Atwasat

الحالة الليبية اليوم: إنها الجيوبوليتيك أيها الذكي

فضيل الأمين الأحد 08 يونيو 2014, 01:04 مساء
فضيل الأمين

في ليبيا يتصارع الليبيون على السلطة التي، لم تتشكل بعد، من أجل الوصول إلى الثروة التي ليس لها من يحميها أو يقننها.

ولكن ليبيا بالنسبة للعالم ليست السلطة ولا الثروة، وليست النفط ولا أنابيب الغاز، بقدر ما هي ضغط الرقعة والموقع.

إنها الجيوسياسية من جديد.

متوسطيا، موقع القطر الليبي في وسط جنوب المتوسط وعلى امتداد يكاد يصل 2000 كيلومتر. إنها الجارة الأكبر حظا والأخطر وقعا بالنسبة للقارة الأوروبية.

إفريقياً، موقعها في أقصى شمال القارة الأفريقية يجعلها نقطة التماس الأهم مع جنوب أوروبا ومن ثم مع القارة الأوروبية.

اقيلمياً، تجاور ليبيا ست دول عربية وإفريقية. مصر السودان وتشاد والنيجر وتونس والجزائر.

وعربيا، تجاور أربع دول عربية منها اثنتان من أكبر الدول العربية، مصر من الشرق والجزائر من الغرب. وهما دولتان تصارعان أمنيا خطر الإرهاب وسياسيا تحولاً سياسياً صعباً.

وأما الجارة التونسية فتحاول إدارة تحولها الديموقراطي بأكبر نجاح ممكن وأقل مخاطر معقولة. في حين تستمر الجارة السودانية في التدهور السياسي وعدم الاستقرار المناطقي.

وفي الجنوب والجنوب الغربي والشرقي، من مصر إلى السودان، إلى تشاد والنيجر والجزائر وتونس، لا يمكن أن نتجاوز دور القبائل الحدودية التي تقبع على طرفي الحدود التي تراها مصطنعة أكثر منها حقيقية. حدود في منظورها ليست سوى حواجز تفصل بين أبناء العمومة وتخنق صناعة النقل والمواصلات (التهريب) والتنقل التي لم تتوقف عبر مئات السنين لأنها جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة الاجتماعية والدورة الاقتصادية عابرة الحدود.

الجيوبوليتكية هي أساس الحركة والفعل السياسي والتحرك الاقتصادي والاجتماعي، ومن يحاول فهم لبيبا عبر برميل النفط أو الرؤية المؤدلجة فقط لمساحة من الأرض خارج إطارها ومحيطها لن يفهم ليبيا ولن يستطيع الفعل السياسي فيها.

عام 2014 يشهد تصاعداً حاداً في الجغراسياسية عالمياً، فالتحركات الروسية في أوكرانيا والمناوشات الصينية مع فيتنام والتوتر الياباني مع روسيا والتحرك الإيراني عبر حليفيها، سوريا وحزب الله، في الشرق الأوسط. كل ذلك يشير إلى عودة سياسة التدافع الجيوسياسي في العالم، وليبيا لن تكون خارج هذا التوجه العالمي. فهي تطل من عدة نوافذ وأبواب متعددة على دول تواجه تنوّعاً مركّباً من التحديات.

ومن هنا يختلط المحلي مع الإقليمي والدولي في ليبيا وتختلط الأوراق في بلد خرج من حرب أهلية متفتتاً سياسياً ومشحوناً عسكرياً ومتصارعاً أيديولوجيا.

المشهد السياسي الليبي مختلطةٌ أوراقُه بين داخلٍ يلعب به مراهقون سياسيا ومستقطبون آيديولوجيا وخارجٍ بعضُه يبحث عن أعوان أو نفوذ أو جزء من الغنيمة، وآخر يحاول درء المخاطر وتقليص التهديد الآتي من هذه الجارة التي تعدد اللاعبون فيها دونما قيادة جادة أو شريك مسؤول.