Atwasat

الطريق إلى الوطن

البدري محمد الشريف السبت 11 أكتوبر 2014, 12:17 مساء
البدري محمد الشريف

أين نحن؟ (1)

كيف لنا أن نوصف حالنا اليوم؟

لو رجعنا قليلاً للوراء قبل 15 فبراير 2011 لوجدنا أنَّ حلم الليبيين كان التخلص من الاستبداد والديكتاتورية وبناء دولة حرة تحترم حقوق الإنسان بشكل عام وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص.
الشعب الليبي لم يكن جائعًا وإنْ كان يعاني ضعف الخدمات العامة في الصحة والتعليم وضعفًا في البنى التحتية، إلا أنَّ أقصى ما كان يعانيه هو هدر الكرامة الإنسانية وغياب الحرية. من الشعارات المتميزة للثورة كانت صورة ذلك المقاتل الذي كان يمتشق سلاحه ويرفع لوحة مكتوبًا عليها «مطلبنا الحرية».

عند قيام الثورة كان الليبيون يحلمون ببناء دولة عصرية مدنية ديموقراطية تحقق العدل والمساواة وتمنحهم الحرية التي حُرموا منها لعقود أربعة، وتوظيف خيرات البلاد وإمكاناتها للتنمية المستدامة بكل مناطق ليبيا، وذاك مطلبٌ مشروعٌ وحلم واقعي جدًّا.

بعد انتصار الثورة مباشرة ارتفعت توقعات الشباب الليبيين وارتفع سقف أحلامهم، فقد كانت دبي تمثل الحد الأدنى لتلك الأحلام!! ولكن الصراع المحموم على السلطة ومحاولات الهيمنة وإعادة إنتاج الاستبداد بصورة أخرى حوَّل أحلام هؤلاء الشباب إلى كابوس وطني.

لم يعد هؤلاء الشباب يرغبون في العيش في بلادهم التي اعتقدوا أنَّهم ساهموا في تحريرها، بل صار حلم الهجرة هو المسيطر على أغلب الشباب.

لم تعد ليبيا الأرض الموعودة للحياة، فقد تحوَّلت إلى حقول للموت والخطف والتعذيب وكل أنواع الهلاك البشري ويا لها من مأساة!

واقعنا الحالي مؤلمٌ جدًّا ولمعالجته علينا تشخيص الواقع بشكل عقلاني بعيدًا عن العاطفة والتبريرات المضللة، التي لن تزيد الأمر إلا سوءًا وسوف تكلفنا مزيدًا من العناء.

أين نحن اليوم إذًا؟ وما هو الحال الذي وصلنا إليه؟

لا أعتقد أننا في حاجة للتأكيد بأننا في أسوأ حال، فالبلاد منقسمة والإخوة الذين كانوا مضرب الأمثال في الشهامة والألفة والمحبة صاروا أعداء، بل وأعداء شرسين لا يحترمون حتى أصول الحرب والقواعد التي تحكمها.
علينا قراءة الواقع والاعتراف بأنَّنا على حافة حرب أهلية قد تصبح شاملة ما لم نتدارك الأمر.

نحن نمارس القتل باسم تحكيم شرع الله

لقد قمنا بكل مقومات أو خطايا أو بلغة صريحة قمنا بكل الجرائم التي تحصل أثناء الحروب الأهلية.

الحرب في لبنان بدأت بما يُعرف بقصة الأتوبيس والذي أُوقفت بحاجز، ثم قتل ركابه على الهوية، ونحن أيضًا صرنا نقتل على الهوية.

في افغانستان قُتل الناس من أجل الاستحواذ على السلطة، وإقصاء كل الأطراف الأخرى التي ساهمت في حرب التحرير من السوفيات ونحن مازلنا حتى لحظتها نقاتل من أجل الاستحواذ على السلطة واحتكارها ونرفض مشاركة الآخرين في الحكم حتى أولئك الذين كانوا من أوائل الثوار!

في الصومال هُـجِّـر الناس بعشرات الآلاف من مساكنهم ومناطقهم، ونحن هجرنا السكان في كثير من مناطق بلادنا هَـجَّرناهم داخل الوطن وأرغمناهم على الهجرة خارجه.

نحن نمارس القتل باسم تحكيم شرع الله وها هم في سورية، والعراق يفعلون ذلك وبكل عنف وفظاعة.

نحن ومَن نحن! مارسنا القتل والخطف والتعذيب والنهب وحرق البيوت وتدمير المؤسسات وسرقة البنوك والاستيلاء على المال العام وأراضي الدولة، وها هي مناطقنا تتبادل الأسرى كما تتبادل الدول المتحاربة أسراها. كل هذه الأمور تعد من سمات الحرب الأهلية الأصلية وليست المقلدة!

أزمتنا تبدأ من عدم قبولنا الآخر

يُصاب الإنسان بحيرة شديدة ويتساءل: أين ذهب ذلك الشعب الطيب الذي كان؟! أين هو؟!

أنا لا أطرح هذه الأمور من باب التشاؤم، ولكن حتى نفكر بشكل موضوعي في البحث عن حلول لأزمتنا ولإيجاد حلول لمشكلتنا المستعصية يستلزم الأمر التشخيص الصحيح للأزمة.

عندما نعترف بأننا نواجه حربًا أهلية فذاك يعني أنَّ علينا البحث عن حلول مناسبة لحالات الحرب الأهلية والاستفادة من الخبرة الإنسانية في هذا المجال، والحلول ممكنة إنْ صدقت النوايا وتوفَّرت الإرادة السياسية.

ما هي أزمتنا اذًا؟

أزمتنا تبدأ من عدم قبولنا الآخر، وننسى أنَّ الآخر هو نحن ونحن هو الآخر وأنَّ اختلافاتنا في حقيقتها ليست جوهرية بل هي اختلافات مشروعة. لا نعي أننا نختلف كما يختلف غيرنا بل إنَّ الخلاف في الرأي والفكر هو سنَّة كونية فَطَرَ اللهُ الناس عليها وهو أحد محفزات التقدُّم وعاملٌ مهمٌ في صنع الحضارات.

وأزمتنا تكمن في احتكار الحقيقة ونتناسى أنَّه لا قدسية لأي إنسان، والخير كل الخير في التنوع الفكري وقبول الاجتهاد وأننا عشنا خمسة عشر قرنًا وسطيين مختلفين ولا خوف علينا من الضلال!

مشكلتنا في هذا التصور الخاطئ بالتميز لبعضنا والإحساس بغرور القوة والتي هي في حقيقتها قوة واهية قد تصمد لا مناص لنا من اللقاء لإنقاذ هذا الوطن قبل أن يفوتنا القطار!