Atwasat

هل سننتخب الأفضل والأصلح والأنسب هذه المرة؟

ناجي جمعة بركات السبت 21 يونيو 2014, 07:19 مساء
ناجي جمعة بركات

هناك عدة مفاهيم للوطن، ولكن الأنسب هو مكان المولد والإقامة والهوية لكل مواطن ليبي وليبية. ليبيا هذه الأيام تعاني من عدة مشاكل جزء منها مورث من النظام السابق وجزء منها هي عقلية الليبيين والليبيات والجزء الآخر هو التشبث بأيديولوجيات بعيدة عن المجتمع الليبي وليس لها علاقة به.

جزء النظام السابق والذي غرس في الكثير عدم الولاء للوطن وكرس فكرة القبيلة والمنطقة والجهة وجعل الكثير من الليبيين والليبيات يعملون بهذا المنطق وداخل مناطقهم. النظام السابق، وهنا نقصد الاثنين الملكي والجماهيري، كلاهما لم يرسخ فكرة المواطنة لدى المواطنين الليبيين وأصبحت هوية الليبيين تتمركز في القبيلة والجهة والمنطقة. اتضحت كثيرًا عندما قامت الثورة وبعد تحرير كامل التراب الليبي، وكانت أول انتخابات، انتخبنا من مناطقنا أعضاء المؤتمر الوطني وكانت احتفالية رائعة جدًا.

لكن كانت عملية إعطاء الأصوات للمرشحين لا تنم عن الخبرة والكفاءة وإنما العاطفة والجهوية والمناطقية أكثر من ذلك. توهم الجميع في بعض الشخصيات والتي تخرج عليهم في أيام الثورة وبعدها وعلى القنوات الفضائية وتتحدث عن الثورة والديمقراطية والشفافية والمساواة وإلخ الكلام. بعضهم يبكي وبعضهم يتودد ويذكر أنه سجن وهجر وأرهب وأبعد وإلخ الكلام. اختارهم الناس بحكم أنهم سيكونون في الموعد ويلبون طموحاتهم. بعضهم قضاء سنوات في السجن أو في الغربة وهو لا يعرف عن ليبيا إلا القليل.

نفسيًا ربما لا يصلح أن يكون في مركز تشريعي أو قيادي إلا بعد تأهيله، ولكن معنويًا تم انتخابه. ما حدث بالمؤتمر والانتخابات والنتائج المخيبة للآمال يعرفها الجميع وأن كانت بعض الأخطاء في اختيار جزء كبير من أعضاء المؤتمر، إلا أنه يوجد أعضاء وطنيون ويريدون خدمة ناخبيهم ولكنهم قلة. تحية لهؤلاء ويجب ألا نعمم عندما نتحدث عن أعضاء المؤتمر. فشلت العملية الانتخابية في اختيار المرشحين في يوم 7/7/2012م ولكن بعون الله هذه المرة لن تفشل.

الجزء الثاني وهي مشكلة في الليبيين والليبيات حيث تغلبت عليهم العاطفة والجهوية وعدم الخبرة في اختيار الأشخاص. أيام الملك كان من يعمل وليمة كبيرة وأكل وشرب وذبائح، هو من يعطيه الناس أصواتهم وكان شيخ القبيلة هو من يوجه الناس، لكنّها كانت عملية ديمقراطية والنواب ربما لم يقدموا شيئًا ولكن لم تحصل مشاكل أو إهدار للمال العام مثل ما يحدث في هذه الأيام. العاطفة لا يمكن أن تتوج الفاشلين والعاطفة لا يمكن أن نستعملها في اختيار أعضاء البرلمان الجديد. لا يمكن أن نترك عواطفنا تلعب بمصير ليبيا ومصير أبنائنا.

السلبية المفرطة لدى الناس والإحباط مما فعله المؤتمر من سياسات مخجلة وتأخير لقيام الدولة وخاصة الجيش والشرطة. السلبية ليس فقط في الشعب ولكن في أعضاء المؤتمر والحكومة، إذ إن بعضهم لم يضع ليبيا أولاً وإنما وضع مصالحه الشخصية هي الأولى ولم يفكر في ليبيا. هذا نتيجة الأيديولوجيات التي يحملها في عقله تولد صراع سياسي كبير؛ نتج عنه إخفاقات هذا المؤتمر وإصراره على عرقلة عمل الحكومات ونسوا أنهم هنا مندوبون عن هذا المواطن لخدمة هذا الوطن.

