Atwasat

ليبيا في مفترق طرق.. فكيف السبيل؟

عبدالعظيم قباصه الأحد 02 فبراير 2014, 11:18 صباحا
عبدالعظيم قباصه

لا شك أن السبب الأساسي الذي فجر ثورتنا المجيدة، هو رغبة شعبنا بأجمعه في بناء ليبيا جديدة، والتي أراد أن تكون دعاماتها الأساسية هي الحرية والكرامة والعدل، والمساواة ودولة الحق والقانون، وهذا ما رفعه شعارات لثورته، هذه الأسس الإنسانية والوطنية المشروعة والتي حرمنا منها طيلة حقبة النظام الديكتاتوري السابق. لم يكن حينها في ذهن الكثيرين لا الحديث عن التنمية، ولا عن الإعمار ولا عن الرفاهية، كانت تلك مطالب مؤجلة إلى ما بعد تثبيت أسس الدولة على تلك الدعامات الأساسية والمبدئية التي ذكرتها سابقًا. ولم يكن في مخيلة الكثيرين منا ربما بسبب القراءة غير الدقيقة للواقع واحتمالات تطوراته اللاحقة، أو بسبب رفع سقف التوقّعات غير الموضوعي، والمبني فقط على أحلام لا يسندها الواقع ومجرد تفكير رغبوي كما يقال، وهو توقّع أن الليبيين لن يختلفوا على شيء بعد إسقاط الطاغية الذي شكّل كابوسًا.

وبافتراض أننا جميعًا نشترك في حلم الحرية لكل شعبنا والمبني على أسس الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتفكير أيضًا، وإننا لا نحلم إلا بدولة المؤسسات والقانون التي سيبنيها شعبنا ديمقراطيًا، وأيضًا لنحيا حياة كريمة تليق بنا، بعد أن تعود لنا ثروتنا التي نهبت منا، حيث اعتبرها القذافي ماله الشخصي يمنحه متى يشاء لمن يشاء، ويمنعه عنّا متى يشاء أيضًا، لكن ثبُت للأسف الشديد وبعد انتصار ثورتنا أن أحلامنا الوردية البسيطة والمشروعة تلك يقف دونها الكثير من المصاعب والعراقيل، التي لم نرها حينها ولم نحسب حسابها، تلك التي بدأت بإصرار البعض بالاحتفاظ بسلاحهم بحجة مزاعم، تبتدئ بأن هؤلاء الثوار هم من حررنا، وبالتالي لهم الحق أن يحكمونا وفق "الشرعية الثورية"! انعكس ذلك في التمسّك الواضح والصريح بالسلطة، وأيضًا السعي المحموم من أجل الاستفادة المادية والثراء السريع، مرورًا بحجة أن الاحتفاظ بالسلاح هو فقط من أجل حماية الثورة "لا أعرف ممّن بعد أن صاروا هم أكبر تهديد لها"، وصولًا إلى تكشّف الأمر عن رغبة بعض الأطراف السياسية في فرض رؤيتها وفهمها وقناعتها لشكل نظام الحكم.

هنا وجدنا أنفسنا في المربّع الأول، وهي محاولة البعض وبأشكال مختلفة تكرار تجربة النظام الديكتاتوري السابق بوجوه جديدة، وذلك بالسيطرة على الحكم بعيدًا عن إرادة الشعب، التي عبر عنها بشكل واضح وصريح لا لبس فيه، والمتمثل في تطبيق آليات الديمقراطية التي تتجلى في انتخابات ديمقراطية نزيهة، ولتكون هي فقط السبيل الوحيد لمن يريد الوصول إلى سدّة الحكم، بعد أن يحوز على غالبية الأصوات، وأيضًا سرقة المال العام والأملاك العامة بشكل لا مثيل له، مما سيترتّب عليه دون شك إفقار الدولة وبالتالي الشعب، وبالشكل الذي يترتّب عنه انهيار كامل للدولة، ويحدث خراب للبلاد لم نشهده حتى في عقود الطغيان والفساد السابقة.

