Atwasat

مثقفون في أبراجهم العاجية

صلاح الجهاني الجهاني الأربعاء 24 سبتمبر 2014, 11:45 صباحا
صلاح الجهاني الجهاني

النخبة مثقفونا.. «انتلنجسيا الوهم»، كما يسميهم الكاتب الصديق بودوارة، في عنوان مقاله الرائع الذي تذكرته ورجعت إليه، في صحيفة قورينا 2009 بالعدد447). عندما كانت العتمة أكثر سرمديا، والبصيرة يفتقدها الكثير.


1- تحدث كيف سرقت النخبة نعيم الفكر، دون أن يطئوا بأقدامهم جمر التجربة.

وهم حالمون مترفون في أبراجهم العاجية ويتاجرون ببضاعة الكلام، وهم ناقمون على الوطن ومؤسساته، يشتمون ويقبضون، غارقون في خزائنه حتى تمتلئ الجيوب، التي بنوا بها قصور الرخام في زمن الزيف والظلم الرافضون له.

2- المتاجرون بشعارات الإصلاح، وكأن غيرهم دعاة الخراب، يصفهم بودوارة بـ«فرسان المنصات الخطابية»، والمغرمين في استيقاف سيارات الإغاثة على الطريق للتصوير معها. يلعنون صاحب الدار، وينامون في بيته، يأكلون البلح والتمر ويستثمرون «عرا جين».

3- مناضلون بلا نضال، مترفون علينا نحن أدباء الظل أعداء مكبرات الصوت، المثقفون دون قرارات إيفاد للدراسة، والمعارض، والمشاركات، والندوات وتذاكر السفر. ديدبانهم الشكوى من «هذا الوطن»، هكذا يقول صديقي الصديق في لحظة صدق وأساء على المتاجرين بالوطن.

4- تغيرت الأدوار، أصبح ممثل الإصلاح مسؤولاً بين ليلة ومساء، أصبح مثل مَن كان ينتقده، بل السواء بكثير، ديكتاتور بعاهات فكرية قبل أن تكون جسدية، أصبحت سرقة ملايين مباحة، والحقد والإقصاء والمتاجرة في المواقف سلعتهم، والاحتكار نهجهم.

5- لعبتهم أصبحت يا وطن، آه عليك، آه منهم، «ومن عقل يفكر في ضمير يتذكر» كان عذابك وصراخك يا وطن قارب أوصالهم للضفة الأخرى. لكن جردهم من كل ثيابهم، لتظهر عاهاتهم مقيتة، ووجوههم دون ـ ماكياج ـ ليست أقل بشاعة مِن مَن كانوا ينتقدون.

6- يا وطني البسيط الساذج، هؤلاء الذين ينهلون من نعيمك في النهار، يلعنون سنسفيل أجدادك عندما يقبل الليل، وتقرع الكؤوس، سلعتهم رائجة ورأس مالها بسيط وعائدها كبير جدًّا، هكذا أصبحت يا وطن سلعة للنخاسين.

7- يمارسون الإقصاء والاحتكار، والتآمر، والكذب في محافل العلم، والزائف وفي أروقة الجامعات، وفي مكاتبهم وعلى المنصات، حوَّلوها إلى مواقع استرزاق، مَن يطرد العشارين والمرابين بعدما حوَّلوا معبد الرب ومنابر العلم إلى سوق نخاسة.

8- لم يعد هناك مَن يهدهد عليكم كي لا تشتموا، ولا مَن يقطع الألسن بالعطايا. في الضفة الأخرى، أصبحتم أنتم كما أنتم تحت الضوء، الآن لستم مندسين بيننا، دائرة الضوء جعلت أعمالكم التي لا يراها البعض فضيحة، تكاشفتم للجميع كما أنتم، بعدما جُرِّدتم من هالة النور الزائفة.

9- عشاؤكم الأخير كان ملوثًا بالخيانة، أنتم الآن نقادٌ بلا نقد، وأدباء دون أدب، ومصلحون دون أخلاق، نسفتم جسر العودة إلى الوطن، صراخكم ومواقفكم «دون كوشتية» ومسرحياتكم ركيكة مبتذلة، أصبحت مسخًا، فقدت جمهورها المغيب المحبط، مسرح دون جمهور، وعقول دون فكر.


10- أين أنتم من إنسان ووطن يحتضر؟ هل تحولتم إلى شياطين خرس في وقت الكلام؟ طريقكم أصبح ممهدًا بأشلاء خصومكم لا خصوم الوطن، طريق الأنا والحقد نهايته الهاوية، وطريق الوطن والمحبة نهايته الخلاص.