Atwasat

سخافة الصحافة

فتحي بن عيسى الأربعاء 07 مايو 2014, 03:37 مساء
فتحي بن عيسى

كالعادة احتفل الصحفيون الليبيون باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق الثالث من مايو من كل عام، وكالعادة أقمنا بكائية في قالب احتفالي يعكس انقسام أصحاب المهنة الواحدة، ففي مثل هذا اليوم اعتدنا أن ندبج الكلمات عن حرية الصحافة وحق التعبير واحترام الرأي وعدم إقصاء المخالف دون أن ننسى الخطوط الحمراء التي تزداد عددًا وسمكًا في كل يوم، يتخلل كل ذلك احتفاء بشخصية صحفية في العادة تكون قد غادرت الدنيا تمسكًا بموروث ثقافي نُصر على أصالته (لما كان حي اشتاق لبلحة ولما مات علقوا له عرجون)! وتكتمل عبثية المشهد عندما يتصدر الجمع خصوم الراحل وهم يشيدون بمزاياه التي افتقدوها وخصاله التي عرفوها! وكيف أنه أسر لهم وقالوا له وقال لهم! وساعدوه ونصحوه وساندوه! دون أن يغفلوا الانتقاص من أعدائه أعداء الإبداع!

وإن فكرت مجموعة خارج الصندوق وقررت تكريم شخصية لا تزال على قيد الحياة تسل الحناجر المغموسة في زعاف الحقد والحسد طعنًا في نوايا منظمي التكريم، وتنفث سموم الوشاية والانتقاص وتلفق القصص والحكايات التي تصب في مجاري عدم استحقاق من تم تكريمه، لا سبب سوى (الكره في الله لله) وهذا سبب ننفرد به عن دون خلق الله أجمعين حسب اعتقادي! فعادة ما تسأل أحدهم لماذا تكره فلانا؟ هل سرقك هل أذاك هل وهل؟ فيكون جوابه: لا، الحق لم أر منه شيئًا إلا أنني أكرهه لله في الله!

ثم ينفض جمع المحتفلين والمحتفين بالصحافة المنشغلين بهمومها على لا شيء سوى بيان مقولب يعاد إنتاجه في مثل هذه المناسبات! بعد أن يكونوا قد أتوا على آخر قطعة في (البوفيه) الذي سيغطي على الحدث نفسه، كم قطعة حار وكم قطعة حلو! وجودة الطباخ وإتقانه للبيتزا، وهل استخدم لحمًا وطنيًا في إعداد الكبة اللبنانية أم لا؟

أربع سنوات على سقوط نظام لم يدخر الصحفيون والإعلاميون وما اصطلح على تسميتهم بالنخبة والطليعة المثقفة والتنويريين، لم يدخر أي منهم خطبة أو مقالة أو خاطرة أو (حتى هدرزة) فضلاً عن ثرثرة تؤكد أن بإمكانهم عمل الكثير لصالح الصحافة والصحفيين والنهوض بالمشهد الثقافي عمومًا ضمن رؤية حداثية لنقل المجتمع الليبي إلى مصاف الشعوب المتحضرة! فقط (ينتظرون) التخلص من قيد النظام البغيض عدو الفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين والصحافة والصحفيين على الرغم من أن كثيرًا منهم، إن لم يكن كلهم، ما زالوا يحتفظون بجوائزه وهداياه وعطاياه!

أربع سنوات على زوال سبب التأخر والتقهقر الصحفي والثقافي والفكري ولم ننجح حتى اليوم في بناء نقابة واحدة بالمعنى الحرفي (بفتح الحاء) والحرفي (بكسر الحاء)، ولم نقدم إنتاجًا معرفيًا أو رؤية واعية تسهم في بناء دولة توشك أن تصبح من الماضي! بل فشلنا وعجزنا عن الاتفاق حول ميثاق شرف مهني وهو نص في العادة فضفاض لا يحمل أي التزامات مادية أو إجرائية! أما عن السياسات التحريرية في الصحف والقنوات الفضائحية فذاك شأن آخر! ولن أتحدث عن أخبار نفس الشارع الذي تقع فيه المؤسسة الصحفية وتنقلها عن "رويترز والأناضول" وأحيانًا عن صفحات الـ"فيسبوك" التي لا يعرف لها صاحب! سوى قالوا!

لقد كشف سقوط القذافي الغطاء عنا أننا مجرد ظواهر صوتية لا غير!

أربع سنوات ونحن، المتقمصين دور النخبة، نتحدث عن المصالحة بين الليبيين، وداخل بيتنا الصحفي من العداوات والمزايدات ما الله به عليم!

نتحدث عن ضرورة بناء دولة المؤسسات وما إن يتمكن أحدنا من مؤسسة ما حتى يصبح لسان حاله (أنا ربكم الأعلى) (ما أريكم إلا ما أرى)! ويتحول المعول عليهم في نشر ثقافة المؤسسات والحقوق إلى جوقة تستجدي المكافآت وتتنافس على الرحلات وتتفنن في تبرير المصروفات!

فاقد الشيء لا يعطيه!
لهذا فلا تتوقع إنتاجًا معرفيًا وثقافيًا ممن عجز عن تبني ورقة تحمل مبادئ عامة اسمها ميثاق شرف المهنة! فضلاً عن أن يكون لديه جسم نقابي يصبح أنموذجًا تحتذي به باقي شرائح المجتمع!

نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا، وما أبرئ نفسي فأنا أول المدانين.