هذه هي السلبية حيث الولاء ليس للوطن وإنما لأشخاص أو لحزب أو دولة أجنبية.

هذه هي السلبية حيث الولاء ليس للوطن وإنما لأشخاص أو لحزب أو دولة أجنبية. أما سلبية المواطن فهي رضوخ البعض واستسلامهم الكامل لما يجري في ليبيا هذه الأيام دون المشاركة والخروج والتعبير عن آرائهم. الكثير يريد أن يعمل شيئًا ولكن لم يجدوا القيادات الجيدة والوطنية لقيادتهم في التخلص ممن يعرقلون قيام الدولة. وعندما حاولت بعض القيادات عمل أي شيء، تمت مواجهتهم بالنقد والتخوين واتهامهم بأنهم يسعون وراء اكتساب المناصب.

الجزء الأخير وهو وجود أيديولوجيات تتحكم في مصير من انتخبناهم للمؤتمر أو في الحكومة أو في مناصب قيادية بالدولة. لقد تم زرع الكثير ممن يحملون أيديولوجيات لها صلة بالتيار الإسلامي في عدة مناصب بالدولة وتمت السيطرة التامة على المؤتمر وجزء من الحكومة.

هذه الأيديولوجيات كانت تراهن على نجاح حلفائها بدول الجوار، وعندما سقطوا قامت هذه المجموعات بالتلويح باستعمال القوة وأصبح القتل والاغتيال والإرهاب سلاح هؤلاء لتخويف الناس وفرض أيديولوجياتهم الظلامية. الجماعات الأخرى والتي لا تحمل السلاح في وجه الشعب الليبي تكتمت عن أفعال هؤلاء. هذه الأيام أصبح الكثير من أعضاء هذه التكتلات يتنصلون من أيديولوجياتهم ومن يساندونهم رغبت في أن يعيشوا مع الناس كما كانوا أو يريدون تحقيق طموحاتهم في الوصول للسلطة.

كما توجد أيديولوجيات أخرى تتبع منهج الوطنية ولكنها لم تتفاعل مع عامة الشعب وإنما كانت رغباتها وخاصة من يقودون هذا الحراك هو الوصول للسلطة وهزيمة الطرف الآخر وتحقق لهم ذلك في انتخابات 7/7/2012م، ولكنهم نسوا ليبيا والشعب الليبي ودخلوا في صراع سياسي مع الكتلة المسيطرة. لم تكن لديهم المصداقية الحقيقية لخدمة ليبيا ولم تكن لديهم الوطنية الصلبة لرفع دعائم الوطن المنهار من جراء 42 سنة من حكم الطاغية. تركوا المشهد وغابوا عندما لم تتحقق طموحاتهم في حين أن الطرف الآخر استمر وسيطر على كل شيء في ليبيا. لم يكونوا خصم من أجل الوطن ولكن كانوا خصم من أجل تحقيق أغراض شخصية شأنهم شأن التيارات الإسلامية الأخرى.

اختيارات البرلمان يجب أن تكون على النحو التالي:

1- أن يكون الاختيار للشخصيات الوطنية والتي لا تنتمي إلى أي أيديولوجيات ويجب أن يحلف على المصحف كل واحد ترشح لهذا المنصب ونجح بأنه لن يخدم إلا ليبيا وأنه لا ينتمي إلى أي حزب أو تيار أو بلد أجنبي.

2- من ترشحوا للمؤتمر الوطني العام وهم أعضاء، يجب أن نراجع ما فعله هؤلاء وما هي انتماءاتهم ومن الأحسن ألا نعطيهم أصواتنا. الفاشل مرة لا ينفع في السياسة ولا يمكن أن ينجح في المرة الثانية.

