Atwasat

شمال الشمال وجنوب الجنوب ( قراءة غير معمقة في أحداث المنطقة )

فوزي عمار السبت 01 نوفمبر 2014, 01:21 مساء
فوزي عمار

عندما نراقب ما يجري حولنا من أحداث ملتهبة في المنطقة العربية الممتدة من الشمال في سورية إلي الجنوب في اليمن وغربًا من العراق إلي جبل الشعانبي في تونس نرى بوضوح أن هناك ثلاثة أبعاد يمكن أن تفسر ما يحدث من صراع يظهر للسطح على أنه صراع بين إسلاميين ووطنيين من أجل السلطة والمال، فالمسألة من وجهة نظري أكثر تعقيدًا ولها ثلاثة أبعاد رئيسية:

بعد سياسي وبعد اقتصادي وبعد جيوبولتيكي: ما سوف أتوقف عنده كباحث هو البعد الاقتصادي وظهور معطيات جديدة لم تكن متوافرة في العالم، القصة من وجهة نظري بدأت بارتفاع مفاجئ لأسعار النفط فاق 100 دولار للبرميل في يناير 2008، تراكمت أرقام خيالية من العملة الصعبة لدي الدول المصدرة للنفط ومعظمها عربية مما أزعج الدول العظمي وهذا ما عبر عنه صراحة دون مواربة هنري كسنجر وزير خارجية أميركا الأسبق والأشهر حين قال: إننا نمر بأكبر عملية استغلال في العالم لصالح دول صغيرة ولن نسمح بذلك بل سنقلب المثلث رأسًا علي عقب، لم يهتم كثيرون بهذا التصريح واعتبروه من شخص هرم لم يعد يفهم ما يجري حوله.

مع دفع كل مليار دولار يزداد العنف والإرهاب في زيادة ذات متوالية هندسية

فجأة ودون سابق إنذار يستيقظ العالم على أزمة مالية عالمية عرفت باسم أزمة الرهن العقاري وبعد تصريح كسنجر بأشهر وفي السنة نفسها 2008 خسرت فيها الدول العربية أرقامًا فلكية قرابة ست مئة مليار لكل من السعودية والكويت وأبوظبي وحتى دبي كل على حدة، الجديد اليوم أن العالم أمام معطى جديد يجعل المنطقة منافسًا لدول الغرب بدلاً عن أن تكون صديقة ومزودة له بالطاقة وذلك بعد اكتشاف الغاز الصخري والنفط الصخري Shale gas and Shale oil والذي سوف يعتبر ثورة حقيقية في عالم الطاقة خاصة أن الدراسات المبدئية تشير لوجود 40 ضعف إنتاج العالم من النفط الآن.


فمنطقة تراكيب Bakken formation والتي تمتد من البرتا في كندا إلي داخل أميركا وحدها يوجد بها مخزون يزيد على مخزون السعودية والإمارات معًا إضافة إلي مناطق تراكيب Eagle ford texas سيجعل أميركا المصدر الأول للنفط في العالم.

هنا ستتغير المعادلة وستنزل أسعار النفط وسوف يصبح صديق الأمس منافس اليوم, لا أريد أن أقول عدو الغد، على مستوى البعد السياسي كلنا نذكر عندما طرح الغرب نظرية الفوضى الخلاقة ففي مطلع العام 2005 أدلت وزيرة الخارجية الأميركية «كونداليزا رايس» بحديث صحفي مع جريدة «واشنطن بوست» الأميركية أذاعت حينها وزيرة الخارجية عن نية الولايات المتحدة بنشر الديمقراطية بالعالم العربي والبدء بتشكيل ما يُعرف بـ «الشرق الأوسط الجديد»، كل ذلك عبر نشر «الفوضى الخلاقة» في الشرق الأوسط.

ومن جديد لم يستمع القادة العرب ولم يهتموا به ولم يؤخذ على محمل الجد، أما بالنسبة للبعد الجيوبولتيكي فيعتبر مشروع إسرائيل في المنطقة من أقوى المشاريع بالإضافة إلى المشروع الإيراني والمشروع التركي في غياب كامل لأي مشروع عربي مع تحرك ماكينة السلاح الأميركي ففي عمليات الإرهاب تظهر حاجة الدول إلي السلاح الذي يدر مليارات على الخزينة الأميركية فالإرهاب أصبح سلعة وتجارة رائجة، كما أن لوردات السلاح تشكل أكبر لوبي ضاغط في السياسة الأميركية بالإضافة إلي النفط.

السؤال الذي يجب أن يطرحه دافع الضرائب الأميركي هو كيف يسمح بتكرار الفشل للحكومات المتعاقبة في مكافحة الإرهاب. فمع دفع كل مليار دولار يزداد العنف والإرهاب في زيادة ذات متوالية هندسية فمنذ إسقاط صدام حسين حتى اليوم وصولاً إلى وصول «داعش» إلي كوباني دفعت أميركا أكثر من خمسين مليار دولار مقابل نمو الإرهاب. فهل هذه نتيجة منطقية يمكن للحكومة الأميركية شرعنة وإقناع دافع الضرائب بهذه النتائج الكارثية على العالم؟ على الرغم أن هناك من يعتقد أن أميركا لا تدفع شيئًا ذات قيمة لأنها تقوم بطباعة الدولار دون تغطية رصيده بالذهب.

