Atwasat

المجتمع الدولي وأهمية ترسيخ الشرعية في ليبيا

محمود الناكوع الإثنين 03 نوفمبر 2014, 10:52 صباحا
محمود الناكوع

عرفت ليبيا في 7 يوليو 2012 أول انتخابات تشريعية نزيهة باعتراف هيئات دولية وإقليمية، وشارك فيها الليبيون رجالا ونساء بحماسة كبيرة وبنسبة جيدة، ونتج عنها «المؤتمر الوطني العام» الذي كشف أثناء الممارسة عن ضعف في الأداء من جميع الوجوه، وكشف أيضا عن فقر مدقع في الثقافة الديمقراطية وما تتطلبه من سعة في الأفق، واستعداد لقبول التنوع وقبول الرأي الآخر، وقد يمكن إرجاع بعض أسباب ذلك إلى تركة مرحلة السلطة الاستبدادية الهالكة التي استمرت أكثر من أربعين عامًا.

ثم عرفت ليبيا الانتخابات الثانية في 25 يونيو 2014، والتي انتخب فيها الليبيون «مجلس النواب» في انتخابات نزيهة أيضا، وكانت تحت إشراف رقابة وطنية وإقليمية ودولية، ولكن المشاركة كانت ضعيفة مقارنة بالانتخابات الأولى، وعلى الرغم من ذلك فقد قبلها الليبيون وزكاها المجتمع الدولي واعترفت بنتائجها كل المنظمات الدولية والإقليمية وكل دول العالم، وخاصة الدول ذات الثقل، سواء في مجلس الأمن أو في الجامعة العربية أو في الاتحاد الأفريقي، أو في منظمة التعاون الإسلامي.

ترسيخ السلطة التشريعية من قبل المجتمع الدولي هي الأساس في تحقيق الحوار

وفور انتهاء هذه الانتخابات وظهور نتائجها وبدء الاستعداد لنقل السلطة التشريعية من المؤتمر الوطني إلى مجلس النواب، حدثت عدة إشكالات أمنية وسياسية وقانونية حالات دون عملية التسليم والتسلم بمسؤولية وسلاسة، كما كان يتوقع الشعب الليبي وتطورت المشكلة إلى تبادل الاتهامات، بل إلى صدام عسكري اختلط فيه الحابل والنابل، ودخلت فيه البلاد في شبه حرب أهلية مدمرة شعبيا، ومقلقة للجيران وللمجتمع الدولي، الذي وقف إلى جانب المدنيين أثناء الصراع الدامي مع حكم العقيد القذافي.

اليوم، وبعد تلك التطورات المؤلمة والمؤسفة يتدخل المجتمع الدولي بكل قوة لوقف الاقتتال، والعمل من أجل فتح أبواب الحوار بين كل أطراف الصراع.

ولعله من حسن حظ الليبيين أن تتبنى الأمم المتحدة رعاية هذا المشروع، ولعله أيضا من حسن حظ الليبيين أن تدعم الدول الكبرى في مجلس الأمن جهود الأمم المتحدة، كما أن الاتحاد الأوروبي يدعم تلك الجهود. وكل هذه القوى مجتمعة ومنفردة أعلنت عدة مرات مؤكدة اعترافها بشرعية «مجلس النواب» والحكومة والمؤسسات المنبثقة عنه وعن قراراته. والمجتمع الدولي لا يمكنه ولا يجوز له أن يتنكر لاختيار الشعب الليبي ومن انتخبهم، ولذلك فهو ملزم ديمقراطيا وأدبيا بأن ينحاز إلى الشرعية مهما كان حولها من بعض الاختلافات أو الأخطاء في الممارسات، فتلك الاختلافات أو الأخطاء تعالج بطرق كثيرة، ولكنها لا تلغي مؤسسة تشريعية منتخبة وتحت إشراف المؤتمر الوطني السلطة التشريعية السابقة.

من حسن حظ الليبيين أن تتبنى الأمم المتحدة رعاية هذا المشروع

إن ترسيخ السلطة التشريعية (مجلس النواب) من قبل المجتمع الدولي تظل هي الأساس في تحقيق الحوار والقبول به من جميع الأطراف، ولا شك أن ما يقوم به السيد برنادينو ليون، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، يمثل قيمة سياسية وإنسانية في معالجة الأزمة الليبية، كما أن مساعدته من عدة أطراف أوروبية وعربية تعتبر ضرورة لتكملة تلك المساعي الدولية، التي نأمل أن تنجح وأن تفوز بجمع تلك الأطراف، ليس فقط من أجل وقف الاقتتال، بل من أجل إيجاد حل سياسي توافقي، ويتم بضمانات دولية تحقيقا لبناء دولة العدل والقانون والتداول السلمي على السلطة. والكرة الآن في ملاعب الليبيين وعليهم أن يلتقطوا كرة الحوار والسلام، وأن يطفئوا كرة اللهب القاتلة، وكفى ما ضاع من أرواح وأوقات.

عن صحيفة الشرق الأوسط