Atwasat

الطريق إلى بروكسل

خليفة البشباش السبت 10 مايو 2014, 05:40 مساء
خليفة البشباش

تلقيت مكالمةً من قسم الإعلام بالسفارة الأميركية تخبرني بأنّه تم ترشيحي في برنامج تقيمه السفارة الأميركية لزيارة مقر حلف الناتو في بروكسل لمدة يومين؛ للاطلاع والتعرُّف على الحلف واللقاء ببعض مسؤوليه الأوروبيين والأميركيين، وسؤالهم عن أهم القضايا المطروحة في حال رغبت بذلك. فكرت في الموضوع وبعد الاطلاع والبحث في الإنترنت عن برامج السفارة الأميركية الكثيرة في ليبيا والمنطقة وافقت على خوض التجربة والتقينا ممثلاً عن السفارة الأميركية شرح لنا ماهية الزيارة. معرفة ما هو الناتو. اللقاء بالمسؤولين. سؤالهم ... زيارة مقرات الحلف.

بعد عودتنا أخبرنا أن بإمكاننا الكتابة عن الرحلة أو عدم الكتابة أنتم أحرار، لكن في حال الكتابة تراعى المهنية الصحفية في النقل عن مسؤولي الحلف. أكملت الأوراق اللازمة للسفر ثم وصلنا إلى بروكسل ليلة الـ28 واتجهنا للفندق مباشرةً؛ لأنّ الوقت تأخر وفي الصباح تبدأ جولتنا باكرًا، قمت بجمع مذكراتي ومراجعة آخر ما جمعته بالخصوص قبل أن أنام تلك الليلة، وفي الصباح انتقلنا إلى المقر السياسي لحلف شمال الأطلسي "ناتو" إجراءات أمنية متوقعة لمكان كهذا. تم منعنا من التقاط صور داخل المقر. وبدأنا الجولة واللقاءات.

"سلاحنا هو الردع، ونحن منظمة عسكرية تعنى بحماية أعضائها ومساعدة من يعقدون شراكات معها"، هكذا كان الرد على سؤالي في اللقاء الأول الذي أفردته مسؤولة إيطالية في الحلف للتعريف به وبطريقة عمله، قالت إن الحلف تطوّر وأهدافه كذلك منذ التأسيس، قالت إنّهم يتعاونون مع الأمم المتحدة دائمًا، وأن القرارات لا تمر إلا بالإجماع وأصغر دولة في الحلف يمكن أنْ تعرقل قرارًا تريده أميركا التي تُسهم بـ72 في المائة من إمكانيات الحلف، فقط من يعترض على مذكرة أو قرار عليه إيجاد بديل، قالت إنّ الحلف في حالة اجتماعات ومتابعة مستمرة لما يدور في أوكرانيا هذه الأيام، وكان اللقاء عمومًا تعريفيًا بالحلف وأعضائه وقوانينه المختلفة.

بعد ذلك اتّجهنا لمكتب إدارة الأزمات والكوارث، وهو مكتب يعنى بشأن إنساني، وهو التعامل مع الكوارث الطبيعيّة في العالم والمساعدة في أعمال الإجلاء والإنقاذ، "عندما لا يوجد كوارث لا نجلس خلف المكاتب" هذا ما قاله مسؤول المكتب، لدينا فرق على أتم الاستعداد، وعندما لا تكون هناك كارثة نحن مستمرون في التدريب وتطوير قدراتهم ولا نجلس خلف المكاتب! سألته أنّه في معرض حديثه قال إنهم شاركوا في نحو 60 عملية إنقاذ وإغاثة، وهو رقم هزيل مقارنةً بحجم الحلف كمنظمة أُسّست في أربعينات القرن الماضي. وأجاب: نعم صحيح إنه رقم بسيط لأنّ هذه ليست مهمتنا الأساسيّة، ولأننا لا نقوم بذلك إلا عندما تطلب منا الدولة المتعرّضة للكارثة أنْ نساعد في هذا.

