Atwasat

في توريث السلطة والعزل السياسي

بوابة الوسط - القاهرة السبت 31 مايو 2014, 11:07 صباحا

أرسلت مجموعة من الجامعيين والكتاب والفنانين المستقلين ومن المنتمين إلى حزب نداء تونس ( ولد بعد الثورة ويضم خليطا من أعضاء قدماء من حزب التجمع، حزب بن علي المنحل، ومن النقابيين واليساريين ) إلى رئيس الحزب الباجي قائد السبسي، وهو من العناصر الدستورية البورقيبية القدماء وتقلد منصب رئيس الوزارة بعد الثورة، رسالة تناقلتها وسائل الإعلام بشكل مكثف يوم 15 مايو الجاري وكتبت بحسب تاريخها يوم 6 مايو . وقالت عناصر النخبة السياسية التونسية في هده الرسالة " إنه لا مجال لعودة التجمعيين بصفتهم تلك ولا مجال للإقصاء والعقوبات الجماعية ولكن لا يجوز أن يوجد في صلب نداء تونس بل وفي مستوى قياداتها أشخاص كانت لهم مسؤولية جسيمة في المجال السياسي أو هم من ذوي السمعة السيئة والسوابق المعروفة في المجال الاقتصادي " وقال المثقفون في رسالتهم المطولة أيضا " إن بعض المنتمين إلى حركة نداء تونس دخلوا الحركة بعقلية الغنيمة والغزو وهو ما يجعلهم يعيدون إنتاج الكثير من السلوكيات المنافية للديمقراطية وللمواطنة والنتيجة هي تشكيك لدى الرأي العام في مصداقية الحركة إضافة إلى نفور الكثير من الناشطين والمناضلين السياسيين منها أو انفضاضهم عنها بعد أن كانوا متحمسين لها وهذا شأن الكثير من المثقفين ممن علقوا أمالا عريضة على الحركة ويمنون انفسهم ألا يخيب ظنهم فيها".

وأضاف الممضون على الرسالة " إن النهوض بالبلاد يقتضي التمسك بأخلاقيات العمل السياسي وبمعايير الكفاءة والشفافية والابتعاد عن المحاباة على أساس القرابة الدموية أو الانتماء الجهوي فبهذه المبادئ يمكن للحركة أن تحقق قطيعة مع الإرث التجمعي السلبي وفيها يكمن جزء من الحل للخروج من المأزق الذي تردت فيه البلاد بعد ثورة عقبتها سنتان من الحكم غير الرشيد وغير الكفء ( في إشارة إلى حكم الإسلاميين )
وتأتي هذه الرسالة التي تناقلتها وسائل الإعلام بكثرة ووجدت صدى كبيرا لدى النخب المثقفة في تونس على خلفية مشكلتين أساسيتين تشقان صفوف هذا الحزب وتهددانه بالانفجار الداخلي .

قضية التوريث
عين رئيس الحزب الباجي قائد السبسي ابنه حافظ قائد السبسي رئيساً للإدارة المركزية للهياكل والتعبئة بحركة نداء تونس، علما وأنّه شغل سابقا خطة رئيس لجنة الهياكل بالحزب، ويُعتبر هذا القرار الذي اتّخذهُ الباجي قائد السبسي يوم 8 ماي الجاري " دفعا قويا للتيار الدستوري والتجمعي بالحزب وسدّا للأبواب نهائيا أمام كل محاولات اختراق هياكل الحزب من قبل العناصر النقابية واليسارية .

