربنا النساءُ والأطفالُ.