سألنا لماذا تدخلتم في ليبيا ولم تتدخلوا في سورية؟ وأجابوا نحن لم نتدخل في ليبيا لأن الحلف أراد أنْ يتدخّل، بل لأن مجلس الأمن والأمم المتحدة طلبوا منا ذلك

انتقلنا بعد ذلك للتعرف على "شراكات الحلف" أي دول غير أعضاء تتعاون مع الناتو "الشركاء هم من يختارون نوع الشراكة وليس نحن"، هكذا بدأ المسؤول حديثه، وقد أسهب في شرح ما عُرِف بالحوار المتوسطي وهو تعاون بين الناتو وبين كل من مصر والجزائر والمغرب والأردن وتونس، كما ذكر شركاء لهم في الخليج كالكويت وقطر والإمارات. وكذلك إسرائيل الشراكة تكون تعاونية استشارية غالبًا، وتبادل لمعلومات تهم أمن المناطق، والمساعدة في مثل هذه الأمور؛ لكن التدخُّل عسكريًا يبقى خيارًا بعيدًا لأنه يعتمد على إجماع الدول الأعضاء، ورغبتهم في المشاركة يبدو أنهم يرون أيضًا أن جزءًا من الحل في ليبيا هو التعاون والتشارك معهم بالانضمام للحوار المتوسطي، وممكن أن يفيد هذا ليبيا حسب اعتقادهم، إلا أن الأمر يعتمد على الحكومة الليبية، سألنا لماذا تدخلتم في ليبيا ولم تتدخلوا في سورية؟ وأجابوا نحن لم نتدخل في ليبيا لأن الحلف أراد أنْ يتدخّل، بل لأن مجلس الأمن والأمم المتحدة طلبوا منا ذلك، استمرّ الحديث عن التعاون والشراكة لكن هذه المرة أُعطيت الكلمة لممثلين عن دول لها شراكات مع الناتو.

تحدّث ممثل الإمارات العربية المتحدة وممثل المملكة المغربية وممثل النمسا لدى الحلف، جميعهم تحدث، عن أهمية الشراكة والتعاون في مسائل الأمن والسلم، وأنّهم لا يتدخّلون في الحروب لكنهم يتعاونون لحفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة في الشرق الأوسط وغيره، كل من ممثل الإمارات وممثل المغرب قالا إنّ ليبيا ينبغي لها أنْ تنظم لشراكة مع الحلف لمساعدتها على التغلُّب على الأخطار الأمنية التي تهدّدها في هذه المرحلة. يذكر أنّ مصر والأردن والجزائر وقطر الكويت وعدة دول خليجية أيضًا مشاركة فيما يعرف بـ"الحوار المتوسطي"، وهو شراكة متعددة الأطراف تضم عدة دول عربية، إضافة لإسرائيل! هدفها الأساسي تعاون كل دولة مع الحلف للمساعدة على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، وتملك كل دولة على حدة قرارها في نوعية الشراكة التي تريد، تحدّثوا أنّ على ليبيا الوفاء بوعودها أيضًا ومن ذلك الإصلاح الأمني وتغيير بعض القيادات الأمنية لكي تتمكّن الدول من مساعدتها، لا بدّ من الاستقرار السياسي لكي يوجد الاستقرار الأمني ولكي نتمكّن من التعاون مع ليبيا لأنّ تغيير الحكومات بسرعة يعرقل جهود التعاون، قالوا إنّ أغلب المنظّمات الدولية والدول فرادى مستعدة لتقديم المساعدة لليبيا فقط على الحكومة هناك تحديد ما تريد، والوفاء ببعض وعودها للمجتمع الدولي، بعد ذلك انتقل الحديث لمسؤول في الحلف كان هو من قاد الإشراف والتواصل مع القيادات الليبية أثناء وبعد ثورة 17 فبراير، وقد قال كلاما كثيرًا مهمًا وبدا أنّه مطلع تمامًا على كل ما يجري، وقال إنّ آخر زيارة له لليبيا كانت قبل عدة أشهر، وأنّه التقى بأغلب التيارات والثوار في ليبيا في فترة الثورة وبعدها.

