Atwasat

ليبيا: الخطاب الديني في المساجد.. واقع وآفاق

عمر الطبجي الإثنين 01 سبتمبر 2014, 03:19 مساء
عمر الطبجي

من خلال متابعتي كمسلم لخطب صلوات الجمعة في بلادي ليبيا، وصلت إلى قناعة أن الخطاب الديني الذي يتم تسويقه في أغلب مساجد مدينة بنغازي تحديدًا لا يرتقي إلى مستوى الخطاب الديني المتجدد والمعاصر الذي يتطلع إلى سماعه كثيرٌ من الناس.

إن ما أراه غالبًا في أعين المُصلِّين يعكس بشكل واضح حالة مزمنة من الشعور بالملل والاستياء قد تسللت إليهم نتيجة تدني مستوى ثقافة أغلب خطباء المساجد، الأمر الذي انسحب على مستوى الخطاب الديني بوجه عام فأصبحت الخطب مكررة ومملة وغالبًا ما تتضمن ذات الجُمل والعبارات والقصص التي حفظها الناس عن ظهر قلب.

ونتيجة طبيعية لهذا الواقع المكرر والمؤسف حرص أغلب الناس على تتبع الخطباء المجددين والمجتهدين الحريصين على مواكبة الأساليب الحديثة في فن الخطابة والذين يسعون جاهدين لتضمين خطبهم محاضرات مفيدة تهدف بشكل أساسي إلى إرشادهم وتوعيتهم إلى كيفية التغلب على مشاكل وصعوبات الحياة وسبل حماية أنفسهم ومجتمعهم من الظواهر السلبية والدخيلة التي تتسرب إليهم ولأسرهم عبر مختلف وسائل الإعلام.

ومن خلال هذا الواقع ظهرت إلى السطح ثقافة أصبحت متداولة بين أغلب الناس مفادها بأن المساجد المعروفة بالازدحام يوم الجمعة هي التي يعتلي منابرها أفضل الخطباء الذين يظهرون حرصًا على مناقشة القضايا الملحة التي يعاني منها المجتمع المحلي ويحاولون جاهدين لاستعراض واقتراح الطرق والحلول والمعالجات المناسبة لكل الظواهر السلبية التي تنخر جسد المجتمع الليبي.

من المعروف أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هي الجهة المسؤولة والمنوط بها اختيار خطباء المساجد، ولذلك من واجباتها واختصاصاتها الأصيلة أن تولي اهتمامًا كبيرًا بمعايير اختيار وتكليف خطباء المساجد وأن تكون لديها خطط وآليات واضحة لتأهيل وتطوير قدرات الخطباء ومتابعتهم لضمان نشر خطاب عصري وإيجابي يهدف بالدرجة الأولى لحماية المجتمع من المخاطر التي تتهدده من كل حدب وصوب وأن لا تكون خطب صلوات الجمعة مجرد تكرار لخطب مملة وقديمة سئم منها الناس من كثرة ترديدها على مسامعهم عشرات المرات.

إن الاستياء الذي أصاب بعض الناس من المستوى المتدني لبعض الخطباء وللخطاب الديني دفعهم للاعتقاد أو الظن أن بعض الخطباء يقومون بإعداد خطب مكتوبة تكفيهم لعدد أيام الجمعة في السنة مع إعداد خطب استثنائية للمناسبات الخاصة والأعياد الدينية وقد ذهب البعض في ظنهم إلى أبعد من ذلك، حيث أعتقد آخرون أن بعض خطباء المساجد يقومون بتكرار ذات الخطب كل عام.

وتأسيسًا على ما سبق فإن وزارة الأوقاف مُطالَبة برفع مستوى معايير اختيار خطباء المساجد بشكل يواكب طبيعة ومتغيرات العصر وأن تنصح الخطباء وتُلزِمهم بضرورة التخلص من أساليب الخطابة التقليدية المتخلفة التي عفا عليها الزمن والتي تعتمد بشكل أساسي على الصوت العالي والجهوري لإقناع الناس بقوة الخطاب.

على الخطباء أن يدركوا أن نجاحهم في مهمتهم وواجبهم التثقيفي مرتبط بشكل أساسي بمدى قدرتهم على مواكبة الأساليب العصرية في فن الخطابة وبمدى جهدهم في تحضير خطاب ديني يعتمد على قوة المضمون وعلى مدى ملامسته لقضايا ومشاكل معاصرة يعاني منها الناس، وليس على أساليب ترغيب الناس في الجنة وملذاتها وتخويفهم من النار وويلاتها ويجدر بهم أن يتجنبوا الأساليب العاطفية المستهلكة من نثر للدموع وإثارة الشجون خلال سردهم لقصص تاريخية أصبح الناس يشكون في مدى صدقها أكثر من أن يتأثروا بها.