Atwasat

الصناعة النفطية وتوزيع الثروة

الدكتور محمد أحمد الأربعاء 22 نوفمبر 2017, 12:36 مساء
الدكتور محمد أحمد

الاقتصاد الليبي يشبه في تكوينه أي اقتصاد ريعي يعتمد على مصدر واحد للدخل، وهذا بالطبع ينسحب على الدول المصدرة للنفط وفي طليعتها دول «أوبك».

ببساطة النموذج مبني على فكرة بسيطة وهي أن الشعب لا يعرف كيف يستغل ثرواته الطبيعية، ولهذا فهو يمنح تفويضاً للحكومة بامتلاك هذه المصادر نيابة عنه لتسيير العمليات الاقتصادية المرتبطة بالنفط في الدولة.

أضافت موجة تأميم الصناعة النفطية في السبعينات لاعباً جديداً للامتياز الاحتكاري وهو الشركات النفطية الوطنية

أضافت موجة تأميم الصناعة النفطية في السبعينات لاعباً جديداً للامتياز الاحتكاري وهو الشركات النفطية الوطنية، المبنية أساساً على مبدأ الملكية العمومية للصناعة النفطية وأبقي القطاع الخاص المحلي بعيداً عنها، إلا في نشاطات جانبية مثل التموين والتنظيف والنقل المحدود. زادت بالطبع مداخيل الحكومات بعد ارتفاع الأسعار النفطية عالمياً وتخفيض حصة الشريك الأجنبي الذي قبل، مضطراً، الانسحاب من دول بالكامل مثل السعودية أو العراق، أو جزئياً بقبول اتفاقات مقاسمة الإنتاج مع دول مثل إندونيسيا وليبيا.

يقال دائماً في علم الاقتصاد إن الاحتكار يحمل بذور فنائه، وبالفعل فإن هذه المقولة تحققت في الصناعة النفطية لأكثر من مرة، فاحتكار الترست الأميركي الذي قاده روكفلر انهار بسبب سياسات القوة التي اتبعها ضده منافسوه، وانهار بعدها احتكار ما يسمى «لجنة السكك الحديد الأميركية» التي تحكمت في أسعار النفط عن طريق التحكم في النقل بالقطارات، مما عجل ببناء شبكة أنابيب منافسة وأخيراً انهار احتكار كارتل الشقيقات السبع بعد مواجهة ضد مصالح الدول النامية المنتجة والمصدرة للنفط.

عديد المراقبين توقعوا انهيار «أوبك» بسبب الاختلافات بين أعضائها، الأمر الذي لم يحدث على مدى أكثر من خمسين عاماً.
مبدئياً التحالف القائم بين حكومات «أوبك» والشركات العالمية الكبرى للنفط سمح لها بالاستمرار لمدة طويلة من الزمن، أحد شروط هذا التحالف هو تقييد تطور الصناعة المحلية للنفط داخل الدول للشركة العامة فقط المملوكة من الحكومة مع بقاء الطاقات الوطنية الخاصة خارج إطار اللعبة، المشكلة أن هذا لن يمكن له الاستمرار في الوضع الحالي نتيجة لعدة عوامل.

محدودية قدرة الاقتصادات المحلية
أهم هذه العوامل هو عدم رضا الشعوب على أداء حكوماتها في ما يختص بتوزيع الثروة النفطية على المجتمعات المكانية. هذا بالطبع ممكن أن يرجع لعديد العوامل مثل محدودية قدرة الاقتصادات المحلية على امتصاص العوائد النفطية، وانتشار الفساد المالي والإداري في الحكومات بالتحالف مع الشركات أحياناً، وأخيراً تنوع المطالب الشعبية بما يفوق قدرة الحكومات على تلبيتها في ظل مجتمعات متنامية سكانياً بمعدلات عالية جداً.

ما ذكر أعلاه سيثير سؤالاً مهماً حول مدى تجديد التفويض الذي أعطته الشعوب للحكومات للملكية العامة للموارد النفطية.
ظواهر سرقة النفط في نيجيريا وبمستويات فائقة، وخروج كردستان العراق عن سيطرة الحكم المركزي في إنتاج النفط مع تهريب كميات هائلة من الجنوب العراقي عبر إيران، كلها تشير إلى أن الشعوب ترفض تجديد التفويض في الملكية العامة للموارد الطبيعية دون قيد أو شرط.

الخلاصة النهائية هي عن وضع الصناعة النفطية في ليبيا وتأثير كل ذلك عليها. بالطبع الصناعة النفطية في ليبيا غير مفصولة عن العالم، وتتأثر مصيرياً بما يحدث من تطورات متسارعة ومتلاحقة فيها.

وضع شركة «مؤسسة» وطنية نفطية مركزية مملوكة بالكامل للدولة لن يستمر طويلاً، ولكن البحث عن بدائل وطنية من القطاع الخاص ولو بصورة جزئية ربما سيصطدم بنقص القدرات المالية

إن وضع شركة «مؤسسة» وطنية نفطية مركزية مملوكة بالكامل للدولة لن يستمر طويلاً، ولكن البحث عن بدائل وطنية من القطاع الخاص ولو بصورة جزئية ربما سيصطدم بنقص القدرات المالية والتكنولوجية للقطاع الخاص. وفي الحقيقة هذا لا يبرر الاستمرار في الوضع الاحتكاري المطلق.

يمكن في هذا الخصوص الاستفادة من التجربة النرويجية في الدفع بالقطاع الخاص لقلب الصناعة النفطية عن طريق تحرير خدمات الطاقة وتطوير حلقات الطاقة. هذه التجربة تبني نموذجاً لقطاع خاص يتخصص في نشاط الصناعة النفطية، مدعوماً بمؤسسات مالية وربما تكنولوجية من قطاع الاتصالات والمعلوماتية وخدمات النقل والضخ بالأنابيب والنقل البحري.

هذه التجربة في طور التطبيق في نيجيريا وكذلك في بعض دول الخليج العربي، خصوصاً مع طرح شركة «أرامكو» 10% كأسهم في السوق المالية.

المستقبل عموماً يشير إلى أن تكون الشركة الوطنية للنفط أو ما يعرف عندنا بـ «المؤسسة الوطنية للنفط» وشركاتها لاعباً قائداً في الصناعة النفطية المحلية بالتشارك مع القطاع الخاص وذلك لفتح قناة جديدة لتوزيع الثروة في المجتمع، مما سيؤدي إلى تخفيف الضغط على الدورة المغلقة ومختنقاتها.