Atwasat

انسحاب تكْ تيك ْ

سعاد الصيد الورفلي الأربعاء 28 مايو 2014, 08:43 مساء
سعاد الصيد الورفلي

يسرقنا الوقت ولانستطيع استعادة بيانات كثيرة من مشاوير حياتنا المنتهية مع مروره السريع، قد تحلو بعض الأوقات ونشعر أننا سكنا فيه. ونقنع أنفسنا بالإقامة ـ ونظل نراوح ونراوح إلى أن نسمع دقات الساعة الشبيهة بتوقيت بيغ بن..وذاك الصوت الجرسي الفخم، وحينما نعتدل متيقظين نجد أننا أمضينا وقتا طويلا دون إنجاز، نتحدث كثيرا نروي، نقص، نكتب، نعلق، ندردش، نغوص في كلماتنا المتشابهة، نكرر علامات الإعجاب يتكرر التعليق : رائع – مدهش – رؤؤؤؤؤؤعة –

أهكذا نكتب، نتكلم،؟ تلك الأجواء لها "أذونات" * خاصة في بعض الخطوط في الشكل والرسم، قد تجد متخصصا في علوم اللغة في رده على بعض التعليقات أو الشات هكذا : راااااااااااائع" هو لايقصد بتاتا رسم الكلمة بهذه الصورة ،إلا أنني أعتقد بل وأكاد أجزم أنه سيأتي علينا زمن يحللون فيه رموزنا الكتابية هذه. غير أننا عندما نكتب : راااااآآآآائع – على ذلك الفضاء، فإنه يعني الصوت –حسبما يقع في نفس الكاتب – كأني أرفع صوتي راااااااااااائع –اثنتا عشرة درجة من درجات المد..إلا أن ما نعرفه أن المد بمقدار أربع أصابع، كما يقبض المقرئ أصابعه الأربعة أو يبسطها بمقدار أربع حركات..مدا صوتيا.

نقضي أوقاتنا بأخطائنا وعيوبنا بميزاتنا وحسناتنا، بقلوبنا وعقولنا، ألِفْنا ذلك الفضاء، قد يهمك من مائة صديق واحد يملأ حياتك فكرا وحكايات، مواقف َ وقصصا من فنون شتى تحتاج إلى مشورة، سرعان ما تجدها في سطور يظهر بها ذاك الساكن في ذاك الفضاء ؛ صرنا جيرانَ رغم بُعد الشقة، على يمين الشاشة تظهر صديقة تغني " احنا والقمر جيران"

بينما يبرز تيار آخر يهدد ويتوعد، يصب جام غضبه في ذلك البراح، يبرز آخر يرد عليه بضاعته، بين ثنايا الأسطر فاتنة تقطع عليهم أحاديثهم المسترسلة في الأحزاب- تكتب كلمة مشاكسة، فيلتفت الجميع عما هم فيه فتكل عزيمتهم وتخور قواهم وتبهت أقوالهم، فينتحي أحدهم جانبا ليخبرها أنها أحسنت، رغم أنها لم تحسن وبرعت رغم أنها لم تبرع...... لحظات ويرسل طلبا لصداقتها ويدخل" شاتها"..وتنسى أين وجدته وينسى أين التقاها!

يسيران بين جوانب الطريق ويقع هذا على ضالة أخرى، وتستمر هي الأخرى في حذف مشاكساتها دون تورع.. دون قصد، وتعود لتنام، ثم تستيقظ محركة بأناملها أزرارا ناعمة " توت توت توت" عشرون رسالة، خمسون تعليقا،!! لكنني لم أكتب شيئا سوى : أشعر بغضب – تشعر بالمحبة – تشعر بالنوم – تشعر بالحرب!
هذا كل شيء.... الثقافات صارت مشاعا، لكن ماذا اكتسبنا؟  الكثير من الرؤى تعرض سوقًا مفتوحًا لا يقفل أبدًا، لاليل ولانهار.... هناك من لا ينامون البتة ،فإشارة أون لاين على مدار الأربع والعشرين ساعة!

حتى وقت القيادة هناك من يرسل منشوراته، ثمة قصة طريفة عابرة: أحدهم وهو في طريقه، يرد على شات فتاة تراسله، هي في البيت ترشف كوب شاي، وهو في السيارة منتظرا الإذن من إشارة المرور بالانطلاق، يكتب :
هاي
وينك انتِ؟
أنا بالبيت وبجنبي كوب شاي
ياريتني معاك
أبواق السيارات تتردد....فتحت الإشارة...
ضغط أوكي...إرسال!!
كاتب ما..يشرح مأساته مع الواقع بالصدمات التي يتلقاها يوما عن يوم، خيباته..خيبات الوطن...متوالية في أصدقائه، عهدهم أخوة محبين له لكنهم ينهالون عليه نقدا وتجريحا واستهزاء في إحدى منشوراته التي عبر فيها عن معارضته لأحد الأحزاب!!
كتب : إنني أشعر بخجل، وبكدمة نفسية عميقة...وبجرح وبضيق وبقلق لا أستبعد أبدا رصاصة تنهي حياتي...تنهي كتاباتي..صرخاتها..اعتراضاتها..بهاؤها.. تقف في وجه قلمي!
أحبابي : اسمحوا لي أن أتغيب عنكم فترة حتى أستعيد بياناتي، حتى أرتق الشرخ في نفسي...حتى يعود وطني "....
سرعان ما يأتيه تعليق بمجرد النشر من إحدى المعجبات : هل ستغادرنا؟
مصحوبًا سؤالها بأيقونة حزن 
كلا يا عزيزتي...بل هو انسحاب تك تيك!