وفي البعد السياسي نلاحظ بريطانيا التي تعيش موقفًا باهتًا خوفًا من غضب الثور الهائج الأميركي الذي لاحظ المراقبون صدق نيته هذه المرة في محاربة الإرهاب وحماس الشريك الجغرافي الفرنسي وحتى لا تتخلى عن الحليف القديم في المنطقة وهو الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين التي أسهمت في تأسيسه في عشرينات القرن السابق فالحقيقة أنه وحتى هذه اللحظة لا تعتبر بريطانيا أن أنصار الشريعة التي قتلت السفير الأميركي في بنغازي جماعة إرهابية على غرار ما تفعل أميركا.

كما أن هناك المعسكر اللاتيني المتمثل في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا. فرنسا الأكثر حماسًا تجاه ليبيا فهي تجلس القرفصاء في انتظار إعادة الكرة في ليبيا للمرة الثانية وعلى غرار ما فعلت في مالي.

إيطاليا تخشى على نفسها من شتاء قارس إذا توقف الغاز القادم من الغرب الليبي خاصة بعد مشكلة روسيا وأوكرانيا التي يمر بها خط الغاز.

لا ننسي الدب الروسي أيضًا يراقب بحذر خاصة أن أي حركة خاطئة له على رقعة الشطرنج الدولية قد تكلفه معركته الأساسية في أوكرانيا وسورية إقليميًا انقسم المشهد إلي مجموعتين، مجموعة تقودها السعودية ومصر والإمارات وهي ثقل مالي وسياسي وبشري وعسكري ترى في الإسلام السياسي عدوًا تقليديًا وأخرى ممثلة في قطر وتركيا تساند الإسلام السياسي في المنطقة دون مواربة ماليًا وإعلاميًا وسياسيًا استطاعت أن تقنع الغرب أن المسلم الجيد أفضل من المسلم المتطرف مما قد يكون قد أسعد بعض دوائر القرار في الغرب، وبالتالي فإن كل التقسيمات المعتدلة المدنية والإسلامية في المنطقة تصب في سلته أينما أمطرت فسيأتيني خراجك، مع مراقبة الجزائر المشهد بحذر، الجزائر التي اكتوت بنار الإرهاب سنوات كثيرة، كما أن الحراك الأميركي الأخير وجمع التحالف الدولي للحرب على الإرهاب في المنطقة أجمع جاء تحت وطأة ذبح الصحفيين الأميركيين ليظهر مدى شراسة هذه الجماعات التي وصلت إلي شمال الشمال إلي كوباني وتحرك الشارع التركي المتمثل في الأكراد المقدر بقرابة عشرة ملايين وإذا ما تحرك معهم العرب والذين يمثلون قرابة 12 مليون تركي من أصل عربي سيكون كارثة على تركيا الحليفة للغرب والتي تقع على أراضيها قاعدة أميركية وهي عضو في حلف الناتو الجديد المهم أخيرًا حراك في جنوب الجنوب للمنطقة وهو سيطرة الحوثيين الموالين لإيران على صنعاء.

إيطاليا تخشى على نفسها من شتاء قارس إذا توقف الغاز القادم من الغرب الليبي

أن تسمح أميركا لإيران بالسيطرة على مضيق باب المندب عنق زجاجة البحر الأحمر من خلال سيطرة الحوثيين على صنعاء هو بداية تصدير القلاقل للخليج العربي خاصة السعودية والإمارات، بالإضافة إلي السماح للفوضى في ليبيا منها إعلان درنة إمارة إسلامية خارجة عن سلطة الدولة بل تحاربها له احتمالات ثلاثة من وجهة نظري:
فبالإضافة إلي قصة اكتشاف النفط والغاز الصخري التي ذكرتها في بداية هذا المقال أو أن أميركا لم تعد قادرة على لعب الدور الإمبراطوري وبداية نهايتها كقوة عظمى. السبب الثالث هو انسحاب أميركا من المنطقة واعتراف أميركا بقوة إيران في الخليج وتركيا في سورية وليبيا والتعامل معها على أساس اعتراف بالأمر الواقع خاصة أن الغرب معروف بالبراجماتية والتعايش مع الخصم بدلاً عن سياسة الانتحار التي يمارسها العرب.

ولو استحضرنا البعد الثالث وهو الجيوبولتيكي واستبعدنا نظرية المؤامرة التي تقول إن أميركا هدفها الرئيس هو القضاء على الجيش العراقي والسوري والليبي وكل الجيوش التي تملكها دول الممانعة لصالح تيار الاعتدال، سنجد من الصعب فهم ما يجري في المنطقة غربًا في العراق وشرقًا في ليبيا وتونس وشمالاً في سورية وجنوبًا في اليمن دون الإشارة إلى الأبعاد الأخرى السياسية والاقتصادية.