Atwasat

فقرتان !

شكري الميدي أجي الإثنين 16 يونيو 2014, 04:04 مساء
شكري الميدي أجي

1)  حين تغدو الوطنية سجنًا!!
إن قرأنا كتابًا لهيمنغواي، هل سيقلل هذا من كوننا مواطنين ليبيين، لو جلسنا بهدوء تحت إحدى الأشجار وقرأنا عن التطهير العرقي للأرمن هل هذا يقلل من كوننا ليبيين؟

حين قامت الثورات في العصور الفاشية، ظهر أناس اعتبروا آداب الدول الأخرى مَهدِدة لقوميتها ووطنية مواطنيها، فظهرت الثورات الثقافية، وهجمات لتطهير الجامعات والمكتبات، بل إن حتى الموسيقى غير الوطنية تم تدميرها عبر كل قرية من تلك الدول. الألمان النازيون وصل بهم الأمر أن أحرقوا الكتب الألمانية ذات التوجه الغربي، كذلك فعل الصينيون خلال الستينات وقد أعدموا ثلاثة آلاف مدرس ومحاضر جامعي ومثقف وكاتب في إحدى أسوأ حالات الانتقام التي شهدها العالم، كما أرسلوا المئات إلى معسكرات العمل القسري، لكي يتوبوا!

في بلادنا مررنا بتجربة مشابهة، تسمى بالثورة الثقافية أدت مهمة كبيرة لخلخلة الأسس الفكرية لبلادنا، وزرعت مقولات لا تزال قوية، بل غدت في نظر بعض من عاشوا تلك الفترة، حتى الفترة التي تلتها، مواد أخلاقية مقدسة

في بلادنا مررنا بتجربة مشابهة، تسمى بالثورة الثقافية أدت مهمة كبيرة لخلخلة الأسس الفكرية لبلادنا، وزرعت مقولات لا تزال قوية، بل غدت في نظر بعض من عاشوا تلك الفترة، حتى الفترة التي تلتها، مواد أخلاقية مقدسة، بداية من حكمهم القاصر على بعض الكتب إلى حكمهم على طريقة ارتداء الملابس.

إن الأفق الضيق يبدو في هكذا حالات فعلاً مقصودًا لتمرير أفكار ظلامية، تحتاج إلى هذا العنصر الأخلاقي كذريعة، فالشعوب تمتلك عداءً عميقًا لطبقات المفكرين، الذين بطبعهم يعمدون إلى تجديد أساليب الحياة، بتهديم ما غدا باليًا منها، في وراثة واضحة لكراهية الأكثرية للأنبياء في بدايات بعثهم، استغل القادة السياسيون هذا الجانب المظلم من الشعوب لتحريكهم حسب أهوائهم السياسية، ناحية تهديم الأفكار التقدمية والتنويرية بذريعة الحفاظ على التراث الثقافي، تحرك بدا دائمًا على ارتباط وثيق بظهور أفكار تهدف إلى كسر الجمود الذي تعلق فيه الشعوب، وهو –أي الحراك التجديدي– ما تعمل الأنظمة الديكتاتورية والأفكار التقليدية الراديكالية على كبحه، ليكون الناتج شعبًا معزولاً، كالشعب الصيني يتوق ليصل إلى العالم أو يجلب العالم إليه حتى ولو بالمنتجات المزيفة التي يتم التلاعب بها في حالة مرضية نادرة فقط لتغدو الصين مرتبطة بالعالم أو أن يتشتت، كما وقع للشعب الألماني، ذات مرة، حين عمد نظامها الفاشي، بجلب جيوش العالم لتدك كل ركن من كل مدينة فيها، أو يتحول إلى مثال، الواضح عندنا في الشعب الليبي، المعزول عن العالم بشدة، بمنظومة أخلاقية وصور نمطية تم غرسها في رأس كل مواطن منها، لا يزال يرى بأن وطنية البلاد تكمن بالبقاء ضمن حدودها، وعدم الارتباط بالآخر، بل الترهيب من الآخر حتى تظهر فتاوى دينية تحرم تزويج الليبيات من غير الليبيين، إننا نعيش زمنًا مؤسفًا، بأفكار صغيرة كهذه، تجاوزها العالم، وتعلم الجميع من تجارب غيرهم، إلا نحن نصر على تكرار أخطاء الجميع، كأننا نسخة غير محررة من كل هؤلاء!!

2)  الذئب الذي يأتي ولا يأتي!
الحكاية الرمزية القديمة تتحدث عن صبي يتسلى بأهالي القرية التي يعمل عندهم راعيًا بأن يركض كل ظهيرة صارخًا بمجيء الذئب لينهش من القطيع، فيخرج أهالي القرية مستنفرين لحماية القطيع، ليكتشفوا أنها كذبة.

الصبي منقلب على ظهره من الضحك والسخرية لنجاح مقلبه، وقد كرر الأمر عدة مرات ونجح خلالها كلها، مؤكدًا سذاجة الأهالي الذين يصدقونه كل مرة.

حتى جاء يوم هجم فيه الذئب فعلاً، فما كان منه إلا أن ركض في تلك الظهيرة صارخًا، بأن الذئب يهاجمه، فلم يقم أحد من قيلولته وغفوته، ويقال إن الذئب أكل الصبي على مهل، دون أن ينجده أحدٌ!

إن ليبيا مرت بهذه الحالة، في كل إقليم، صرخ صبيان بذات نبرة، يسخر من الجميع، حتى من المستحيل إقناع الشعب بأي منها، لكي تجرب يمكنك جمع كل السخريات والمصائب في كومة واحدة كبيرة وإلقاؤها في وجه أي أحد، فلن تجد أحدًا يصدق أن هناك قوات معادية، لن يصدقوا أن هناك قوات أميركية، أو تشادية أو إن النفط سينتهي خلال 25 عامًا بداية من 2011 وهو أمر تحدث عنه محمود جبريل نفسه، كما لا يمكن تصديق أن هناك أقلية تتعرض منهجيًّا لإبادة عرقية.

إن شعبنا المتعب أصبح بحاجة إلى غفوة هادئة كأهالي تلك القرية، لا يمكن أن يصدق تلك الأسطوانات التي تكررت على نحو يبعث على السخرية، فلن يضحك عليهم أي صبي مرة أخرى، لا خوف إلا أن يحدث أي من تلك الأحداث، فعلاً، لأنه لن نجد أي مواطن سيصدق أيًا منها! عندها سيجد الذئب متسعًا من الوقت لفعل أي شيء يريده.