3- أعضاء الحكومات السابقة وخاصة ما بعد التحرير عليهم الابتعاد عن البرلمان لأنهم لم يحققوا الكثير للشعب الليبي عندما كانوا يملكون القرار.

4- من لا يقيم في المنطقة ولا يعرف المنطقة ويأتيها كزائر في المناسبات فقط، فهذا لا يصلح بأن يخدم تلك المنطقة وربما هو إنسان كفاء لخدمة ليبيا، ولكن عليه أن يكون صريح مع الناس بأنه سيخدم ليبيا أكثر من أن يخدمهم وهذه هي برامجه.

5- من كانوا باللجان الثورية والشعبية والسلك الدبلوماسي بأيام الطاغية، يجب ألا نعطيهم أصواتنا في هذه الفترة.

6- سارق المال العام وخاصة من لديهم قضايا، سواء ثبتت عليهم أو لم يثبت، يجب أن يبتعدوا بأنفسهم لأنه لا خير في لص وسيكون هدفه السرقة فقط ليس إلا
7- الجهوي والقبلي والمناطقي، احذروهم لأنهم لن يستغلوا من أجل ليبيا والشعب الليبي.

8- أشباه الثوار ومن جاؤوا متأخرين وبعد 23 أكتوبر 2011م، هؤلاء لا تنتخبوهم وهم من أصحاب المصالح الشخصية.

9- هنالك فئة أخرى والتي تريد الكرسي والسلطة وطمع في المال والمنصب، هؤلاء قد رشحوا أنفسهم لعدة مرات حتى وإن كانوا يملكون الكفاءة الجيدة والخبرة والولاء للوطن، لكنهم يريدون تحيقيق مصالح شخصية، احذروهم.

انتخابات البرلمان ستكون امتحان عسير لليبيين والليبيات هذه المرة لاختيار الأعضاء المناسبين لتسيير الفترة المقبلة والعمل مع لجنة الدستور لأنهاء الدستور والوصول بليبيا إلى انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل لاختيار الرئيس والبرلمان والانطلاق في تطوير ليبيا أسوة بجيرانها. إذا فشلنا في اختيار أعضاء البرلمان الجدد واخترنا المتسلق والجهوي والسارق والمتعطش للكرسي فإننا سندمر ليبيا إلى الأبد، ولكن إذا اخترنا الأنسب والأفضل والأصلح، فإننا سنضمن حياة كريمة لأبنائنا وأسرنا وننعم بثروات ليبيا ونعيش بأمان.

لا تغلب العاطفة في اختيار هؤلاء الناس ولا تتأثر بالآخرين ولا تسمع لأبواق الإذاعات ومن يكتبون على الفيس بوك بأن فلان هو الأنسب

هذا لن يتحقق بسرعة ولكن بداية الصعود للأعلى تبدأ بصعود السلم من تحت درجة درجة. لا نريد أن يكون السلم هش وقديم ولكن نريده قوي وصلب حتى نصعد جميعنا إلى الأعلى ونحقق ما قامت من أجله ثورة 17 فبراير. الاختيار يتم بعد أن تراجع ما قدمه هذا الشخص ومن هو وما هي أهدافه للوصول لكرسي البرلمان. لا تغلب العاطفة في اختيار هؤلاء الناس ولا تتأثر بالآخرين ولا تسمع لأبواق الإذاعات ومن يكتبون على الفيس بوك بأن فلان هو الأنسب. استمع لرأي الساسة أكثر من رأي الآخرين فهم لهم نظرة سياسية ثاقبة ولهم بعد استراتيجي في الأشخاص. لا تنتخب شخصًا ليس لديه خبرة ورأي سياسي في هذا البرلمان، إذ من يصنع السياسات هم البرلمانيون وممن ليس لديه خبرة سياسية، فسيتبع الآخرين في كل شيء وخاصة من جماعة الأحزاب المنظمة والقوية. استقلالية الرأي مهمة للمترشح والعمل من خلال الجماعة أكثر أهمية. المتشبث برأيه لا ينفع والجهوي لا ينفع ومن لديه أيديولوجيات معينة لا ينفع.

ليبيا قادمة وإن طال الزمن.

*وزير الصحة بالمكتب التنفيذي - ليبيا