إلى أين يوصلنا كل هذا يا ترى؟ باعتقادي أنه لن يوصلنا إلا إلى لا شيء، ولن يوصلنا إلا إلى حالة من الجنون نهد فيها الوطن على رؤوسنا جميعًا، ولن يوصلنا إلا للمزيد من تدهور أوضاعنا الأمنية، المتمثّلة في انعدام الأمن والأمان والاغتيالات والخطف والسجن خارج إطار القانون، مما سيترتّب عنه بؤس وشقاء شعبنا في صراع عبثي لن يكون فيه رابح أو خاسر، فالجميع خاسر وأولهم الوطن الذي نتغنى جميعًا بحبه، وتكسّر أحلام شعبنا في الحرية والكرامة بعد نجاح ثورته الرائعة على صخرة واقعنا الشاذ والغريب والمؤلم.

ما الحل إذا والحالة هذه؟ في الحقيقة لا خيارات كثيرة لدينا، وليس أمامنا إلا التوافق على مشروع وطني يحقق طموحات ومصلحة الجميع، ولكن وكما هو معروف فإن هذا التوافق الذي تفرضه مصلحة الوطن العليا، من أجل هذا الوطن الذي هو أكبر منا جميع، والذي من المفترض أن يكون أكبر من اختلافاتنا يستلزم ضرورة تقديم التنازلات المتبادلة، ومن خلال حوار ديمقراطي ندّي وصريح وشفّاف، ولا مكان فيه بالطبع لفرض أي رأي بالقوة سواء كانت مادية أو معنوية، ومهما كان اقتناع أي طرف سياسي بمدى صواب رأيه وفكره، لأن الأفكار الخيّرة حسب أصحابها بالطبع، هي تلك التي تكون جديرة بأن يكون من السهل إقناع الآخرين بها، ولا يليق بها والأهم أن ذلك لا يكسبها أي شرعية، لأن تُفرض على شعبنا بالقوة.

كل هذا الأفكار المختلفة في الحقيقة من حقها بل يجب أن توجد، بلادنا كما نقول دائمًا تسع الجميع ولن تبنى إلا بيد الجميع، والاختلاف رحمة كما يقال لأنه وحده ما يثري واقعنا وحياتنا السياسية والفكرية والثقافية وحتى الإنسانية، التنوّع هو الأصل في كل شيء، وهو سنّة من سنن الكون وسنّة الله في خلقه، ولو أرادنا الله القادر على كل شيء، أن يجعلنا نسخة واحدة لفعل، ولكنه لحكمة يعلمها وعلمناها نحن أيضًا خلقنا مختلفين، ليضيف كل منا لرأي الآخر ويثريه ويكمّله، والحقيقة لا يمكن لأي طرف ادّعاء امتلاكها لوحده، ومصلحة شعبنا لا يمكن لطرف أن يزعم وحده تحديدها وتمثيلها، ولا يمكن لأحد أخيرًا أن يفرض وصايته على شعبنا مهما ادّعى من مبررات أو حجج.

لكن من يعيق هذا ياترى؟ لن يستطيع أحد أن يزايد على الآخر في مقدار حبه لهذا الوطن، وليس من حق أحد أن يخون أو يكفّر الآخر، ليبيا بلدنا جميعًا ولم يأت إليها أحد من كوكب آخر مهما اختلفت الرؤى أو حتى تطرّفت، قدرنا أن نتفهم بعضنا البعض ونتعايش مع بعضنا البعض، لكن هذه القناعة تحتاج إلى دليل وإثبات على أرض الواقع، والإثبات الوحيد هو برأيي ضرورة القبول بالحوار الندّي والمتكافئ الذي لا قوة تؤثر فيه، لا سلاح ولا مال ولا مدينة ولا قبيلة ولا حزب، بل القوة الوحيدة هي لما يعكس حب الوطن وللحجة المقنعة، والذي بهما يحوز أحد الآراء على رضا غالبية شعبنا ليمتلك بذلك القدرة والحق في التطبيق، ببساطة لأنه لا إرادة فوق إرادة شعبنا وخياره الحر للنظام الذي يراه مناسبًا، وللبرنامج الذي يراه يخدم مصالحه.