وتجمع كل التحاليل في تونس على أن هناك صراعا داخل هذا الحزب بين شقين حول آليات تسييره ويتمحور الصراع حول التوجه نحو «توريث الحزب» وتحويله بالتالي إلى منظومة عائلية بحتة وهو ما يتنافى في نظر النخبة من المثقفين والجامعيين والفنانين وغيرهم (مستقلين ودستوريين وتجمعيين ويساريين ونقابيين، والكثير منهم أمضى على الرسالة موضوع هذا المقال) مع أبسط قواعد التسيير الديمقراطي . هؤلاء يساندون الموقف الذي يقف في وجه «حافظ» ليس من منطلق شخصي كما يؤكد الكثير منهم بل من منطلق «مبدئي» وللمحافظة على ما أسموه «المشروع الحداثي الديمقراطي بما يعنيه من قطع مع كل ممارسات «سيئة الذكر» التي تضم المحسوبية والتوريث والتسيير الفردي، ويبدو أن توضيحات رئيس الحزب لم تقنع هذه العناصر التي اضطرت في آخر الأمر إلى تحويل رسالة داخلية إلى رسالة مفتوحة موجهة إلى الرأي العام، بما يعني تصدير مشاكل هذا الحزب إلى خارجه . فقد قال الباجي في تصريحات نشرتها الصحافة التونسية " انه لا يغفل عن الإشارة إلى أنه «ضدّ مبدأ التوريث» وأنه يعلم من خلال تجربته «ما ينتج عن التوريث»، لكنّه لا يخفي «إشادة» من تعاملوا مع نجله بخصال الأخير الذي اعتبره الباجي قائد السبسي يتمتع بمواصفات تسمح له بالنجاح في إدارة الحزب والتنسيق بين الهياكل، فهو لا ينتمي إلى أي رافد من الروافد. كما شدد الباجي قائد السبسي على أنه لم يحابِ ابنه ولم يقدّمه بل وصل إلى حد القول أنه قد يتخلى عن حافظ ابنه ليشفي غليل البعض «، والمقصود من قوله من يروج في حركته إلى أنّه «يريد توريث ابنه» واعتبر أنّ هذا القول يعكس سوء نية أصحابه، ودافع عن نفسه بتأكيده أنه "على نفس المسافة من الجميع."وعن الحديث عن "صعود" نجله بهذا النسق المتسارع شدّد الباجي قائد السبسي على أنّ جميع من التحق بالحزب بعد تأسيسه « حقّقوا صعودا سريعا»،

عودة الطابور القديم
أما المشكل الثاني الذي يبدو أنه أحد الأسباب التي تختفي وراء الرسالة هو عودة العناصر القديمة من حزب بن علي المنحل إلى الظهور ومحاولتها الاستيلاء على حركة نداء تونس . لقد أثارت عودة التجمعيين إلى العمل السياسي بتكوينهم لأحزاب أو انضمام الكثير منهم إلى حزب نداء تونس و ظهورهم في وسائل الإعلام من جديد ودفاعهم عن حقهم في الحياة السياسية والعامة جدلا واسعا امتزج بخوف البعض من جرأتهم التي يرى البعض أنها تهدد الثورة وتعلن بنوع من الصفاقة بروز بوادر ثورة مضادة. وبرزت هده العودة بعد المصادقة على الدستور التونسي في 27 جانفي 2013 والمصادقة على قانون العدالة الانتقالية الذي من المفروض أن يحاسب العناصر القديمة المتورطة خاصة في الفساد السياسي والمالي، ولكن خاصة بعد إخفاق المجلس التأسيسي أخيرا في إدراج فصل في القانون الانتخابي يمنع المسؤولين في حزب بن علي المخلوع من الترشح إلى الانتخابات القادمة

وقد سادت حالة من التشنج والفوضى وتبادل للتهم بين نواب المجلس الوطنى التأسيسى بعد إسقاط الفصل 167 الذى صوت لفائدته 108 نائب واحتفاظ 43 ورفض 23 آخرين خلال الجلسة العامة المنعقدة عشية يوم الأربعاء 30 أبريل 2014. في حين أنه كان من المطلوب أن يحوز مشروع الفصل على الأغلبية المطلقة وهي 109 نائبا . ولم تفد إعادة التصويت على الفصل شيئا إذ سقط من جديد في التصويت الثاني عليه
وينص هذا الفصل فى صيغته الأصلية الواردة في مشروع القانون الانتخابي بعد رفض كافة مقترحات التعديل على منع الترشح لانتخابات مجلس نواب الشعب على كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة فى عهد الرئيس المخلوع، باستثناء من لم ينتم من أعضائها إلى التجمع الدستورى الديمقراطى المنحل، وكل من تحمل مسوولية فى هياكل التجمع المنحل وفق مقتضيات الأمر عدد 1089 المؤرخ فى 3 أغسطس 2011. ويخشى الكثيرون بعد سقوط هذا الفصل من عودة العناصر القديمة إلى العمل السياسي وخاصة تلك التي انخرطت بكثافة في حزب نداء تونس مما يهدد وحدة هذا الحزب واستيلاء أعوان بن عي عليه بعد أن تؤول الأمور إلى ابن الباجي قايد السبسي المدعوم من هذه العناصر . وهو نفس الخوف الذي عبر عنه المثقفون في رسالتهم المذكورة . فأي مصير ينتظر حزب نداء تونس المرشح الأبرز في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة . وهل سيؤول الأمر إلى تفككه وربما إلى تشظيه إلى مجموعة من الأحزاب ذات التوجهات المتنافرة . وهل يكون الإسلاميون هم المستفيد الأول من هذا الشقاق . ؟

• أستاذ جامعي تونسي.