ومن أهم ما قاله: القذافي دمّر الجيش لأنه لم يكن يريد أن يفعل به أحد ما فعله هو في سلفه، في خضم اتخاذ قرار 1973 والحظر الجوي تحدثنا مع الجامعة العربية وقلنا إن منطقة حظر جوي لا تقدم حلاً فيما بعد سقوط القذافي، ومن الأفضل إنزال قوة بسيطة للتحكم ولو جزئيًا في السلاح الكثير الذي يملكه القذافي، لكن عمرو موسى (الأمين العام للجامعة العربية وقتها) رفض بشدة وقال لنا (أنتم لا تعرفون الشعوب العربية جيدًا!)! وهذا ما حدث. بعد الثورة مباشرةً في مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي عُقد في قطر حينها طلب مصطفى عبدالجليل من الحلف البقاء للمساعدة في بعض الأمور، لكن ردنا كان إن التفويض الممنوح لنا من مجلس الأمن، انتهى ولن نتدخل في شيء دون تفويض. انقطع الاتصال بيننا وبين ليبيا إلى ما قبل فترة بسيطة حين جاء زيدان وطلب من الحلف المساعدة في تأسيس وحفظ الأمن، قمنا بالرد عليه بمذكرة تفاهم وطلب توضيحًا لنوع المساعدة لكنه أُقيل، تحدّثنا مع نائبه وقيل لنا قبل أيام إنه استقال! نحن نرغب في مساعدة ليبيا لكننا نتحدّث فقط مع الحكومات! ومن هي الحكومة في ليبيا؟ لا يمكن أن يكون هناك تعاون دون استقرار سياسي، هذا يعرقل تمامًا أي جهود للتعاون، أمن ليبيا مسؤوليّة الليبيين ويجب عليهم تحملها ونحن سنساعدهم، لكننا لن نتدخّل عسكريًا، يمكن إن نساعد في القوانين في هيكلة المؤسسات الأمنية في التدريب في المعلومات، لكن تدخُّل عسكري لا، الحلف لم يفكر أبدًا، ولا يوجد ضمن أروقته أي رغبة في التدخُّل عسكريًا في ليبيا بعد انتهاء التفويض الممنوح لنا في 2011، روما لم تبن في يوم واحد، هذا مثل يُساق عندنا في إيطاليا. ما تمرُّون به أمر طبيعي ومرّت به كل الدول التي حدث فيها ما حدث في ليبيا لكن التحدي هو مسؤوليتكم أنتم الليبيون ادعموا مؤسَّسات الدولة وأيدينا ممدودة لأي مساعدة، الحلف ليس شرطيًا! على الجميع معرفة هذا الحلف مؤسسة أُسست للدفاع عن أعضائها، ثم تطوّرت لحفظ الأمن في دولها، وبما أن الأمن العالمي مرتبط اليوم ببعضه فنحن نساعد الجميع لكننا لسنا شرطيًا لنتدخل في أي مشكلة، العلاقات الخارجية مبنية على المصالح. ومصلحة الحلف وبعض دوله هو حفظ الاستقرار والأمن في ليبيا ولا يوجد أي أهداف أو مصالح أخرى.

في اليوم التالي كانت الزيارة للقاعدة العسكرية واطلعنا على بعض ما سُمح لنا بالاطلاع عليه فيما يخص جاهزيتهم وقدرتهم وطريقة تعاملهم مع الحروب. وفي ختام المقال هذا انطباعي عن الرحلة: في العموم كانت رحلة مميزة من ناحية معرفية، لقد عرفت الكثير عن الحلف ودوره وهيكليته وطريقة عمله وتواصله مع الإعلام وقنواته ومواقعه، كذلك عن موقفه من أهم القضايا العالمية كأوكرانيا وروسيا والخاصة بليبيا ونظرته للشرق الأوسط ولنا تحديدًا وللعالم. هناك أبواب معرفية جديدة فتحت وأشياء تأكدت منها، وأشياء صححت فهمي لها، أتاحت لي الرحلة أن أكون قريبًا جدًا من أهم مسؤولي العالم، وأتيحت لي فرصة سؤالهم بحرية. أظن إن السفارة الأميركية قامت بهذا البرنامج في إطار التعريف بتحالفاتها وسياساتها في الحلف، لكنها كانت رحلة أعمق وقد قمت بدافع شخصي بنقل كل ما جرى للرأي العام على صفحتي الخاصة وفي بعض الجرائد والمواقع.